بعد مرور أكثر من 3 أشهر على الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي لم تتمكن فيه موسكو من تحقيق أي تقدم ملموس وفق مطامعها التي أعلنت عنها منذ بداية الغزو، بدأت العديد من التساؤلات تظهر حول الاحتمالات التي ستكون إحداها نهاية لهذا الغزو، في الوقت الذي يصعب فيه التكهن فعلا بوجود نهاية دقيقة.

تقرير لـ”هيئة الإذاعة البريطانية” نشر يوم يوم أمس، حاول حصر الاحتمالات لنهاية الغزو الروسي لأوكرانيا بعدة احتمالات.

حرب استنزاف

الاحتمال الأول، وهو حرب استنزاف طويلة الأمد، أي أن الحرب وفق التقرير قد تمتد لشهور أو سنوات، وأن يحقق الجانبان مكاسب وخسائر، تمنع كليهما من الاستسلام، في الوقت الذي يرى فيه التقرير أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعمل هنا وفق مبدأ الصبر الاستراتيجي لإرهاق أوكرانيا، وجعل الغرب يشعر بالملل أمام تحديات أخرى منها الصين.

وفي هذا السياق، يرى الدكتور نصر اليوسف، الباحث والخبير بالشأن الروسي، لموقع “الحل نت”، أن الروس يعولون على أن الغرب سيشعر بالملل من تقديم المساعدات لأوكرانيا، نتيجة للضرر الحاصل من حصار الطاقة ونتائجه كارتفاع الأسعار والتضخم، إضافة لما ستفرزه انتخابات قادمة في الدول الغربية قد تبرز فيها أحزاب راغبة بدفع أوكرانيا للتفاوض مع الروس، بحسب تعبيره.

وأضاف اليوسف، أن مسألة إقليم دونباس، يمكن أن يفاوض الروس بشأنها، أي أن لا تكون الجمهوريتان في الإقليم مستقلتين تماما، بل أن تكونا في إطار اتحاد كونفدرالي مع أوكرانيا، وهذا هو الاحتمال الأكبر.

من جهته، يرى الخبير في الشأن الروسي، طه عبد الواحد، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن هناك تباين ما في المواقف بين الرؤية الأميركية والرؤية الأوروبية، فالولايات المتحدة تريد ضبط إيقاع التحركات الروسية من خلال المستنقع الأوكراني الذي أوقعت به، أما أوربا، عدا بولندا وجمهوريات البلطيق، فلن تكون ضد استئناف المفاوضات وإيجاد حل دبلوماسي للأزمة إن أعلن بوتين وقفا لإطلاق النار، وهذا لن يعني بالطبع عودة العلاقات الروسية الأوروبية إلى ما قبل 24 شباط/فبراير.

إقرأ:خسارات روسية متلاحقة في أوكرانيا.. ماذا بعد؟

الاحتمال الثاني

وقف إطلاق النار وهو الاحتمال الثاني الذي يمكن أن يلجأ إليه بوتين من طرف واحد على اعتبار أن عمليته العسكرية قد اكتملت، وهذه حيلة يمكن أن تستخدمها روسيا في أي وقت، إذا أرادت الاستفادة من الضغط الأوروبي على أوكرانيا للتنازل والتخلي عن بعض أراضيها مقابل سلام افتراضي، بحسب التقرير، الذي يرى في مقابل ذلك أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وجزء كبير من دول أوروبا الشرقية سيعارضون هذا التوجه، حيث يرى ساسة هذه الدول أن الغزو الروسي يجب أن يفشل من أجل أوكرانيا والنظام الدولي.

طه عبد الواحد، يرى أنه في حال تمكن الروس من إنجاز مهمة السيطرة على دونباس، فمن المرجح أن تعلن روسيا وقفا لإطلاق النار من جانب واحد، مع الاحتفاظ لنفسها بالحق باستهداف الإمدادات الغربية لأوكرانيا بالسلاح، كما ستعمل على العودة للمفاوضات لكن انطلاقا من الوضع الميداني الذي يتم عنده إعلان وقف إطلاق النار.

من جهته، نصر اليوسف، يرى أنه لا يمكن الجزم بما يريده الغرب بشكل كامل، لكن هناك تصريح واضح لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، يقول فيه أنه يجب “ألا نسمح لبوتين بالانتصار”، إضافة للتصريحات الأميركية حول تزويد الولايات المتحدة لأوكرانيا بالسلاح شريطة عدم استخدامه في العمق الروسي، وهذا يعني أنه هناك تمكين في الظاهر من قبل الغرب لأوكرانيا بتحرير أراضيها وما يعني بطبيعة الحال هزيمة روسيا.

قد يهمك:أحداث بوتشا الدموية في أوكرانيا.. الغرب يتوعد وروسيا تتهرب

جمود القتال وانتصار أوكرانيا؟

بحسب التقرير، فقد لا يكون هناك جمود في ساحة المعركة لعدة أشهر وأي تسوية سياسية ستكون صعبة لأسباب ليس أقلها عدم ثقة أوكرانيا بروسيا. وقد لا يصمد أي اتفاق سلام ويمكن أن يعقبه المزيد من القتال.

في هذا السياق، يرى نصر اليوسف، أن العقلية الروسية، وعقلية بوتين ستجعله يقدم على كل ما يمكن تصوره من فظائع لقاء عدم الهزيمة، وخاصة فيما يتعلق بشبه جزيرة القرم، فلن يتخلى عنها الروس مهما كلف الأمر ما دام النظام الحالي في السلطة، سواء بقي بوتين أو خرج من الحكم في انتخابات 2024.

وأضاف اليوسف أن للروس تاريخا في ارتكاب الفظائع في الشيشان، ومن الممكن تكرار ذلك، إذا شعروا أن الغرب يسعى في دعمه لأوكرانيا لإخراج القوات الروسية من دونباس، فمن الممكن أن يستخدموا كل الأسلحة في محاولة منع ذلك، لذلك في النهاية لا بد من دفع الأمور للتفاوض منعا لسفك الدماء، ولأن التفاوض سيؤدي لنتائج إيجابية أكثر.

أما طه عبد الواحد، فيرى أن الولايات المتحدة تسعى لوضع روسيا في موقف صعب، وهو أمر مهم بالنسبة لها، أما أوروبا، فتريد من خلال دعمها العسكري لأوكرانيا خلق تعقيدات قدر الإمكان أمام المحاولات الروسية للتقدم في أوكرانيا، والإظهار لروسيا أن فكرة السيطرة على الأراضي الأوكرانية لن يكون نزهة، وبالتالي دفع روسيا لوقف القتال والانخراط في عملية تفاوضية، أي أن أوروبا يناسبها نقل الأزمة من ساحات القتال إلى قاعات المفاوضات.

إقرأ:روسيا بين فكيّ كماشة في أوكرانيا

وقف القتال خسارة لروسيا

الباحث السياسي في مركز “لندن” للدراسات السياسية والاستراتيجية، مايكل مورغان، قال في وقت سابق لموقع “الحل نت”، أن الخسائر التي تكبدها الجيش الروسي في ظل المقاومة العنيفة من الشعب الأوكراني بقيادة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي قد أغضب بوتين بشكل كبير، مما يحول دون التوصل إلى اتفاق ما حتى يعوض بوتين ما خسره على الأرض من خلال الحصول على كامل طلباته، التي قدمها قبل الحرب ولكن البعض يرى أن سقف مطالبه سيرتفع بسبب الخسائر والعقوبات الاقتصادية التي تكبدها من الغرب خلال الفترة الماضية.

من الواضح أنه لا يمكن الجزم باحتمال محدد ينتهي وفقه الغزو الروسي لأوكرانيا، فهناك احتمالات مفتوحة كثيرة، فالروس أمام خيارات صعبة للغاية، يعتبر معظمها بمثابة إعلان هزيمة لروسيا، فالرضوخ للعودة للمفاوضات وفق الظروف الحالية غير ممكن بالنسبة للروس، وإعلان وقف القتال من جانب واحد هزيمة صريحة، بالمقابل فإن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة يمكنه الاستمرار أكثر بالدعم لأوكرانيا اقتصاديا وعسكريا.

قد يهمك:بعد سوريا.. روسيا تعيد استحضار سيناريو هجوم كيماوي في أوكرانيا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة