في ظل التهديدات التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشن عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري، تبرز تساؤلات حول مواقف الدول الفاعلة في الملف السوري حيال هذا التصعيد المحتمل، لاسيما موقف الولايات المتحدة التي رفضت في مناسبات سابقة إقامة المنطقة الآمنة، والتي كان أردوغان يسعى لتفعيلها عام 2019، بعدما طرحت لأول مرة عام 2013.

التساؤلات تثار أيضا حيال موقف واشنطن من المساومة التركية بين تلقي أنقرة لدعم سياسي من أجل إقامة “المنطقة الآمنة” التركية مقابل دخول دول جديدة إلى “حلف شمال الأطلسي” (الناتو)، فضلا عن مدى إمكانية أن تسمح واشنطن لعملية عسكرية تركية في الشمال السوري، إلى جانب مستقبل منع التصعيد في الشمال السوري بظل عودة حضور قوات أميركية في بعض القواعد بالشمال الشرقي من سوريا كانت انسحبت منها في وقت سابق.

الرد على تهديدات العملية العسكرية

ردا على تهديدات أردوغان بخصوص شن عملية عسكرية جديدة على شمال سوريا، صرحت الخارجية الأميركية، مساء يوم أمس الثلاثاء، أن واشنطن قلقة من التصاعد المحتمل للأنشطة العسكرية شمال سوريا، مشيرة إلى أن أي هجوم في سوريا سيضعف الاستقرار ويهدد القوات الأميركية.

وتعقيبا على ذلك، قال الأكاديمي والمحلل السياسي، وعضو الحزب الديمقراطي الأميركي، مهدي عفيفي، إن “تركيا تحاول استغلال المواقف والظروف في محاولة للضغط على الولايات المتحدة الأميركية. وكما حدث من قبل فإن المحاولات التركية دائما ما تفشل، عندما ارتمت في أحضان روسيا، ثم عادت إلى الولايات المتحدة الأميركية ثم دخلت في اتفاقيات جديدة، لذا أعتقد أن ما تفعله تركيا مرة أخرى هو محاولة لاستغلال الظروف وهذا ما لا يروق لواشنطن بتاتا، فلن يحدث تعطيل للأمن القومي العالمي بسبب تركيا، ودخول دول مثل فنلندا والسويد إلى الناتو لا يمكن لدولة مثل تركيا أن توقفه”.

ويردف الأكاديمي المقيم في نيويورك لموقع “الحل نت”، بأن واشنطن تدرك حقيقة ومساعي المساومات التركية وبأنها “لن تسمح لتركيا بالتلاعب بالشكل الذي تتصوره”.

من جانبه، يشير المحلل السياسي، زياد سنكري، المقيم في واشنطن، بأن تلويح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشن عملية عسكرية خامسة على طول الحدود الشمالية في سوريا يأتي في ظل مستجدات إقليمية ودولية، حيث يبدو أن الرئيس التركي يشعر أن الفرصة سانحة له لتنفيذ أجندته وأن لديه أوراق يمكنه المساومة عليها. بحسب سنكري.

ويضيف المحلل السياسي لـ”الحل نت”، “في المبدأ فإن الموقف الأميركي رافض للخطوة التركية باعتبار أن أي هجوم جديد سيزيد من تقويض الاستقرار الإقليمي وسيعرض القوات الأميركية المنضوية في حملة التحالف ضد تنظيم “داعش” للخطر. كما أن الولايات المتحدة حريصة على حماية حلفائها المحليين في مناطق الشمال الشرقي من سوريا “لكن في نفس الوقت تحرص على عدم توتر العلاقات مع تركيا خاصة في وجود خلافات كثيرة مع أنقرة”.

قد يهمك: صفقة روسية تركية تتحكم بمصير الشمال السوري؟

مساومة تركية “فاشلة”

في السياق ذاته، أكدت “الأمم المتحدة” تمسكها بموقفها المدافع عن سلامة ووحدة أراضي سوريا. جاء ذلك ردا على أسئلة الصحفيين خلال المؤتمر الصحفي اليومي، بشأن ما ورد عن إعلان أردوغان أنه ينوي القيام بعملية عسكرية عند الحدود الجنوبية لتركيا.

وقال الناطق باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك: ” لن نقوم بالتعليق على فرضيات ولكنني سأعيد التأكيد على موقفنا المدافع عن وحدة أراضي سوريا”.

أما على صعيد مساومات تركيا مع واشنطن وحلف شمال الأطلسي “الناتو”، سواء للحصول على منطقة آمنة أو مكاسب أخرى، فإنه وفي اعتقاد الأكاديمي عفيفي، فإن “ردود الفعل ستكون وخيمة على تركيا. صحيح أن بعض التحركات العسكرية مسموح بها في سوريا، لكن أن تتصرف تركيا بطلاقة شديدة، فلن يحدث هذا أبدا”.

وفي حديثه لـ”الحل نت” أكد مهدي عفيفي بأن مسألة المساومة التركية على دخول فنلندا والسويد إلى “الناتو”، لن تروق لواشنطن والدول الأوروبية ودول الحلف، لأنهم جميعا يريدون انضمام هذين البلدين، وبالتالي استخدام هذه ورقة للضغط على واشنطن لن يحمل أي نتائج إيجابية، بحسب تعبيره.


أما من جانبه، فيرى المحلل السياسي سنكري، أن الإدارة الأميركية ترى أن خطوة أردوغان هي تكتيك لجس نبض الولايات المتحدة ودول “الناتو”. هذا الأسلوب استخدمه الرئيس التركي سابقا ونجح فيه، ولكن الوضع مختلف الآن.
وتابع في حديثه الخاص لموقع “الحل نت”، “الولايات المتحدة يمكن أن تعطي هامش حركة للأتراك في المنطقة ولكن ليس بما يطمح إليه أردوغان الذي يلعب على وتر القومية والوطنية التركية لزيادة شعبيته وسط أزمة اقتصادية خانقة تعصف في بلاده”.

ويردف سنكري المقيم في واشنطن، أنه حتى صنّاع القرار في واشنطن لا يعيرون أي أهمية لمعارضة أنقرة لانضمام فنلندا والسويد للناتو ويعتبرون أن في يد “البيت الأبيض” أوراق ضغط قادرة على تغيير الموقف التركي.

ما مستقبل الشمال السوري؟

وفي سياق مستقبل الشمال السوري بظل التصعيد التركي وإعادة حضور القوات الأميركية في بعض القواعد بالشمال الشرقي من سوريا، يرى الأكاديمي السياسي عفيفي، أن التصعيد في شمال سوريا في فترة تواجد القوات الأميركية أو عودة الوجود الأمريكي في المنطقة سيُحسب بطريقة مختلفة. “واشنطن تريد التمركز في مناطق معينة، وبالتالي لا أعتقد أن الحركة أو التصعيد في الشمال السوري سيكون بالشكل الذي تُصُوره أنقرة، بل لابد أن نعلم أن تحرك أمريكا في هذه المنطقة مقصود به روسيا، ولا يمكن السماح بتدخل جديد يعيق هذا التحرك، حتى لو كانت تركيا. لذلك فإن تحركات واشنطن في المنطقة هي رد فعل على تصرفات روسيا فيما تفعله في أوكرانيا”.

من جانبه، ختم المحلل السياسي سنكري حديثه بالقول: “تبقى الأيام المقبلة محفوفة بالمخاطر وخصوصا أن التوقيت الذي اختاره أردوغان لإطلاق العملية بالتزامن مع النقاش الدائر بشأن توسيع الناتو يشير إلى محاولة أنقرة فرض مقاربة جديدة على الغرب بشأن ما تعتبره “إرهابا”. يبدو أننا دخلنا مرحلة عض الأصابع”.


قد يهمك: مناورة تركية لـ”الناتو” في الشمال السوري.. هل يشتعل فتيل التصعيد؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة