الصناعة في سوريا تعاني منذ نحو عقدين، فمسيرة التراجع تعود إلى ما قبل 2011، إذ أن وضع القطاع العام الصناعي آنذاك لم يكن مريحا لأنه كان أصلا في أزمة لعدم قدرته أو تمكنه من زيادة قدرته التنافسية، سواء أمام المنتجات المستوردة أو النفاذ للأسواق المستهدفة.

كما أنه لم يكتب النجاح لإصدار قانون لإصلاح القطاع العام الصناعي على مدى عقدين من الزمن، وجاءت الحرب لتعمل على تدمير القطاع الصناعي وبنيته التحتية ماديا نتيجة ما لحق بالمنشآت الصناعية، ومن الناحية القانونية حيث لم تقم حكومة دمشق حتى الآن بإصدار أي قوانين قادرة على النهوض بهذا القطاع.

الصناعة في الإنعاش

خلال المؤتمر السنوي للصناعيين، والذي عقد يوم أمس في حماة، بحضور وزير الصناعة محمد زياد الصباغ، طالب الصناعيون بمعالجة همومهم ومعاناتهم من ارتفاع كلفة المنتجات، ومنافسة المنتجات المهربة لها بالأسواق المحلية، مشيرين إلى احتضار القطاع الصناعي، نتيجة ارتفاع سعر المازوت والبنزين، وسعر الكهرباء بشكل خاص الذي أدى لارتفاع كلفة المنتج وقلة نسبة التنافسية في مجال التصدير، بحسب صحيفة “الوطن” المحلية.

وأوضح عدد من الصناعيين أن المنشآت الصناعية تعيش اليوم بالإنعاش، وأن الأسواق الداخلية والخارجية في تراجع، وهو ما أدى لتراجع بكميات الإنتاج وتقليص بعدد العمال، كما لفتوا إلى عدم التزام شركة الكهرباء بالاتفاق معهم باستمرار تدفق التيار الكهربائي من الساعة 3-8 مساء، رغم أنهم دفعوا قيمة الكبل لمصلحة المنطقة الكهربائية منذ أكثر من 5 سنوات.

من جهتهم، صناعيو حماة، طالبوا بتوسعة المنطقة الصناعية، وبتنفيذ البنى التحتية من طرق ومياه وكهرباء وصرف صحي، لكونهم باشروا منذ أشهر طويلة ببناء معاملهم ومنشآتهم. وطالبوا بمعالجة موضوع إجازات الاستيراد، وخصوصا منع استيراد المواد بشكل مباشر ومن دون أي إنذار مسبق وتطبيق الإلغاء مباشرة، وهو ما يسبب خسارات للصناعيين ويشكل أعباء كبيرة عليهم وينعكس على الصناعة الوطنية، وطالبوا بضرورة مراسلة الجهات المعنية لإعطاء مهلة 3 أشهر على الأقل لتخليص البضائع العالقة في الموانئ.

من جانبه، قال وزير الصناعة أن كل هموم ومطالبات الصناعيين موضع اهتمام الوزارة، التي تعمل جاهدة لتقديم ما أمكنها لهم من مستلزمات العامل والإنتاج.

أما رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية فارس الشهابي، فأكد أن الاتحاد يعمل على رفع المقترحات لتطوير القوانين والتشريعات التي تحمي الصناعي ودعم المنشآت الصناعية ولاسيما بموضوع المحروقات والكهرباء ومعالجة كل العقبات التي تعترض الصناعيين، لافتا إلى أن كل المطالبات التي عرضت بهذا المؤتمر، هي ذاتها التي رفعها ويرفعها الاتحاد للحكومة كل سنة ولكل الحكومات السابقة واللاحقة والحالية ومنذ أكثر من 8 سنوات.

قد يهمك:خسائر الصناعة السورية: كيف أدت الهيمنة الإيرانية إلى تهجير الصناعيين السوريين؟

خسائر الصناعة بآلاف المليارات

معاون وزير الصناعة، أسعد وردة، أكد يوم أمس أن حجم الخسائر بقطاع الصناعة يقدر بآلاف المليارات، وتحدث عن طرح أكثر من 38 منشأة عامة للاستثمار الخاص، وأشار إلى أن العروض قيد الدراسة حاليا، وتقديم العروض مستمر لاختيار الأفضل منها بهدف تحقيق الطموح المطلوب، على حد قوله، بحسب مواقع محلية.

وأوضح وردة أن القطاع الغذائي والزراعي يتصدر القائمة كونه يمس معيشة المواطن اليومية، ويؤمن السلل الغذائية بالتوازي مع الصناعات التي تحقق وفرا أو عائدا ماليا من خلال استثمار الموارد المحلية وتأمين داعم للمنتجات الأخرى كالصناعات الدوائية، وقطع التبديل.

إقرأ:تخبط أسعار المحروقات والشحن يوجه ضربة قاسية للصناعة السورية

تهجير الصناعيين وأهم أسباب الخسائر

الخبير الاقتصادي سمير طويل قال لـ”الحل نت” في وقت سابق، أن “الوزارات التابعة للحكومة السورية، مثل الصناعة و الاقتصاد، وأي وزارة معنية بالاستيراد والتصدير، لا تملك القرار الحقيقي في سوريا. وإنما ينحصر إصدار القرارات الفعلية بيد إيران، التي تحدد السلع التي يمكن استيرادها أو تصديرها، ما يزيد من خسائر الصناعة السورية”.

وأضاف مفسرا أن ما يصدر من قرارات تمس الاقتصاد السوري بوصفها “نتيجة للسيطرة الإيرانية على مفاصل الاقتصاد السوري، والتي أعقبت السيطرة العسكرية. إذ تتحكم طهران بجميع قطاعات الاقتصاد في سوريا.

وبحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، فإن سيطرة إيرانية شبه كاملة على الاقتصاد السوري من بوابة الصناعة، وهذا يؤدي إلى تصاعد خسائر الصناعة السورية، فالإيرانيون حصلوا على كثير من الامتيازات في سوريا، سواء في قطاع السياحة أو العقارات أو الصناعة، وهذه الامتيازات مكنتهم من السيطرة على قطاعات محددة في الاقتصاد السوري، مثل صناعة الجلود وتجميع السيارات وسواها.

كما أن تغوّل إيران داخل الاقتصاد السوري أدى إلى إضعاف المصانع الحكومية، إضافة لمصانع القطاع الخاص. فعلى سبيل المثال استحوذت إيران على قطاع تجميع قطع السيارات بشكل كامل، ما أخرج جميع الصناعيين السوريين من هذا القطاع.

قد يهمك:صراع بين الوزارات في سوريا بسبب الصناعة.. ما القصة؟

وبحسب سمير الطويل، فأن التغلغل الإيراني في سوريا، وما أدى إليه من تصاعد خسائر الصناعة السورية، دفع الصناعيين للهجرة. وهي خطة مدروسة من قبل إيران، تم تنفيذها عبر مضايقة الصناعيين السوريين في قطاعات محددة لصالح مستثمرين إيرانيين، ما جعل الآلاف يغادرون سوريا. وتعكس الخطط والقرارات الاقتصادية توجه إيران المطالب بدفع فاتورة تدخلها العسكري، سواء بحصولها على امتيازات اقتصادية أو استثمارات سيادية، وصولا إلى المساهمة في إعادة الإعمار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.