تم اغتيال حسن خدائي، العقيد بالحرس الثوري الإيراني، يوم الأحد، الثاني والعشرين من أيار/مايو الماضي، في سيارته وأمام بيته، بخمس رصاصات أطلقها رجلان مجهولان، كانا يستقلان دراجة نارية.

عملية الاغتيال وقعت في الساعة الرابعة عصرا، على مقربة من مقر البرلمان الإيراني، وفي شارع “محي الدين الإسلام”، وهو أكثر المناطق أمانا في طهران، ويقطن فيه مسؤولون كبار في الحرس الثوري الإيراني، ما يطرح كثيرا من الأسئلة عن مدى الاختراق الأمني الذي تعاني منه إيران.

وتعليقا على العملية، قالت الخارجية الإيرانية إن “اغتيال حسن صياد خدائي عملية إرهابية، وجريمة تتحمل مسؤوليتها عناصر مرتبطة بالاستكبار العالمي“. مضيفة أن “عملية الاغتيال لن تمنع طهران من تحقيق أهدافها”.

ووصفت وكالة “تسنيم” الإيرانية للأنباء خدائي بـ”أحد المدافعين عن الأضرحة”، وهي العبارة التي تستخدمها وسائل الإعلام الإيرانية للإشارة إلى الأفراد، الذين أدوا مهاما في سوريا والعراق، والذين تعلن طهران عن تواجدهم في البلدين تحت مسمى “مستشارين”.

وبحسب وكالة “أسوشيتيد برس” فإن “المدعي العام في طهران وصل إلى مسرح العملية خلال ساعات قليلة، مما يعكس المكانة التي كان خدائي يتبوؤها في صفوف الحرس الثوري. ويعزز هذا الافتراض حضور قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني في تشيع خدائي”.

فيما ذكرت الإذاعة الإسرائيلية إن “خدائي متورط بعمليات إرهابية ضد أهداف إسرائيلية، في تركيا وقبرص وكولومبيا وكينيا”.

وردا على سؤال، حول ما إذا كانت إسرائيل مسؤولة عن اغتيال حسن خدائي، قال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد لإذاعة الجيش الإسرائيلي: “أنا لن أجيب على هذا السؤال، لكن إيران تقوم بأعمال إرهابية، وتهدد المواطنين الإسرائيليين حول العالم”.

فيما أوردت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية أن “إسرائيل أبلغت المسؤولين الأمريكيين وقوفها وراء عملية الاغتيال، في محاولة لتحذير طهران من استمرار عمل وحدة سرية مزعومة، ساعد خدائي في قيادتها”.
وبالتزامن مع عملية اغتيال خدائي، قال الحرس الثوري الإيراني إنه “فكك خلية على صلة بإسرائيل وجهاز الموساد، وألقى القبض على عناصرها”. مضيفا أن “جهاز استخبارات في الكيان الصهيوني قام بتوجيه هذه الخلية للقيام بأعمال خطف وتخريب”.

الوحدة 840

وكانت “نيويورك تايمز” قد نقلت عن شخصين منتسبين للحرس الثوري الإيراني أن “خدائي لعب دورا رئيسيا في نقل تكنولوجيا الطائرات بدون طيار والصواريخ إلى الميليشيات المدعومة إيرانيا في سوريا و لبنان. كما عمل مستشارا تكتيكيا للميليشيات، التي تتخذ من سوريا مقرا لها”. مشيرين لكونه “مجهولا خارج الدوائر الأمنية الإيرانية، وليس لديه تفاصيل أمنية مكشوفة، وهو أمر نموذجي لمسؤول عسكري كبير”.

وزعم المسؤولون الإسرائيليون، بحسب الصحيفة، أن “حسن خدائي كان نائب رئيس ما يسمى بالوحدة 840، وهي فرقة غامضة داخل فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني، تنفذ عمليات خطف واغتيال لشخصيات خارج إيران، بما في ذلك إسرائيليين. وكان خدائي مسؤولا بشكل خاص عن عمليات الوحدة 840 في الشرق الأوسط، لكنه شارك في محاولات هجمات ضد إسرائيليين وأوروبيين ومدنيين أميركيين ومسؤولين حكوميين في كولومبيا، كينيا، إثيوبيا، الإمارات العربية المتحدة وقبرص، في العامين الماضيين وحدهما”.

ووفقا لموقع “IFMAT” الإيراني المعارض فإن “الوحدة 840 في سوريا هي وحدة عملياتية سرية، مسؤولة، من بين أشياء أخرى، عن التخطيط للبنية التحتية الإرهابية وإنشائها خارج إيران، ضد الأهداف الغربية وفصائل المعارضة”.

ولم تعترف إيران علنا بوجود الوحدة 840، وتصر على أن حسن خدائي لعب دورا مختلفا تماما في الحرس الثوري الإيراني، بعد انضمامه له طوعا في سن المراهقة، أثناء الحرب الإيرانية العراقية، إذ أنه “ساهم في هزيمة تنظيم داعش في سوريا، نيابة عن فيلق القدس”.

وتعود خطة اغتيال حسن خدائي إلى تموز/يوليو 2021 على الأقل، حين قال مسؤولون استخباراتيون وعسكريون إسرائيليون لـ”نيويورك تايمز” إن “جهاز الموساد اختطف إيرانيا يُدعى منصور رسولي، جنّده الحرس الثوري الإيراني كقاتل. ومن خلاله انتزاع الموساد معلومات عن التسلسل القيادي في الوحدة 840”.

مقالات قد تهمك: “الحرس الثوري” الإيراني يستعين بعصابات المخدرات لتنفيذ اغتيالات بأوروبا

“اغتيال خدائي ليس تغييرا لقواعد اللعبة”

سارة الشريف، الباحثة والمحللة في الشؤون الإسرائيلية، قالت لـ”الحل نت” إن “اغتيال حسن خدائي ليس العملية الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة، التي تحمل بصمات إسرائيل. لذا لا يمكن اعتبار العملية تغييرا في قواعد اللعبة بين الجانبين، رغم اتخاذ الصراع بين الدولتين شكلا تصاعديا، من خلال استهداف إسرائيل للشخصيات المرتبطة بالمشروع النووي الإيراني على الأراضي الإيرانية”.

وتتابع الباحثة: “عملية اغتيال حسن خدائي تدل على وجود شبكة واسعة من العملاء الإسرائيليين في الداخل الإيراني. ويؤكد ذلك إعلان الجانب الإيراني القبض على متورطين بالكشف عن مكان تواجد العميد قاسم سليماني للموساد الإسرائيلي، وهو ما أدى إلى عملية تصفيته على يد المخابرات الأميركية، بالتعاون مع الموساد”.

الشريف ترى أن “لدى القيادة الأمنية في تل أبيب تصور يقوم على أن اغتيال رأس المنظومة سيسبب شللا للمنظومة بأكمها، على الرغم من اعتراض البعض بالقول إن القائد التالي قد يكون أقسى وأخطر من القائد السابق. لذا فاغتيال قيادات على درجة عالية من الكفاءة له تأثيره الحتمي، ولو لفترة معينة، قد تتمكن بعدها طهران من تعويض خسارتها”.

وتضيف أن “إسرائيل تتحرك في ثلاثة اتجاهات ضد إيران: الأول دبلوماسي، من خلال تعطيل الاتفاق النووي الإيراني أو تغيير بنوده أو حشد دول العالم ضده؛ والثاني استخباراتي، ومن أهم تفاصيله الاغتيالات؛ والثالث عسكري، أو ما تسميه إسرائيل بالحرب بين الحروب، من خلال عمليات عسكرية ضد المواقع الإيرانية الموجودة في سوريا ولبنان واليمن”.

اغتيال حسن خدائي جانب من “حروب الظل”

“إن صحّت التقارير الواردة عن مسؤولية إسرائيل عن عملية اغتيال حسن خدائي، فسيكون هذا جزءا من حرب الظل، المشتعلة بين إيران وإسرائيل”، بحسب اللواء الركن ماجد القيسي، مدير برنامج الأمن والدفاع في “مركز صنع السياسات”.

القيسي قال لـ”الحل نت” إن “إسرائيل تستهدف الرموز المرتبطة بالبرنامج النووي والصاروخي الإيراني، إضافة لشخصيات موالية لطهران، تتولى أدوارا مساعدة للسياسة الخارجية الإيرانية”.


ويضيف أن “السلوك الإسرائيلي تجاه إيران يقوم على التعرض لمراكز الثقل، وهذه الشخصيات جزء من مراكز الثقل. فقد تم اغتيال محسن فخري زادة وحسن خدائي، الذي يُشار إلى دوره في الإشراف على كثير من العمليات أو قيادتها في سوريا”.

وينظر اللواء القيسي لعملية اغتيال حسن خدائي، وما سبقها من عمليات في الداخل الإيراني، من اغتيال العالم النووي فخري زادة، إلى سرقة الأرشيف النووي الإيراني، على أنها “انكشاف أمني، مرده انشغال إيران بالقضايا الخارجية، في سوريا والعراق ولبنان واليمن وأفغانستان، على حساب الداخل الإيراني، مما يجعله مكشوفا ومخترقا، الأمر الذي استفادت منه إسرائيل، في حرب الظل المستعرة بين الدولتين”.

مستقبل الصراع بين طهران وتل أبيب بعد اغتيال خدائي

وعن مستقبل الصراع بين إيران وإسرائيل بعد عملية اغتيال حسن خدائي، يرجح اللواء الركن ماجد القيسي “استمرار حرب الظل بين الطرفين لفترة غير قصيرة، دون أن تتطور إلى مواجهة مباشرة بينهما، فالحسابات الداخلية لكلا البلدين، إضافة للحسابات الأمريكية المؤثرة، وظلال الغزو الروسي لأوكرانيا، تقلل من احتمالية المواجهة المفتوحة”.

سارة الشريف ترى أن “توصيف العلاقة بين إيران وإسرائيل بالعداء هو توصيف خاطئ. فشروط العداء لا تنطبق على الدولتين، اللتين تستخدمان الصراع بينهما لمواجهة أزمات داخلية تخصهما، دون وجود مواجهة حقيقية مباشرة. ورغم تصاعد حالة النزاع بين الدولتين، إلا أنها تبقى في الساحات السيبرانية والاستخباراتية وحروب الظل”.

مختتمة حديثها بالقول: “لا استبعد فقط اندلاع مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، بل استبعد أيضا مواجهة مفتوحة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني في ظل الظروف الحالية، على اعتبار أن حزب الله ذراع إيراني، ولا يخرج عن إرادة طهران. والأخيرة ترى أن مواجهة مفتوحة مع تل أبيب مضرة لمصالحها، على الرغم من الضربات الموجعة التي تتلقاها، مثل اغتيال حسن خدائي”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.