لقرابة عقدين، يحاول العراقيين الخلاص من هيمنة الأحزاب الإسلامية التي سيطرت على المشهد السياسي والمجتمعي، وعلى الرغم مما وفرته الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت البلاد في أواخر العام 2019 من فرصة لاختراق النظام القائم على القوى الإسلامية، إلا أنه على ما يبدو أن التجربة فشلت في تجاوز تحديات 19 عاما وترجمة أفكارها، بحسب مراقبين.

 ويعزا الفشل إلى الحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي، الذي يحسب بشكل أو بآخر شخصية مدنية لا تحمل أجندات إسلامية، فضلا عن ارتكازه في مشروعه السياسي على شخصيات تصنف كلها في خانة المدنية.

اقرأ/ي أيضا: تعديل قانون الأحوال الشخصية: جبهة صراع جديدة بين الأحزاب الدينية والقوى المدنية والنسوية في العراق

العراق وحظوظ المدنية

الحديث عن ضياع حظوظ العراق في الوصول إلى نظام مدني في تطبيقاته ما زال قائما، لاسيما وأن النقمة الشعبية على القوى الإسلامية ما تزال حاضرة، بل ويعززها سلوك الإسلام السياسي في محاولاته تحميل الشارع المدني أسباب فشله في إدارة البلاد على مدار السنوات الماضية وتحوله إلى مرتع للجماعات الإرهابية والفساد.

وترتكز المشكلة على أن “أساس الأزمة هو الدستور العراقي، حيث يشار في مواده الأولى إلى أن العراق دولة إسلامية من خلال الإشارة إليه في المضمون بأن الدين الأساس للدولة هو الإسلام، ولا يمكن تشريع أي قانون في خلاف هذا الدين”، كما يرى الباحث السياسي علي البيدر. 

ويعتقد في حديث لموقع “الحل نت”، أن “هذه الإشارة تؤكد إننا نعيش واقعا إسلاميا، وأن الحكومة التي تتواجد في رأس هرم السلطة إسلامية، كما أن هناك الكثير من الإشارات في مضامينها دينية ولذلك لم نتمكن من الخلاص من الهيكلية الإسلامية”.

ويقول أن “الكاظمي حاول تغيير مسار الحياة في البلاد من الدينية إلى المدنية، لكن هذا الأمر اصطدم في الوعي المجتمعي والخطاب الإعلامي والسياسة والتيارات المحافظة التي سوف تخسر الكثير من حظوظها وإمكاناتها التي ستنعكس على مستوى هيمنتها على المجتمع العراقي”.

اقرأ/ي أيضا: فشلُ الأحزاب المدنية قُبالَة الإسلامية في العراق: ما علاقة “ولاية الفقيه” والتّحالف الشّيوعي الصّدري؟

مرحلة انتقالية

كما يضيف أن “العراق اليوم يعيش مخاض عسير، كما أنه لم يستطيع الوصول إلى عتبة المدنية التي يحتاجها، وفي نفس الوقت غادر مرحلة السطوة الدينية، بالتالي أن هذه المرحلة تتطلب جهودا مضاعفة من الشارع العراقي وكافة المؤسسات لسحبه إلى بساط المدنية ليصل إلى تطبيق التجربة الديمقراطية بالشكل المثالي”.

وأشار إلى أن “الجانب الديني يرتكز على دعامة خطيرة وهي العشائرية، التي ساهمت إلى جانب كل تلك الأسباب لتراجع العراق في المستوى المدني بشكل كبير، بالتالي أن قضية المدنية في العراق هي ليست مطلبا جديدا بل أن العراق في أساسه دولة مدنية، وحتى بغداد كانت أحد مصاد المدنية، لذلك أن محاولة الخروج من كنف الأصولية يحتاج إلى جهودا مضاعفة وتكاتفت الجميع”.

ومنذ الحرب التي أطاحت بنظام صدام حسين عام 2003، ما يزال العراق مستمرا  في معاناته، وهناك من يرجع الوضع الحالي إلى الفساد وهناك من يرجعه إلى طبيعة النظام السياسي الذي تشكل بعد الحرب والذي قام على المحاصصات الطائفية.

وعلى الرغم من أن العراق من ذلك الحين، شهد أربعة انتخابات، تغيرت خلالها عدة حكومات والعديد من المسؤولين، وكانت هناك باستمرار فرصة أمام الناخبين لانتخاب شخصيات تتمتع بالنزاهة والمسؤولية، ولعل آخرها الانتخابات التي جرت العام الماضي وأسفرت عن تغيير في بعض التحالفات والوجوه، لكن القوى الإسلامية ما تزال مسيطرة على المشهد بفعل المال والسلاح.

اقرأ/ي أيضا: الزواج القسري في العراق: بيع وشراء للفتيات في زمن تصاعد الفقر والأزمات الاقتصادية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.