كانت العلاقات بين موسكو وتل أبيب قد شهدت توترا، أبان بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، فعقب البيان الإسرائيلي بدعم تل أبيب لـ“وحدة أراضي وسيادة أوكرانيا“، في مواجهة الغزو الروسي، ردت روسيا على هذا البيان بإعلانها “عدم الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان السورية“.

هذا التراشق، لم يستمر سياقه على الصعيد الإعلامي فقط، إذ سلط تقرير نشرته مجلة “فوربس” الأميركية، الجمعة الفائت، الضوء على استهداف طائرة إسرائيلية بصاروخ من طراز “إس 300″، بعد تنفيذها غارة جوية في سوريا، حيث ازدادت حدة الغارات الإسرائيلية مؤخرا، على مواقع تتمركز فيها قوات موالية لإيران.

زيادة وتيرة الغارات الإسرائيلية على مواقع النفوذ الإيراني بسوريا خلال الفترة المقبلة، انطلاقا من الانسحاب الروسي العسكري المشار إليه في عدة تقارير دولية، يضع مصير التفاهمات الإسرائيلية الروسية حول الوجود الإيراني بسوريا على المحك، إذ تشير الدلائل إلى أن متغيرات جديدة قد تطرأ على المشهد السوري بفعل الانسحاب الروسي المحدود من سوريا، بفعل مخاطر الوجود الإيراني ومحاولات طهران إعادة ملئ الفراغ الروسي.

سوريا بالنسبة لبوتين “صندوق بريد”

انسحاب العديد من القوات الروسية من سوريا، لتعزيز قواتها في أوكرانيا، قد يمثل نقطة تحول في الصراع السوري، ويؤدي إلى سباق إيراني لملء الفراغ الذي تركته موسكو في البلاد، وعليه يشير المحلل السياسي الروسي، ديميتري بريجع، إلى أن روسيا تسمح للطيران الإسرائيلي باستهداف مناطق تواجد الإيرانيين، حيث هذه المجموعات هي “متشددة وتحمل فكرا مخالفا”.

وخلال حديثه لـ”الحل نت”، أوضح بريجع، أنه في الأشهر القليلة القادمة، لو استمر النفوذ الإيراني في بسط سيطرته على الأراضي السورية، سوف تزداد وتيرة الاستهداف من الطائرات الإسرائيلية، لا سيما وأنه حتى الآن روسيا وإسرائيل لديها بعض التفاهمات بما يخص التواجد الإيراني، حيث روسيا ترى أن التواجد الإيراني ليس لمصلحتها، ولذلك تسمح بقصف تلك المليشيات.

وبما يخص التفاهم الروسي الإيراني، يعتقد المحلل الروسي، أن هناك تفاهم بين الطرفين، بأن هذه المليشيات هي تهديد للدور الروسي في سوريا، وأيضا لإسرائيل، ولذلك تسمح للطائرات الإسرائيلية باستهداف مناطق تواجد الإيرانيين، لإيصال رسالة لطهران حول ازدياد نفوذها.

وبيّن بريجع، أن روسيا لا تسعَ لسحب كامل قواتها من سوريا، حيث تبقي الجزء الأهم من تلك القوات في البلاد نتيجة للاستراتيجية التي ترسمها القيادة الروسية في سوريا، حيث باتت الأراضي السورية منذ السنوات القليلة الماضية مركزا مهما لتدريب القوات الروسية.

روسيا تلوح بالورقة الإيرانية

كل موجة من الغارات الإسرائيلية على سوريا في السنوات الماضية كانت تحت بند وصول أسلحة إيرانية إلى سوريا، لكن الهجمات الأخيرة، ولا سيما التي وقعت ليلة الجمعة الفائت، كان لها أهمية إضافية، طبقا لحديث الباحث في مركز “مشارق ومغارب”، عباس شريفة.

فبحسب شريفة، أن زيادة وتيرة الضربات الإسرائيلية مرتبطة بتوتر العلاقات الإسرائيلية الروسية، إذ وصلت لاستهداف جنود الجيش السوري، وهذا لم يكن واردا في الغارات السابقة، حيث كانت تختصر الغارات الإسرائيلية سابقا على أهداف إيرانية، وعلى المصالح والمليشيات الإيرانية في سوريا.

ولعل الخلافات الروسية الإسرائيلية، وإعادة انتشار القوات الروسية، بنظر شريفة، أنه تلويح روسيي بورقة الضغط الإيرانية، على مبدأ “إذا لم يتم مراعاة مصالح روسيا في أوكرانيا، فمن الممكن أن يتم الانسحاب من سوريا، وهذا سيهدد الأمن القومي للدول الحليفة”.

وبيّن شريفة، أن تصريح الملك الأردني منذ أيام عن الخطر الذي يتهدد حدود بلاده الشمالية، استدعى ردة الفعل الإسرائيلي بزيادة وتيرة الضربات، كرد على روسيا، بأن إسرائيل جاهزة لمواجهة مثل هذا السيناريو، في حال أرادت روسيا أن تلعب عبر الورقة الإيرانية.

ولا يعتقد الباحث السوري، أن ثمة تفاهمات روسية إسرائيلية خاصة في الوجود الإيراني في سوريا، لكن التنسيق العسكري وغرفة العمليات المشتركة بين الطرفين يمكن أن يتأثر في الوقت الحاضر، خصوصا أن جميع الطلعات الجوية الإسرائيلية التي كانت تستهدف المليشيات الإيرانية سابقا، كانت بالتنسيق مع روسيا التي كانت تفتح الفضاء الجوي أو المجال الجوي السوري.

لماذا غيرت إسرائيل سلوكها؟

في تقرير لها حول تخفيف تواجد القوات الروسية في سوريا بسبب الحرب في أوكرانيا، رأت مجلة “نيوزويك” الأميركية، أنه يصب في مصلحة إسرائيل، ورجحت تكثيف الضربات العسكرية على الموقع الإيرانية لإخراجهم من الأراضي السورية قبل ملء الفراغ.

وأشار التقرير، إلى أن خروج روسيا من سوريا يشكل الآن خطرا وفرصة لإسرائيل، ومن الواضح أن الإيرانيين يسعون لملء الفراغ في الأراضي السورية، كما شدد على أن الإسرائيليين مصممين على عدم السماح بحدوث ذلك، والجيش مستعد لما تقرره الحكومة ويجب على إيران القلق.

بعد الأزمة الأوكرانية، زادت الاتصالات بين المسؤولين السوريين والإيرانيين، كما قام الرئيس السوري، بشار الأسد مؤخرا بزيارة إلى طهران، وهذه الزيارة جاءت بعد تصريح لونا شبل، كبيرة مستشاري الأسد، لموقع “بي بي سي” في نيسان/أبريل الفائت، بأن المساعدة والخبرة من القوات الإيرانية مرحب بها، في تلميح إلى احتمال أن يكون لإيران نفوذ أكبر في سوريا.

ويُعتقد أن إيران أنشأت مليشيا جديدة لها في سوريا، على غرار قوات النخبة لديها المتمثلة بـ”الحرس الثوري الإيراني”، لتتولى المهام التي كانت تتولاها في السابق القوات الروسية، وهذه القوة الجديدة، خاضعة لسيطرة “حزب الله” اللبناني و”الحرس الثوري”، وتخزن طائرات بدون طيار وأسلحة كيماوية وصواريخ باليستية.

ويبدو أن إسرائيل سعت من خلال تجديد قصفها الجمعة الفائت، للمواقع العسكري في سوريا، إلى اختبار جدية التصريحات الروسية المتعلقة باستمرار التنسيق العسكري بين الجانبين، خصوصا بعد نفي الخارجية الروسية استخدام أي مضادات جوية ضد القوات الإسرائيلية في الأجواء السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.