احتفظت دمشق بمرتبتها كأرخص مدينة في العالم من بين 173 مدينة رئيسية، وفقا لمسح نصف سنوي نشرته وحدة المعلومات الاقتصادية التابعة لمجموعة “إيكونوميست”، فمع ارتفاع الأسعار بشكل عام في أماكن أخرى، فقد انخفضت في دمشق بسبب التدهور السريع لقيمة العملة المحلية، إلا أن الأسعار التي ترصدها مواقع التواصل الاجتماعي، حول العقارات في سوريا تشير عكس ذلك.

السعر محسوم!

على الرغم من التنبؤ بأن سوق العقارات ومواد الإكساء على موعد جديد مع قفزة أخرى في أسعارها، وذلك بعد أن بدأت الشركات العاملة في الأسمنت المطالبة برفع أسعارها، إثر ارتفاع تكاليف الإنتاج، لا سيما المتعلقة بالطاقة والمواد النفطية، أثار إعلان عن سعر شقة سكنية في دمشق حفيظة الشارع السوري.

الصحافي عصام داري، في تعليق له على صفحته في موقع “فيسبوك”، قال “أنا ببساطة بحاجة إلى مئة ألف صديق، كل منهم يدفع لي 70 ألف ليرة لشراء شقة مطلة على حديقة تشرين في منطقة المالكي، والذي يظهر بوضوح في الصور إن المنزل المليء بالأثاث يذكر بعض المسلسلات الأميركية.

وأضاف داري، “السعر محسوم من دون مفاصلة..ولا جدال..ولا بازار..السعر سبعة مليارات ليرة سورية فقط لا غير..يعني بالعملة الوطنية..بلا دولار وبلا يورو..”.

وتابع داري، “أريد مائة ألف صديق أن يرسلوا لي 70 ألف ليرة عبر البريد المضمون، أو عن طريق مؤسسة الهرم، أو عن طريق شخص جدير بالثقة، شكرا لكم جميعا”.

ثم أردف الصحفي، قائلا “آه، نسيت قلكم أنا ما عندي مئة ألف صديق، وهون المشكلة.. آه..ونسيت قلكم أن آخر دراسة دولية عن أسعار العقارات أظهرت أن مدينة دمشق تعتبر الأغلى عربيا من حيث سعر العقارات…وكمان الأغلى عالميا..الحمد لله حققنا الرقم القياسي..فعلينا أن نفتخر..”.

أمراء الحرب في سوق العقارات

لا يزال سوق العقارات السوري على الرغم من الوضع الاقتصادي المتدهور يشكل عامل جذب مهم للعديد من الفئات، فعلى الرغم من عدم استقرار الأسعار التي تتراوح بين هبوط وارتفاع، فإن القيمة الحقيقية للعقارات انخفضت عن فترة ما قبل عام 2011 نتيجة انخفاض سعر الصرف، إلا أنه يشكل ملاذا آمنا برأي الكثيرين، كما أنه بات الوجهة الأبرز للراغبين بتبييض الأموال من أمراء الحرب في سوريا، ما أفرز سماسرة مختصين لتلبية هذه الاحتياجات.

بحسب تقرير لموقع “صاحبة الجلالة” المحلي، نشر الاثنين الفائت، فإن سوق العقارات في دمشق تحكمه مفارقات، فمن جهة يرى البعض أن هناك استمرار في ارتفاع أسعار السوق العقارية رغم تدهور القدرة الشرائية المتآكلة جراء التضخم الحاصل، بينما يرى آخرون، أن الأمر عكس ذلك؛ إذ أن أسعار العقارات انخفضت إلى مستويات كبيرة إذا ما تم تقويمها وفق سعر الصرف.

وأوضح التقرير، أن متوسط سعر الوحدة السكنية ذات المساحة 75 متر مربع في ريف دمشق على سبيل المثال كان عام 2011 ما يقارب الـ1.5 مليون ليرة، أي حوالى 30 ألف دولار وفق سعر الصرف آنذاك والبالغ 50 ليرة، أما اليوم فسعرها بأحسن الأحوال 80 مليون ليرة، أي حوالى 20 ألف دولار وفق سعر صرف السوق السوداء حاليا.

وأضاف الموقع، أن اللافت للنظر استمرار بناء الكتل العمرانية بشكل كبير على مدى المساحة الجغرافية للبلاد، في ظل ما تشهده السوق العقارية من جمود ملموس منذ ما يزيد عن عام، ليس هذا وحسب، بل إن هذا الجمود لم يؤثر على انخفاض الأسعار والتي وصل متوسط سعرها نهاية عام 2020 في ريف دمشق ما بين 600 ألف إلى مليون ليرة للمتر المربع على الهيكل، إذ لا تزال تحافظ على مستوياتها باستثناء بعض حالات بيع النادرة تمت تحت ضغط الحاجة للسيولة.

ارتفاع أسعار أم تبييض أموال؟

عرض شقق فاخرة بأسعار خيالية، توحي بأنه مرتبط بما كشفه “الحل نت” في تقرير سابق، عن استغلال السوق العقارية لتبييض الأموال، فبعد أن تضاءلت حدة النزاعات في سوريا، سعى قادة ميليشيات محلية للبحث عن فوائد مالية جديدة من خلال شراء العقارات والممتلكات من أجل غسل الأموال التي حصلوا عليها خلال الحرب.

عدد كبير من المكاتب العقارية في سوريا غيرت مهامها إلى شركات غير قانونية، لخدمة أمراء الحرب الباحثين عن حماية أموالهم التي جنوها من الحرب، وتشمل هذه المهام شراء أراض غير مستثمرة، وتحويلها إلى مزارع أو مشاريع سكنية، وبيعها عدة مرات لأشخاص بهويات مزيفة عبر عقود بيع وشراء منتظمة.

المناخ الاستثماري العقاري السيئ في الوقت الحالي، أدى لبروز عمل هذا النوع المكاتب العقارية، وأغلب أصحابها أشخاص غير محترفين بالعمل ويمكن لأي شخص أن يرخص وأن يكون لديه مكتب وساطة عقارية، لأن شروط الترخيص بسيطة جدا كأن يكون حاصلا على الثانوية ولديه مكتب، لكن لا يلزمهم بالمعرفة في القوانين العقارية، و في نسب أرباحهم المخصصة بالقانون.

كما أن غياب الشركات العقارية عن الساحة هو من أعطى الوجود لهذه المكاتب، بينما يجب أن ينحصر دور المكتب العقاري واسطة في عملية البيع والشراء ولكن ضمن معرفة عامة بالأسعار، لأنه ليس الوحيد في السوق، المشكلة في سوريا أن المكاتب العقارية هي الوحيدة المتخصصة في السوق العقارية وكلمتهم مسموعة، لأنهم المثمن العقاري والوسيط المسوق بالوقت نفسه، وهذا يعطيهم فرصة “لهمجية” التصرف وتحديد الأسعار والتحكم فيها وتحويل المكاتب لمقرات لعمليات تبييض الأموال.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.