تطورات ملحوظة حصلت في إيران مؤخرا، وسط درجة عالية من التوتر مع القوى الدولية، على خلفية الوضع المأزوم سياسيا وإقليميا؛ لاسيما تلك المتعلقة بالملف النووي الإيراني، وكذلك التحركات الميدانية للنفوذ الإيراني بسوريا، فضلا عن نشاط طهران المحموم في صناعة “المسيرات” وتطوير الصواريخ، بالإضافة إلى المراوغة المستمرة في خرق بنود الاتفاق النووي ورفع معدلات التخصيب.

من جانب آخر فإن إسرائيل قلقة من تعزيز الدور الإيراني وبالتالي بسط نفوذها في المنطقة أكثر، خاصة أنها تعتقد بأن إيران سعت لامتلاك أسلحة نووية وأنها تراوغ مع القوى الدولية بشأن ملفها النووي، إضافة إلى أن إيران تحاول جاهدة توسيع نفوذها من خلال وكلائها في المنطقة، وخاصة في سوريا ولبنان المحاذيتان للحدود الإسرائيلية.

كما أن إسرائيل تنظر إلى برنامج إيران النووي باعتباره تهديدا لأمنها، حيث تجد أن طهران تسعى لامتلاك قنبلة ذرية بممارسة أساليب كاذبة واهية ضد الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

مراقبون سياسيون تنبؤوا بحدوث تصعيد جديد بين تل أبيب وطهران خلال الفترة المقبلة إزاء ذلك، خاصة وإن إسرائيل بدأت تتحرك خلال الفترة الماضية على عدة جهات، في ظل تخوفها من توسع النفوذ الإيراني وتقويته. جزء من هذا التنبؤ حدث مؤخرا، حيث شهدت إيران الشهر الماضي عددا من عمليات الاغتيال طالت قياديين في “الحرس الثوري الإيراني”، من أبرزهم العقيد حسن صياد خدايي، وتبع اغتيال خدايي مقتل قيادي في “الوحدة 840” التابعة للحرس الثوري، إسماعيل زاده، وتلاه خبير إيراني في مجال صناعة الصواريخ والفضاء، أيوب انتظاري، وادعت إيران أن الأخير توفي بحالة “تسمم”.

من جانبه، أقر رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، الثلاثاء، إن حكومته عمدت إلى تغيير الاستراتيجية في التعامل ضد إيران، ملمحا إلى مسؤولية إسرائيل عن عمليات الاغتيال التي شهدت طهران مؤخرا.

على ضوء ذلك، تبرز عدة تساؤلات حول أهداف إسرائيل حيال ذلك، وما تبعات هذا التطور، وما الذي يمكن أن يحصل جراء هذا التغيير الاستراتيجي الذي أعلنت عنه إسرائيل.

إسرائيل تبعث رسائل دولية؟

ضمن التوترات الأخيرة مع إيران، قال بينيت، الثلاثاء، إن بلاده غيرت استراتيجيتها تجاه إيران، في أعقاب مقتل أعضاء بارزين في “الحرس الثوري” الشهر الماضي. وتابع بأن إسرائيل انتقلت في العام الماضي لضرب ما وصفه بـ “رأس أخطبوط الإرهاب” وليس أذرعه فقط كما حدث طوال العقد الماضي.

كما وتوعد بينيت بأن إسرائيل ستعمل ضد النووي الإيراني “في أي زمان ومكان”، مهددا طهران بدفع “ثمن باهظ”.

وتابع بأنه في السنوات الأخيرة، تجاوزت إيران سلسلة من “الخطوط الحمراء”، أبرزها في نيسان/أبريل من العام الماضي، عندما تخطت الحد المسموح به في تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 بالمئة، من دون أن تتعرض للعقاب.

وفي حديثه لموقع “الحل نت”، يرى الأكاديمي والباحث في الفكر السياسي، سامح مهدي، أن إسرائيل تفرض وضعا مختلفا أو بالأحرى تختبر ميدانيا إمكانية الضغط على إيران في محاولة حثيثة لبعث رسائل لها وكذا الولايات المتحدة في ظل تعثر المفاوضات في فيينا وصعوبة الوصول لاتفاق نووي، فضلا عن السلوك الإقليمي لطهران الذي يشكل تهديدات جمة على دول المنطقة.

وتابع في حديثه، أيضا “تبدو محاولات تل أبيب لتشكيل اصطفافات سياسية وأمنية لمواجهة طهران، خاصة مع احتمال عملية إحياء الاتفاق النووي واستجابة واشنطن لمطلبها برفع “الحرس الثوري” من قائمة الإرهاب عملية ملحة، لا سيما مع التحولات الجيوسياسية التي تجري في العالم والتي تجعل التحالفات تتغير وطبيعة الملفات وأولوياتها تتبدل بصورة ملحوظة، ومن بين هذه الأمور إعادة تموضع القوات الأميركية بالمنطقة وانسحابها لحساب الانتشار في أوروبا وفي المناطق المتاخمة لنقاط الصراع مع الصين وروسيا الذين يشكلان أولوية قصوى لواشنطن”.

وكان بينيت قد التقى مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، يوم الجمعة الماضي، وطلب من ضيفه توجيه “رسالة واضحة” لإيران، محذرا من أنه في حال فشلت “دبلوماسية” المجتمع الدولي، فإن “إسرائيل تحتفظ بحقها في التصرف”.

قد يهمك: إيران تهدد وإسرائيل تستعد.. عقيد في “الحرس الثوري” أشعل الفتيل

إسرائيل توجه ضربات مقصودة

وأشار بينيت في جلسة استماع عقدت أمام لجنة الأمن والخارجية في الكنيست الإسرائيلي، إلى أن “العام الماضي هو نقطة تحول في استراتيجية إسرائيل تجاه إيران. غيرنا الدروس ونحن نعمل حاليا ضد رأس الأخطبوط مباشرة وكذلك سلاحه، ولّت أيام الحصانة التي تهاجم فيها إيران، إسرائيل، وتنشر الإرهاب عبر فروعها في المنطقة دون أن تتضرر بنفسها، ولّت تلك الأيام”.

وبالعودة إلى الباحث في الفكر السياسي سامح مهدي، الذي أضاف لموقع “الحل نت”، بأن “المثير في الأمر أن إسرائيل توجه ضربات مقصودة ومتعمدة سواء في ما يتصل بتوقيتات الحوادث أو المواقع المثيرة والحساسة التي يجري استهدافها، حيث إن استهداف قياديين في “الحرس الثوري الإيراني” في ظل الضغط الشعبي والاحتجاجات المتنامية، تزامن مع القصف الذي تعرضت له قاعدة عسكرية للطائرات المسيرة في عمق الأرض الأمر الذي يعني أن الحادث يستهدف تعطيل تطور الإمكانات العسكرية الإيرانية وأنشطتها المتنوعة التي تخص النشاط النووي أو الصواريخ الباليستية أو المسيرات”.

وفي سياق تصريح بينيت بأن “عصر الحصانة لإيران قد ولّى”، يضيف الباحث السياسي، أن “هذا التصريح له دلالة مباشرة بأن التصعيد أو الحوادث العنيفة المتبادلة بين الطرفين مرشحة للتزايد وثمة معلومات أو ترجيحات بأن الأجهزة الأمنية في إيران مخترقة من قبل عناصر تعمل لحساب الموساد، الأمر الذي تبدو له إشارات من خلال دقة وسرعة تنفيذ حوادث بقلب العاصمة طهران بين الحين والآخر تبدو قوية ومؤثرة بدرجة كبيرة ومنها اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده نهاية العام الذي جرى فيه اغتيال قاسم سليماني، ثم اغتيال حسن صياد خدايي مؤخرا من أمام منزله، مع الوضع في الاعتبار أن إيران أعلنت توقيف عناصر تجسس لحساب إسرائيل أو شبكة تعمل لصالحها ويعتقد أنها تقف وراء هذه الحوادث”.

من جانبه، حذر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، بـ “رد فوري” على أي تحرك ضد بلاده في الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وقال عبد اللهيان، يوم الجمعة الفائت، إن “أي إجراء سياسي سيواجه بلا شك ردا مناسبا وفعالا وفوريا من إيران”. وأشار أيضا إلى أن زيارة غروسي لإسرائيل تتعارض مع حياد الوكالة الذرية، وفق تعبيره.

وعليه، فإن هذا التبادل الاتهامي الواضح بين إسرائيل وإيران يكشف بدون شك أن التصعيد بين الطرفين بات قريبا ومباشرا ويتجه إلى مزيد من التصعيد، ولا شك أن لهذا تداعيات على دول المنطقة وفي مقدمتها سوريا.

قد يهمك: اغتيال حسن خدائي: هل باتت طهران مخترقة تماما من قبل الموساد الإسرائيلي؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.