يعاني الشرق الأوسط من مشكلة مناخية حادة! فقد ارتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت) منذ العام 1990، وهو أكثر من ضعف المتوسط العالمي، بحسب تقرير حديث لصندوق النقد الدولي. علاوة على ذلك، تمثل بلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ما يقارب نصف الدول الخمسين الأكثر عرضة “لظواهر الحرارة الشديدة” (فترات ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة). ومن المتوقع حدوث زيادات أخرى في درجات الحرارة، مع ما يترتب على ذلك من عواقب اقتصادية وبيئية واجتماعية ضارة بالمنطقة.

فعلى سبيل المثال، دقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر في العام 2019 بشأن حقبة قادمة من “الفصل العنصري المناخي”، حيث تهدد درجات الحرارة القصوى وموجات الحر المطولة بـ “خسائر فيما تم تحقيقه خلال الخمسون عاما الماضية من التنمية والصحة العالمية والحد من الفقر”، الأمر الذي سيعرض الملايين للفقر. وسيكون لهذا الواقع الجديد أهمية خاصة لمنطقة الشرق الأوسط التي تكافح مسبقا لمعالجة نقص الكهرباء والتفاوت الاقتصادي والأضرار البشرية التي تكثفت بسبب موجات الحر الطويلة مع درجات حرارة مرتفعة جدا.

كما سيكون لهذه الصعوبات آثار اقتصادية واضحة. فبحسب تقرير صندوق النقد الدولي، “حتى في سيناريو الانبعاث المعتدل الذي يحد من الاحترار العالمي بنسبة 2 إلى 3 درجات مئوية بحلول عام 2100، والتكاليف المرتبطة بالوفيات والتكيف في المجتمع، يمكن أن تصل الخسائر إلى متوسط 1.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي سنويا خلال الفترة ما بين 2040 و2059”. والوضع سيكون أكثر كآبة بالنسبة لأشد دول المنطقة حرارة، مثل البحرين وجيبوتي وموريتانيا وقطر والإمارات العربية المتحدة، حيث يرى صندوق النقد الدولي بأن هذه الدول يمكن أن تشهد “انخفاضا فوريا في النمو الاقتصادي للفرد بحوالي نقطتين مئويتين لكل زيادة في درجات الحرارة بمقدار درجة واحدة مئوية”.

وبطبيعة الحال، فإن ارتفاع درجات الحرارة ليس وحده السبب في تفاقم التحديات في المنطقة، وإنما أيضا انخفاض معدلات هطول الأمطار. ففي الواقع، يؤدي انخفاض معدلات هطول الأمطار السنوية إلى تفاقم أزمة المياه في الشرق الأوسط، والتي تعد واحدة من أسوأ أزمات المياه في العالم، بسبب المناخ الجاف في المنطقة وسوء إدارة الحكومات على مدار أعوام لمواردها المائية ودعم الزراعة كثيفة الاستهلاك للمياه وتربية الحيوانات. وسوف يشكل التكيف مع حالة الطوارئ المائية عبئا ثقيلا على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي منطقة تستخدم وسطيا ما يزيد عن أربعة أضعاف مواردها من المياه العذبة المتاحة، وهي موطن لاثني عشر دولة من أصل سبعة عشر تعاني من الإجهاد المائي في العالم.

في الحقيقة، بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عرضة لمشاكل تتجاوز مشكلة هطول الأمطار. ووسطيا، تتلقى هذه البلدان ما يزيد عن نصف إجمالي مواردها المائية المتجددة (كالأنهار) من مصادر تقع خارج حدودها. ومن هنا تأتي تحذيرات صندوق النقد الدولي من أن هذه التبعية الخارجية تزيد من مخاطر النزاعات الإقليمية بشأن المياه وتدفق اللاجئين. ففي الواقع، رأينا كيف تهدد مصر بعمل عسكري لوقف مشاريع الطاقة الكهرومائية في إثيوبيا والتي تقلص إمدادات المياه نحو مجرى النيل، الذي يوفر 97 بالمئة من موارد المياه المتجددة في مصر. وكذلك أدت الخلافات بشأن السياسة المائية إلى زيادة خطر نشوب صراعات بين دول مثل إسرائيل وفلسطين، إيران وأفغانستان، سوريا والعراق ضد تركيا، الهند وباكستان، وذلك بحسب ما أفاد به تقرير لمجلة “ناشيونال إنترست” وترجمه موقع “الحل نت”.

كذلك قامت الجهات الحكومية وغير الحكومية على حد سواء باستخدام المياه والبنية التحتية المرتبطة بها كأسلحة، وتم استهدافها في الحرب السورية وحرب العراق والحرب في اليمن. علاوة على ذلك، يمكن لاحتمالية حدوث الجفاف وارتفاع درجات الحرارة أن يؤدي إلى اندلاع انتفاضات عنيفة كما حدث في “الربيع العربي” في العام 2010، وكذلك الاحتجاجات التي عصفت بإيران في العام 2021. وبالرغم من أن المياه ليست دائما السبب الرئيسي لعدم الاستقرار والحرب في هذه المنطقة الجافة، إلا أنها أصبحت جزءا من التنافس والصراع.

وعندما يتم تحليل كل هذا، إلى جانب النمو السكاني في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، والذي من المتوقع أن يتضاعف بحلول العام 2050)، يصبح من الصعب المبالغة في تقدير مدى خطورة الموقف. فاليوم، يحصل ما يزيد عن 60 بالمئة من سكان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على القليل من المياه الصالحة للشرب، أو لا يحصلون عليها مطلقا. وبحسب تقرير صادر عن “صندوق الطوارئ الدولي للأطفال” التابع للأمم المتحدة لعام 2020، يعاني ما يقارب من تسعة من كل عشرة أطفال من عواقب صحية وغذائية، بسبب عيشهم في مناطق “تعاني من إجهاد مائي مرتفع أو مرتفع للغاية.

وبالتالي، فإنه من المحتمل جدا أن نرى موجات هجرة اقتصادية ومناخية وفرار لاجئين من المنطقة، الأمر الذي من شأنه تقويض استقرار المنطقة وآفاقها الاقتصادية. وسيصبح هذا أكثر وضوحا في أعقاب الكوارث المناخية الأكثر تواترا وشدة مثل الفيضانات والجفاف. وفي الحقيقة، وبحسب صندوق النقد الدولي، تسببت الكوارث المناخية منذ العام 2000 بمقتل ما يزيد عن 2600 شخص سنويا وتؤثر على 7 ملايين آخرين، وكلّفت 2 مليار دولار للأضرار المباشرة، الأمر الذي أدى إلى تقليل النمو الاقتصادي الإقليمي بنسبة 1 إلى 2 بالمئة للفرد في كل من الشرق الأوسط ووسط آسيا. وسيؤدي ارتفاع درجات الحرارة وعدم انتظام هطول الأمطار وارتفاع منسوب مياه البحر إلى تفاقم هذه الكوارث وتكرار حدوثها بمرور الوقت. تشير التوقعات إلى أن مساحات شاسعة من مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المأهولة حاليا قد تكون غير صالحة للسكنى قبل حلول نهاية القرن.

ومن المؤكد أنه يجب أن تستثمر الحكومات الإقليمية والمجتمع الدولي على حد سواء بقوة في استراتيجيات التخفيف والتكيف، لتجنيب الملايين من الناس في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذين يعيشون في المناطق الساحلية المنخفضة الارتفاع، من أسوأ آثار تغير المناخ.

والقاهرة تدرك ذلك تماما، ففي العام 2020 أصبحت مصر أول دولة في الشرق الأوسط تصدر سندات خضراء سيادية لتحفيز الاستثمار في المشاريع المستدامة بيئيا. ويمكن للمبادرات الحكومية المماثلة والتي تحفز الاستثمارات المستدامة بيئيا أن تكون بمثابة نموذج وإشارة للدول الأخرى والممولين من القطاع الخاص على حد سواء. وبالرغم من أن تكاليف الإجراءات التي تهدف إلى تخفيف تداعيات تغير المناخ والتكيف معه سوف تكون باهظة، إلا أنه من الممكن تسويق ذلك التحول بصفته فرصة اقتصادية للمنطقة. ربما يكون هذا أفضل طريق للمضي قدما، لأن ثمن التقاعس عن العمل اليوم سيكون باهظا جدا ولا يمكن التكهن بمقداره.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.