يثير موضوع التحرش بالطالبات في العراق قلقا اجتماعيا كبيرا. ويزداد الأمر خطورة عندما يأتي هذا التحرّش بصورة ابتزاز، يمارسه بعض الأساتذة الجامعيين بحق طالباتهم.

وكانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية قد أعلنت عام 2015 عزل أحد أساتذة كلية اللغات في جامعة بغداد من الوظيفة نهائيا، لتورطه في ممارسات غير أخلاقية، ومنها ابتزاز طالباته. وجاء قرار العزل استنادا إلى بعض الأدلة والشهود، الذين تم الاستماع إلى إفاداتهم من لجنة التحقيق المشكلة لهذا الغرض. وأكدت الوزارة آنذاك أنها لن تتهاون مع أية ممارسة سلبية، من شأنها أن تنتهك حرمة الجامعات العراقية. رغم هذا ما يزال التحرش بالطالبات العراقيات مستمرا، بحسب ما تؤكد الطالبات أنفسهن.

“الحل نت” حاول الحصول على إحصائية لنسب التحرش بالطالبات العراقيات من الشرطة المجتمعية التابعة لوزارة الداخلية العراقية، ومن وزارة التعليم العالي، إلا أن الطرفين رفضا تقديم أرقام، على اعتبار أن الموضوع حساس، ويمس شريحة واسعة في المجتمع، مكتفين بالرد: “لا توجد إحصائية”.

نماذج من التحرش بالطالبات في العراق

مروة طالب، اسم مستعار لطالبة في كلية الإعلام جامعة بغداد، تروي لـ”الحل نت” قصة الابتزاز التي تعرضت لها في الجامعة: “كنت في المرحلة الأخيرة من كلية الإعلام، وعلي تقديم مشروع بحث للتخرج، ولكل مجموعة من الطلاب أستاذ مشرف عليهم كما هو معروف”.

وتتابع بالقول: “كان الأستاذ المشرف يلتقي بي في مكتبه الخاص داخل مبنى الكلية، لمناقشة البحث الذي أعمل عليه. وهناك بدأ التحرش بي بأساليب مختلفة ومتدرجة. لم أستطع في البداية مواجهته بجرأة وشجاعة، فحاولت تجاهل الموضوع. لكن بعد مطالبته بشكل واضح وصريح بلقاء يجمعنا بمكان خاص، طلبت منه نقل الإشراف على بحث التخرج إلى أستاذ آخر من دون فضائح. وبسبب الخوف لم أتمكن من تقديم شكوى ضده، وفضلت السكوت”.

محمد عدنان، طالب في قسم اللغات، يروي لـ”الحل نت” فصلا آخر من التحرش بالطالبات في العراق: “تعرضت زميلتي للتحرش من قبل أستاذ معروف بعلاقاته المتعددة، ومحاولاته الكثيرة لابتزاز الطالبات”.
ويتابع عدنان: “كانت الفتاة شجاعة، وقامت بصده أكثر من مرة. وبعد محاربته لها من خلال انقاص درجاتها الفصلية، قامت بتقديم شكوى ضده لشؤون الطلبة”.

مختتما إفادته بالقول: “للأسف لم يثبت شيء على الأستاذ لأنه كان حذرا، لم يترك على نفسه أي مستمسك”.

“السكوت على التحرش بالطالبات جريمة”

“التحرش بالطالبات في العراق، وابتزازهن من قبل الأساتذة، حالات فردية ومحصورة، ولا يمكن تعميمها”، بحسب رأي الخبير التربوي داوودي الحلفي.

الحلفي يقول لموقع “الحل نت” إنه “في حال تعرض الطالبة لأي نوع من أنواع التحرش أو الابتزاز عليها أن لا تلتزم الصمت، وتقوم بردع أصحاب النفسيات المريضة، وذلك من خلال طلب المساعدة، سواء من عميد كليتها أو الشرطة المجتمعية أو الإرشاد التربوي”.

ويشير إلى أنه “من الضرورة إخضاع الأستاذ الجامعي إلى اختبارات تربوية، والتأكد من سمعته وسمعة عائلته، قبل توظيفه في مهنة التدريس. فليس كل من هب ودب يحق له ممارسة هذه المهنة العظيمة”.

ومن جانب آخر توضح الباحثة الاجتماعية ندى العابدي أن” الطالبات، خلال مسيرتهن الجامعية، يتعرضن لكثير من المواقف المسيئة، ومن ضمنها التحرش اللفظي أو الجنسي وغيره”.

وتضيف العابدي في إفادتها لموقع “الحل نت”: “لا يوجد أي مبرر يدفع الطالبات للقبول بالابتزاز والتحرش، وعليهن التحلي بالشجاعة، لأن السكوت عن هذا هو جريمة بحق أنفسهن”.

مقالات قد تهمك: العراقيات يقعن في شباك “الابتزاز الإلكتروني” ويتردّدن عن التبليغ  

هل القانون والمؤسسات قادرون على حماية الطالبات؟

ولكن هل يؤمّن القانون والمؤسسات العراقية حماية كافية للطالبات في العراق من التحرش؟
الخبير القانوني على التميمي يؤكد أن” المادة 452 من قانون العقوبات العراقي تنص بالسجن سبع سنوات على من يقوم بالابتزاز، أو إرغام الآخرين على فعل معين”.

ويتابع التميمي في حديثه لموقع” الحل نت”: “كذلك تنص المادة نفسها بالسجن لمدة عشر سنوات، إذا كان الابتزاز عن طريق القوة أو الإكراه، بعد أن يتم إثبات واقعة الابتزاز، عن طريق اعتراف المتهم، أو بالرسائل والصور والفيديوهات، التي تحتاج إلى خبراء للتأكد من صحتها”.

من جهته يقول سامر صلاح، الضابط في الشرطة المجتمعية، إن “القانون وضع لخدمة وحماية الجميع، لذا على الطالبات عدم السكوت عند تعرضهن لأي حالة ابتزاز، سواء من الأساتذة أو الطلاب”.

ويؤكد صلاح، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “بعض الطالبات قد لا يستطيع مواجهة ما يتعرض له من ابتزاز جنسي، خوفا من ردة فعل الأهالي والعشائر، فالمجتمع العراقي يلوم الضحية غالبا. إلا أن هنالك خطا ساخنا للشرطة المجتمعية، على الرقم 497، يتم من خلاله، بكل سرية وكتمان، التعامل مع الضحية والمبتز، لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، وقد يساهم هذا بالحد من ظاهرة التحرش بالطالبات في العراق”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.