كلما حاول شعب العراق تجاوز أزماته والتمتع ولو قليلا في الحياة، جاءته صدمة وخيبة جديدة، تعيده لذات الأزمات، فتضييق الخناق عليه هو السائد.

بعد الخروج من كبوة “داعش” نهاية 2017، عادت الحياة نوعا ما إلى البلاد، لكنها فترة بسيطة، قبل أن تندلع “انتفاضة تشرين” في 2019، وبعدها جائحة “كورونا”، وحرائق المستشفيات ومئات الضحايا.

مؤخرا، ومنذ عام تقريبا، تشهد البلاد استقرارا نسبيا، وعاد الترفيه بشكل واضح من خلال العديد من المهرجانات والفعاليات، وأهمها الحفلات الغنائية لنجوم ونجمات عرب.

حفلات أُلغيَت

الشارع العراقي لم يصدق كثرة الحفلات التي حصلت في البلاد، ولم يكن يتخيل أن يغني لديهم نجوم كبار، مثل راغب علامة وإليسا وهاني شاكر ومروان خوري، وغيرهم الكثير والكثير.

لكن ولأن الصدمات لا تفارق العراقي، شنت حملة في الآونة الآخيرة، لتضييق الحياة على العراقيين، وإعاقة أي فسحة أمل تنفيسية للمواطن العراقي، والعذر آن الحفلات تعارض الدين.

مع عيد الفطر المنصرم، ألغيت حفلة للفنان اللبناني عاصي الحلاني، كان يفترض إقامتها في مدينة “السندباد لاند” الترفيهية، وقبل أسبوع، وبعد وصوله لبغداد، ألغيت حفلة الفنان المغربي سعد المجرد قبيل ساعة من انطلاقها.

إلغاء الحفل، جاء نتيجة تظاهرات دينية عند بوابة مدينة “السندباد لاند”، وإقامة صلاة جماعة فيها، قبل أن يتم اقتحام المسرح الذي من المفترض إقامة حفل المجرد فيه.

ربما لن تكون تلك الهجمة على الحفلات بداعي أنها “حفلات مجون”، وتعارض نهج البلاد التي تنتشر فيها المراقد الدينية، هي الأخيرة، وقبلها تكررت ذات التطاهرات إبان حفل الفنان المصري محمد رمضان.

حفل رمضان في “السندباد لاند”، أقيم رغم التظاهرات، لكن التداعيات استمرت بعد نهاية الحفل، حتى أن آخد رجال الدين هاجم رمضان في خطبة دينية، ورد عليه رمضان أيضا.

من ضد الحفلات؟

السؤال البارز، هو من يمنع إقامة تلك الحفلات في بغداد والعراق؟ هل رجال الدين المتطرفين أم الميليشيات “الولائية”؟ ولماذا ذات الهجمات/ التظاهرات تتكرر فقط مع فعاليات “السندباد لاند”؟

بحسب المهتمة بالشأن العام العراقي، غادة سمير، فإن التطرف الديني موجود في العراق، لكنه ضئيل جدا، ورجال الدين حتى لو أرادوا منع تلك الحفلات فلا أحد يخرج بتظاهرات ويسمعهم.

السبب في ذلك، أن رجال الدين المتطرفين، غير معروفين كثيرا، والشارع يمقتهم، فمن يعرفهم الناس، هي المراجع الدينية مثل مرجعية علي السستاني، وحتى زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، وعائلة الحكيم، وفق سمير.

سمير تضيف لـ “الحل نت”، أن تلك المراجع والعوائل الدينية البارزة، ليست متطرفة، ولم تتطرق يوما لتلك الحفلات ولو بكلمة واحدة، لا بمعارضتها ولا بمساندتها، وبالتالي فإن مسألة التطرف الديني ليست السبب في منع الحفلات.

السبب الأساس من منع الحفلات، هي الميليشيات الموالية لإيران، على حد قول غادة سمير، ومحاولة منع إقامة الحفلات لا يعود لارتباط ديني لديهم، بل ذلك هو الظاهر الذي يتعذرون به فقط، بحسبها.

وتردف سمير،، أن السبب الأهم والباطن من محاولات منع وتغييب الحفلات، هو الاقتصاد والمال؛ لأن الميليشيات “الولائية” تغض البصر عن العديد من الحفلات، وتركز فقط على “السندباد لاند”، وتحاول قمعها.

لماذا “السندباد لاند”؟

سمير توضح، أن بغداد تشهد انتشار العديد من النوادي والقاعات التي تكتظ بالحفلات، ومنها شارع السعدون الذي لا يبعد أكثر من 3 كيلو مترات عن “السندباد لاند”، لكن الميليشيات لم تصلها ولم تمنعها من إقامة الحفلات مطلقا.

وتتابع، على العكس هي من تؤمن تلك النوادي والقاعات؛ لأنها تمتلك عوائد مالية ضخمة تعود لها من تلك الحفلات،، نتيحة اتفاقها مع أصحاب تلك النوادي والقاعات بتقاسم الأرباح، مقابل حمايتها وعدم التعرض لها.

ما يحدث مع “السندباد لاند”، هو أنها حققت طفرة غير مسبوقة، باحتضانها لشخصيات عربية ومحلية بارزة، وهي عائدة لشركة أهلية خاصة، وهو ما لفت انتباه الميليشيات لها، على حد تعبير سمير.

وتشير المهتمة بالشآن العراقي، إلى أن التظاهرات التي تقام عند المدينة الترفيهية مع كل حفلة تحدث فيها، هي ورقة ضغط من الميليشيات تجاه إدارة “السندباد لاند” للرضوخ لها.

سمير تقول، إن إدارة المدينة عنادية وترفض حتى الآن الرضوخ للميليشيات وتقاسم الأرباح معها، وما يؤكد ذلك، توجهها منذ أيام للقضاء ضد الجهات التي نظمت التظاهرات التي تسببت بإلغاء حفل سعد المجرد.

في النهاية بحسب سمير، سيحدث الحل لكل تلك الأحداث المرتبطة بفعاليات “السندباد لاند”، والحل إما برضوخ إذارتها للميليشيات “الولائية”، أو تترك الإدارة تنظيم الحفلات، وتكتفي بألعابها الترفيهية للشباب والعوائل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة