غداة إعلان التحالف الحكومي المتمثل بالشعب والذي يضم حزبي العدالة والتنمية، والحزب القومي التركي عزمهما على إعادة مليون سوري إلى المناطق الآمنة، بدأت الأضواء تتجه نحو ملف اللاجئين السوريين في تركيا، وعن ماهية تلك الإعادة.
بادئ ذي بدء، أتى هذا الإعلان من خلال تصريحات مختلفة بدأها رئيس الحزب القومي دولت بهجلي، خلال دعوته لعودة اللاجئين. ومن ثم، أتبعت بتصريحات مختلفة من كل من وزير الداخلية التركية سليمان صويلو، وكذلك الأمر وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو في ذات الإطار.
قبل أن يعلن عن تفاصيلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 3 أيار/ مايو 2022 خلال افتتاح مجمعات سكنية “مسبقة الصنع” على أطراف مدينة إدلب معلناً عزم بلاده على إعادة مليون سوري تحت مسمّى برنامج “العودة الطوعية”.
في حين، تزامن ذلك مع تصريحات سابقة أدلى بها وزير الخارجية، كشف من خلالها عن مساع تقودها الأمم المتحدة لإعادة اللاجئين السوريين إلى مناطق النظام السوري من خلال مشروع مع دول إقليمية مختلفة منها؛ الأردن، لبنان، العراق.
مفصحا أنَّ هذه العودة في الغالب ستكون تحت رعاية وإشراف الأمم المتحدة من خلال حرص الأخيرة على توفير بيئة آمنة ومحايدة لعودة اللاجئين.
المعارضة التركية.. السوريون حامل انتخابي وحيد:
تستمر المعارضة التركية، باستخدام ورقة اللاجئين السوريين كحاملٍ انتخابي، ضد تحالف الشعب، مستندةً في ذلك على رأي شارع المعارضة الذي تشكل أهم أولوياته ملف اللجوء على رأسها السوري بطبيعة الحال.
عملياً، استطاعت المعارضة في تركيا، بتحويل هذا الملف إلى رأي عام مساند لها، من خلال الدعايات الإعلامية المشوّهة التي قامت ببثها بشكل مستمر حول ملفات مختلفة منها المساعدات الإنسانية، والتعليم، والصحة.
وقد تطور الأمر ليشمل عدم دفع الضرائب العامة للدولة، دون أن يكون هناك تصحيح لهذه المعلومات من قبل الحكومة إلا بعد مرور وقت طويل بشكل خجول. ومما رفع منسوب الخطاب غياب “الشفافية” بخصوص هذا الملف مع الشارع التركي.
إذ تبنى التحالف الحكومي خطاب فضفاض لا يفصح عن مصادر التمويل من قبل الاتحاد الأوربي بموجب اتفاقية الهجرة “2016” وبقي مصراً على القول إنَّ هذه المساعدات تقوم بها تركيا.
ولعلّ، الإعلان عن الأرقام المختلفة كانت تساهم بشكل مباشر بتأجيج الشارع ضد السوريين. في حين كانت المعارضة تعتمد على هذه التصريحات لانتقاد الحكومة وصولاً لمشهد اليوم في ملف اللجوء الذي أصبح معقداً للغاية.
مع ذلك، تستمر الخلافات حتّى داخل تحالف المعارضة التركية الأساسي “الطاولة السداسية” حول ملف اللجوء إذ لا يدعم حزبي التقدم والديمقراطية، والمستقبل عودة السوريين بالطريقة المطروحة من قبل المعارضة التركية. بينما الأحزاب الأخرى مثل النصر الذي يمثل حاملا أساسياً في هذا الملف ما زال خارج القائمة الأساسية الخاصة بالأحزاب التي ستخوض الانتخابات القادمة والتي قامت الهيئة العليا للانتخابات بالإعلان عنها نهاية العام 2021، ومن ثم أتبعتها بقائمة جديدة لم تشمل حزب النصر في أيار/ مايو، 2020 ليرتفع عدد الأحزاب إلى 26 حزباً، دون أن يعني ذلك أن فرص الأخير لخوض الانتخابات غير ممكنة.
على أيّة حال، تُقدّم المعارضة التركية تصورات مختلفة وتشترك في العنوان العريض لإعادة السوريين، إذ تتمحور من بوابة إعادة العلاقات مع النظام السوري. في اعتقادٍ منها بأنّ الموقف التركي هو المسبب الأساسي لموجة اللجوء.
وهذا غير صحيح، فالموقف اللبناني المؤيد للنظام السوري، والموقف الأردني الذي تغير لم يساعد تلك الدول على إعادة اللاجئين. على العموم، ما عدا ذلك لا تقدم المعارضة التركية أيّ طرحٍ اتجاه التفاهمات الثنائية التي عقدتها أنقرة مع أطراف محلية سورية أو دولية مثل تفاهمات “آستانة وسوتشي” لأنَّ الملف هو أكبر من قدرتها على ذلك.
يمكن القول إذا ما استطاعت المعارضة التركية، الوصول إلى السلطة من المستبعد أن تستطيع ضبط المنطقة الحدودية “لو أعادت العلاقات مع النظام”، أو تعيد اللاجئين له.

في الأصل هذا الأمر غير مرتبط بإعادة العلاقات مع النظام السوري لأن الأخير لا يسيطر على تلك الجغرافيا، والتعاون معه يعني انخراط المعارضة التركية بحربٍ من نوع مختلف هذه المرّة ضد فصائل المعارضة السورية.

وهذا يدفع للقول إنّ هذه المؤشرات تنفي رواية المعارضة التركية، بأنّها ستعيد العلاقات مع النظام فقط لأجل إعادة اللاجئين، لأنّ الملف السوري ليس ملفا سياسيا فقط بل أمنيا، فمن الصعب أن تقبل فصائل المعارضة السورية تسليم المنطقة كما تعتقد المعارضة التركية.
أضف إلى أنَّ التنازل عن ورقة اللجوء يعني خسارة أنقرة ورقة مهمة في الإطار الدولي وهي تفاهمات اتفاقية الهجرة “2016” مع الاتحاد الأوربي فضلاً عن تبعات هذا الملف على الصعيد الدولي، لذلك، يبقى هذا البرنامج ضعيف وصعب التحقيق، ويهدف فقط لاستقطاب شرائح مجتمعية للانتخابات القادمة دون أن يعني القدرة على إعادة السوريين.
التحالف الحكومي… لا خيارات كثيرة:
من الواضح، أن خيارات الحكومة التركية قليلة بشأن اللاجئين السوريين، لذلك هي ترى أنّ إعادة المليون سوري إلى مناطق المعارضة السورية، قد يساعد على التقليل من حالة الاستياء من اللاجئين في تركيا، بالتالي سحب أهم أوراق المعارضة التركية.
ومن المفترض أن ينفذ برنامج “العودة الطوعية” على عدة مراحل تبدأ باستهداف المخالفين الذين في الغالب يقطنون في ولايات غير مسجلين بها بغاية العمل، أو هؤلاء الذين توقفت بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة بهم، إضافةً لشرائح مختلفة من العمال ولا سيما ممن لا يمتلك إذن قانوني للعمل. أضف لذلك اللاجئين المقيمين في مخيمات داخل الأراضي التركية.
فضلاً عن الشرائح التي ليس لديها مشاكل أمنية مع النظام السوري، والتي تتنقل بين دمشق وتركيا بين الفينة والأخرى هذا الشريحة في الغالب تحوز على “الإقامة السياحية” لذلك ترى أنقرة أن الجهود الإقليمية في إطار ملف اللاجئين والذي باتت تقوده الأمم المتحدة مع النظام السوري قد يساعد على إعادة شرائح معينة لمناطق النظام.
أنقرة، تعمل أو تتدعي أنها تعمل على تعزيز البنية التحتية في مناطق المعارضة السورية، على الأقل في المنطقة التي تبسط بها نفوذاً كاملاً في ريف حلب وريف الرقة جزئياً من خلال إنشاء الملاعب والمنشآت الصناعية.
أضف على الإصلاحات داخل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة الذي من الأساس مرتبط بمسار تطوير الجانب التنفيذي في تكتل المعارضة من خلال دعم إعادة تثقيل وتمثيل المجالس المحلية. بالتالي، توسيع نفوذ المؤقتة داخل كيان المعارضة الرسمي بما ينسجم مع الرغبات والتوجهات التركية في هذا الإطار.
مع ذلك، ورغم تلك المساعي، لا يمكن اعتبار هذه المنطقة آمنة لحد هذه اللحظة بسبب استهدافها بشكل مباشر من قبل القوى الأخرى ولا سيما النظام السوري، وقد أكّد ذلك وزير الخارجية التركي سليمان صويلو، خلال لقاءٍ أجراه بقوله إن هذه المنطقة ما زالت غير آمنة وحتى الجنود الأتراك يتعرضون للاستهداف.
وهذا ما يدفع للقول، لا يمكن تسمية هذه المنطقة بأنّها آمنة إذا لم تتوفر بها أبسط مقومات البيئة المحايدة، وهذا من الأساس يحتاج إلى تفاهمات في إطار الملف السوري كاملاً والمضي قدماً في العملية السياسية دون ذلك لا يمكن اعتبار أي منطقة سورية بأنّها آمنة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.