يشهد العمل النقابي في إدلب دعما من قبل “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا)، وما يسمى “حكومة الإنقاذ”، ذراعها المدني، في سياق ما يعتبره البعض محاولة من الهيئة لمأسسة مناطق نفوذها بإدلب ومحيطها شمال غربي سوريا، من خلال قيامها ببناء الإدارات والمؤسسات والهيئات في مختلف القطاعات المدنية والعسكرية، وذلك للتعبير عن فلسفتها في إدارة المنطقة. وسط احتجاجات واسعة ضد سياسات الهيئة ومشاريعها من قبل الأهالي، الذين يعانون اجتماعيا ومعيشيا من تلك السياسات.

ومن الميادين التي عملت الهيئة وحكومتها على التوسع بها القطاعات الاقتصادية الأساسية: الزراعة والصناعة والتجارة، عبر تأسيس مديريات ومؤسسات وهيئات فرعية خاضعة لهما تماما،  مثل الرقابة والتموين، وإدارات المخابز، وتجارة وتصنيع الحبوب، ولجنة حماية الملكية التجارية والصناعية، ومؤسسة النقد، وغيرها. وكل هذه الهيئات تعتبر الأذرع التنفيذية لـ”هيئة تحرير الشام”، التي تفرض بواسطتها سلطتها على كل مناحي الحياة في محافظة إدلب ومحيطها.

ولجأت “حكومة الإنقاذ” إلى بناء الاتحادات والنقابات المهنية، لتثبت أنها تمثل قاعدة جماهيرية واسعة، تتبنى عمليات التحول والانتقال من حالة التشتت إلى حالة الدولة والسلطة، التي تستند إلى عمل مؤسساتي منظم. إلا أن إحياء العمل النقابي في إدلب يواجه كثيرا من الانتقادات والأسئلة، التي تركز على الدوافع الحقيقية للهيئة من وراء هذه الخطوة.

لماذا يتم دعم العمل النقابي في إدلب؟

في مطلع شهر أيار/مايو 2022، أعلنت “حكومة الإنقاذ” في إدلب عن تأسيس “نقابة المعلمين السوريين الأحرار”. وكانت قد أعلنت، منتصف شهر نيسان/إبريل من العام نفسه، قرارا يقضي بإحداث “الاتحاد العام للفلاحين”، بالتنسيق مع وزارة الزراعة والري التابعة لها. وجاء هذا القرار بعد عدة قرارات اتخذتها في الإطار ذاته، أهمها إحداث المديرية العامة للمشتقات النفطية. وخلال الفترة نفسها عقدت “حكومة الإنقاذ” لقاءات مع نقابة الصيادلة والمهندسين والاقتصاديين.

وفي هذا السياق يقول بشير نصر الله، الباحث في مركز “جسور للدراسات”، إن “هناك تركيزا واضحا من حكومة الإنقاذ على تعزيز العمل النقابي في إدلب، على طريقتها. ففي المجتمعات الديمقراطية تتمتع النقابات والاتحادات بحرية كبيرة، وتكون بعيدة عن توجهات السلطة، أي تغيب عنها معايير السيطرة والتوجيه والأدلجة من قبل مؤسسات سلطات الأمر الواقع. لذلك تسارع الإنقاذ، ومن وراءها هيئة تحرير الشام، إلى إنشاء نقابات على هواها، أو التغلغل في النقابات القائمة، كي تكون تحت مراقبتها”.

ويضيف، في حديثه لموقع “الحل نت”: “الهدف من تشكيل النقابات في إدلب هو أن يتم تصديرها إعلاميا في إطار مأسسة العمل التنفيذي للهيئة وحكومتها، ولكن واقع الأمر هو أن الهيئة تعمل على تأسيس ما يشبه الجبهة الوطنية التقدمية، التي تقودها حكومة دمشق، بأدوات ومنهج جديد. وعلى أي حال، نجاح هذه التجربة متعلق بقدرة حكومة الإنقاذ في الاستمرار، وهذا غير وارد، وسط الاستياء الشعبي ضد هيئة تحرير الشام، الذي قد يولد موجة من الاحتجاجات الكبيرة في أيّ لحظة، في ظل غياب أبسط مقومات الحياة في إدلب وانعدام الاستقرار”.

استنساخ تجارب حكومة دمشق في السيطرة على العمل النقابي

ولكن ما الأثر الاجتماعي والاقتصادي لسعي هيئة تحرير الشام وحكومتها لتفعيل العمل النقابي في إدلب؟

ناشط إعلامي من مدينة إدلب، رفض الكشف عن هويته لضمان سلامته، أكد أن “مساعي تحرير الشام في التحكم بجميع القطاعات، ومن ضمنها العمل النقابي في إدلب، لن تنجح دون وجود بيئة حوكمة وشفافية، وهو ما تفتقده حكومة الإنقاذ التابعة لها، لذلك فمن المتوقع أن لا تحدث هذه المؤسسات أثرا حقيقيا”.

وأردف، في إفادته لموقع “الحل نت”: “هدف تحرير الشام استنساخ تجربة حكومة دمشق في التعامل مع المجتمع المدني، وربط المجتمع بالدولة، وجعل المؤسسات والنقابات والاتحادات خادما مطيعا لسياسات السلطة، وكذلك ربط المنظمات والأنشطة الخيرية والتطوعية بالسلطة وبأهدافها. وبالتالي فلا جديد فعلي فيما تفعله الهيئة”.

مقالات قد تهمك: “هيئة تحرير الشام”: سعي حثيث للسيطرة التامة على إدلب

الصراع بين الهيئة والناشطين النقابيين

وأكد تقرير لـ”مركز جسور للدراسات” أنه “لا يمكن التعامل مع “حكومة الإنقاذ” بوصفها جهازا أو سلطة مستقلة في إدلب، فهي مرتبطة بشكل وثيق، منذ تأسيسها نهاية عام 2017، بـ”هيئة تحرير الشام”، التي تعتبر هذه “الحكومة” بمثابة غطاء مدني لإدارة المنطقة”.

وتابع التقرير أن “حكومة الإنقاذ منذ تأسيسها علمت على جمع السير الذاتية لكفاءات الشمال السوري، بغرض استيعابها في الوزارات التي تديرها، وهو ما أصبح متاحا لها بعد استبعاد مؤسسات وأجهزة الحكومة المؤقتة، التابعة للمعارضة السورية، من إدلب”.

مشيرا إلى أن “هيئة تحرير الشام واجهت تحديات كبيرة بعد تخلّف عدد كبير من الكفاءات عن الالتحاق بمؤسسات حكومة الإنقاذ، والرفض الشعبي الذي واجهته، في محاولاتها لإخضاع المجالس المدنية المحلية، عن طريق تعيين أشخاص موالين لها فيها”.

ويعتبر كثير من الناشطين في مجال العمل النقابي في إدلب أن الدعم، الذي تدعي حكومة الإنقاذ تقديمه، يعرقل مساعي الحراك المدني المعارض لها، بهدف جعل إدارة المنطقة أكثر سهولة. مما دفع أصحاب الكفاءات في المنطقة للتكتل في إطار نقابات وهيئات مستقلة، على غرار “نقابة المحامين الأحرار” في سوريا. في حين سارعت “حكومة الإنقاذ” لإصدار قرارات رسمية، لتشكيل نقابات وهيئات مدنية تابعة لها، وفرضت على النقابات المستقلة تغييرات مناسبة لها، مثل فرض أشخاص محددين في قيادتها.

وهكذا يبدو أن هناك صراعا بين الهيئة والحكومة من جهة، والناشطين المدنيين والنقابيين من جهة أخرى، حول استقلال العمل النقابي في إدلب، وقد يكون لهذا الصراع دور كبير في تحديد مستقبل المنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.