الظروف المعيشية الخانقة وحالة التدهور الكبيرة التي يعيشها الإيرانيون منذ سنوات عديدة، نتيجة العقوبات الدولية المفروضة على البلاد، بسبب برنامج إيران النووي، وسوء الإدارات المتعاقبة على الحكم على مر عقود، وهو ما انعكس سلبا على اقتصاد البلاد عموما، وتسبب بحالة من التضخم الاقتصادي، وزيادة نسبة الفقر.

إزاء ذلك، شهدت محافظات إيرانية عديدة منذ أسبوعين موجة احتجاجات شعبية، تعتبر الأولى من نوعها في عهد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وتأتي هذه الاحتجاجات فيما لا تزال “مفاوضات فيينا” النووية غير المباشرة بين طهران وواشنطن، تواجه تعثرا في طريق التوصل إلى إبرام اتفاقية تعود إيران بموجبه إلى التزاماتها النووية مقابل رفع العقوبات عنها، التي من المتوقع أن تخفف الأزمة الاقتصادية فيها.

ويبدو أن إجراءات الحكومة الإيرانية سيكون مصيرها الفشل ما دامت إيران لا تتعامل بانفتاح مع العالم وتستمر في تحمل العقوبات الاقتصادية على حساب الشعب الإيراني وتفقيره، وسط استمرار إيران في مناوراتها ومناكفتها فيما يتصل بمفاوضات الاتفاق النووي مع الدول الغربية، ويبدو أيضا أن مشكلة إيران مع الولايات المتحدة الأميركية أساسية، ولن تحل أبدا بالمفاوضات.

هل نشهد تصعيدا من قبل السلطات؟

أجرى “الحرس الثوري” الإيراني ومنظمة “الباسيج” مناورات على مستوى البلاد، بالتزامن مع استمرار الاحتجاجات الشعبية في مختلف مدن إيران، على الرغم من الإجراءات الأمنية المشددة، ‏وسط اعتقال السلطات الإيرانية مزيدا من النشطاء وزيادة عدد السجناء المضربين، وفق موقع “إيران إنترناشيونال“.

وقد أعلن محمد رضا ليلي زاده قائد عمليات “الحرس الثوري” في “فيلق ولي عصر” في خوزستان، يوم أمس الجمعة، عن إجراء مناورة “إلى بيت المقدس” بمشاركة 65 كتيبة من كتائب بيت المقدس و28 كتيبة كوثر للأخوات. وقال إن المناورة ستستمر حتى اليوم السبت.

في غضون ذلك، شهدت محافظة خوزستان احتجاجات واسعة النطاق خلال الأسبوعين الماضيين بسبب ارتفاع الأسعار، وقد قوبلت هذه الاحتجاجات بالقمع من قبل السلطات الإيرانية.

من جانبه، برر ليلي زاده، إن هذه المناورة تهدف إلى تحسين مستوى الاستعداد الدفاعي والأمني لقوة “الباسيج” وتجهيز الوحدات للقيام بعمليات حقيقية في المجالات الاجتماعية في عموم محافظة خوزستان. وتجرى المناورة فيما تتواصل الاحتجاجات في مدينتي إيذه، ودزفول في المحافظة.

وضمن هذا السياق، فيما إذا كانت ستقابل الاحتجاجات الشعبية تصعيدا من قبل السلطات من حيث استخدام العنف والاعتقالات، يعتقد المحلل السياسي الإيراني، مهدي عقبائي، أن “هذه الاحتجاجات بدأت قبل عدة أسابيع، ولمعالجة الأزمة منذ البداية، كان على حكومة طهران أن تختار إما دعم توفير الاحتياجات الأساسية للناس أو الاستمرار في قمعها للمتظاهرين، والسير في خطتها بالتوغل أكثر في المنطقة عبر ميليشياتها، وتعنتها في برنامجها النووي بالشروط التي تريدها، والسعي لامتلاك أسلحة نووية، ويبدو أن طهران اختارت الخيار الثاني”.

وأردف المحلل السياسي الإيراني في حديثه لموقع “الحل نت”، “لكي تستمر حكومة طهران في حكمها، فهي ملزمة بمواصلة القمع والتصعيد ضد المتظاهرين، لأن طهران اقتصادها ضعيف وليس لديها خيارات لتحسين الواقع المعيشي في البلاد”.

حاليا، قطعت السلطات الإيرانية الإنترنت في المدن التي تشهد احتجاجات متواصلة، بهدف خنقها جزئيا ومن ثم محاولة السيطرة على انتشار الأخبار وتوفير الفرص في قمع الاحتجاجات واخمادها قدر الإمكان”، بحسب المحلل السياسي الإيراني.

ومن أجل مواجهة الاحتجاجات الشعبية ومنع من حدوث انتفاضات عارمة في البلاد، قامت طهران مؤخرا بترقية قوة الشرطة الإيرانية المسماة‌ بـ “ناجا” إلى مستوى قيادة الشرطة المسماة‌ بـ “فراجا” وتحويل قائدها إلى مستوى قادة “الحرس الثوري” أو الجيش أو ردیفا لهما”، بحسب المحلل السياسي عقبائي لموقع “الحل نت”.

واستدرك عقبائي في حديثه بالقول: “كانت ردود الفعل خطيرة لدرجة أن وسائل الإعلام الحكومية بدأت في تحذير طهران من انتفاضة كبرى أخرى على مستوى البلاد”.

وقال الكاتب الصحافي، أصغر مير فردي، في مقال بصحيفة “اعتماد” الإيرانية، إن ما يطلق عليه في الأيام الأخيرة “العملية الجراحية للاقتصاد” أي إجراءات الحكومة الأخيرة تتم في أسوأ توقيت، حيث يعم الفقر والبطالة والتضخم في البلاد، مؤكدا أن هذه العملية الجراحية وبدل أن تعالج الجسم الهزيل للاقتصاد الإيراني ساهمت في زيادة اضطرابه وعدم استقراره.

https://twitter.com/Free_Syria_Iran/status/1527932140033294337?s=20&t=CzU5a7r5OkL4Hh1xkESYWg

وأوضح الكاتب أن رواية بعض المسؤولين ووسائل الإعلام المقربة من الحكومة عن الأوضاع والادعاء بأن كل شيء هادئ وجيد لا يساعد في إنهاء المشاكل بل يؤزم الأوضاع أكثر فأكثر ويجعل الناس يغضبون بشكل متزايد.

يذكر أن السلطات الإيرانية اعتقلت مجموعة من الناشطين البارزين باتهامات “لا أساس لها”، وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير مطول أن الاعتقالات الأخيرة في إيران “محاولة يائسة أخرى لكبح دعم حركات اجتماعية شعبية متنامية”. وأضافت أن السلطات الإيرانية “قيّدت بشدة” الوصول للإنترنت في محافظات عديدة منذ بدء الاحتجاجات في 6 أيار/مايو الجاري.

وأشارت المنظمة الحقوقية إلى تقارير ذات صلة تحدثت عن وفاة 5 أشخاص خلال الاحتجاجات، من دون أن تتمكن المنظمة من تأكيد هذه التقارير.

قد يهمك: شعار “الموت لخامنئي” يتصدر الاحتجاجات الشعبية المستمرة في إيران

ما مصير الاحتجاجات في إيران؟

حول مصير الاحتجاجات الشعبية وما إذا كانت طهران ستغير سياساتها، يقول المحلل السياسي الإيراني: “طهران لا تستطيع ولا تريد تغيير سياساتها، وإذا نظرنا إلى خلفية المظاهرات، نرى أن إيران شهدت العديد من الاحتجاجات وما لا يقل عن ثماني احتجاجات واسعة النطاق منذ كانون الأول/ديسمبر 2017. وكذلك عندما اندلعت المظاهرات في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 مع أكثر من 1500 ضحية. حيث أن إغلاق طهران على المناخ السياسي في البلاد سيؤدي إلى حدوث انفجار كبير لأن الوضع الاجتماعي في إيران أصبح مختلفا عما كان عليه في السنوات السابقة”.

ولذلك نرى بأن الاحتجاجات بدأت بشعارات حول المطالبة بتحسين الواقع المعيشي وسرعان ما تحول إلى شعارات مناهضة للحكومة الإيرانية، وطالت قادتها بشعارات مثل “يسقط خامنئي يسقط الديكتاتور” و “لا نريد حكم الملالي”، لذا أتوقع أن البلاد ستشهد تصعيدا أكبر، وسترد عليه السلطات الإيرانية بالقمع ولا شيء غير ذلك، على حد وصف المحلل السياسي الإيراني لموقع “الحل نت”.

وكانت قوات الأمن الإيرانية أطلقت الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين مناهضين للحكومة في أقاليم مختلفة، يوم الخميس الماضي، وفق منشورات في مواقع التواصل الاجتماعي، فيما تتواصل الاحتجاجات على ارتفاع أسعار المواد الغذائية مع شعارات أبرزها “الموت لخامنئي”.

وبحسب وكالة “هرانا” لحقوق الإنسان، تم استخدام الغاز المسيل للدموع في 9 مدن وإطلاق رصاص في الجو في 14 مدينة لتفريق المتظاهرين. وفي 8 مدن، بما في ذلك إندیمشك، وإيذه، وبردنجان فارسان، وجلیجه، وسورشجان، وشهركرد، وفارسان وهفشجان، أطلقت قوات الأمن النار مباشرة على المتظاهرين.

وأردفت وكالة “هرانا”، وفقا لتقارير من مصادر محلية: “تم اعتقال ما لا يقل عن 449 متظاهرا خلال أسبوعين من الاحتجاجات الأخيرة في خوزستان، جنوب غربي إيران”.

واحتج الإيرانيون في الشوارع، منذ أسبوعين بعدما تسبب خفض دعم الغذاء في ارتفاع الأسعار بنسبة تصل إلى 300 بالمئة لبعض المواد الغذائية الأساسية التي تعتمد على الطحين. وسرعان ما اكتسبت الاحتجاجات منحى سياسيا، حيث دعت الحشود إلى نهاية الجمهورية الإسلامية في تكرار للاضطرابات التي وقعت العام 2019 وانطلقت شرارتها بسبب ارتفاع أسعار الوقود.

قد يهمك: إيران.. احتجاجات شعبية واسعة ضد الغلاء والخامنئي

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.