الظروف المعيشية السيئة خلال السنوات الماضية ألقت بظلالها على معظم أحوال العائلات السورية، وسط تدني مستوى المعيشة والرواتب والمداخيل، فبات الانهيار يجتاح سوريا من جميع الجهات، لا سيما الاقتصادية منها، ففي الوقت الذي يجب أن يقضيه الفتيان والفتيات في التحضير لسنة دراسية مقبلة عن طريق اتباعهم للدورات التعليمية؛ هناك أسر ترسل أبناءها للعمل من أجل الحصول على دخل إضافي لسد عجز مصروفاتها أمام أعباء الحياة اليومية.

الظروف تفرض نفسها!

صحيفة “تشرين” المحلية، نشرت يوم أمس الجمعة، تقريرا نقلت فيه عن الشاب مهند، 11 عاما، الذي يعمل في توصيل طلبات الخضار والفواكه في سوبر ماركت مقابل 3000 ليرة سورية في اليوم. يقول مهند للصحيفة المحلية: إن العمل هو رغبته ولم يجبره أهله على ذلك، ولكنه شعر أن متطلبات الحياة باهظة الثمن، لذلك أراد مساعدة أسرته في تغطية بعض نفقات المعيشة والتي باتت تفوق قدرة معظم السوريين، خاصة وأنهم يعيشون في منزل (إيجار).

من جانبها، هناء وأمها وإخوتها فهم يعملون ضمن المنزل على تحضير المونة للزبائن الميسورين الذين يطلبون منها كما تقول فرط الفول والبازلاء وحفر الباذنجان والكوسا وفرم البقدونس، ومنهم من يطلب طبخات شبه جاهزة لا يتطلب منهم سوى وضعها على النار، وكل ذلك بحسب أم هناء مقابل مبلغ من المال يعينها مع بناتها الثلاث على العيش باليسر بعد وفاة زوجها، على حد قولها للصحيفة المحلية.

ووفق التقرير المحلي، في أحد صالونات التجميل تعمل مها البالغة من العمر 15 سنة، والتي أنهت منذ أيام قليلة امتحان شهادة التعليم الأساسي لتدخل إلى العمل والتعلم في وقت واحد وهذا الأمر حكما يشكل خللا عند خيارات ومستقبل اليافع. تقول مها: أنظف الصالون وأعد الشاي والقهوة للزبائن مقابل 6000 ليرة أسبوعيا إضافة إلى ذلك أحاول أن أتعلم المهنة.

هذا وانخفض مستوى التعليم وجودته في سوريا بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، في ظل هجرة عدد كبير من المدرسين ممن يمتلكون الخبرة، إضافة لتدهور الوضع الاقتصادي الذي أثر على الطرفين، المدرس الذي لم يعد مرتبه كافيا لمعيشته وأسرته، والطالب الذي لم يعد التعليم متاحا له في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور، وبالتالي يترك مقاعد المدرسة ويذهب إلى العمل، وهذا بالتأكيد سيكون له تداعيات سلبية في المستقبل القريب على عموم المجتمع السوري.

وكان “مرصد الاقتصاد السوري” التابع للبنك الدولي، حذر الخميس، من أن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في سوريا قد تؤدي إلى ضياع جيل كامل من السوريين، متوقعا استمرار الظروف الاقتصادية في الغرق بسبب النزاع المسلح الطويل، والاضطرابات في لبنان وتركيا، إلى جانب الحرب في أوكرانيا.

وقال المرصد في تقريره، إن 12 عاما من الصراع في سوريا، أحدثت تأثيرا مدمرا على السكان والاقتصاد، وأدت إلى تدهور البنية التحتية، وتعميق الشيخوخة الديموغرافية، حيث أدى الصراع إلى خفض حجم النشاط الاقتصادي في سوريا إلى النصف بين أعوام 2010 و2019، بسبب تآكل التماسك الاجتماعي، وتدهور الحوكمة، وتقسيم البلاد.

كما أكد التقرير أن الارتفاع المستمر للفقر المدقع في سوريا وانهيار الأنشطة الاقتصادية، أسفر عن تدهور فرص كسب العيش والاستنفاد التدريجي لقدرة الأسرة على التكيف.

وتوقع التقرير أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لسوريا بنسبة 2.6 بالمئة في عام 2022 إلى 15.5 مليار دولار (بأسعار عام 2015 الثابتة)، بعد أن انخفض بنسبة 2.1 بالمئة في عام 2021، ما يشكل مخاطر كبيرة على آفاق النمو.

قد يهمك: التربية تحدد أقساط المدارس الخاصة بسوريا

زيادة نسبة الفقر

تشير الأرقام الصادرة عن منظمات الأمم المتحدة ووكالاتها الرئيسية، والتي تُجمع بحسب تقاريرها الدورية وتصريحات مسؤوليها على أن نسبة انتشار الفقر في سوريا تزيد اليوم على 90 بالمئة، وهي نسبة تم استنتاجها إما من خلال الخلاصات المبنية على خط الفقر الأممي البالغ 1.90 دولار للفرد في اليوم، أو من خلال نتائج مسوح الأمن الغذائي للأسر السورية، والتي نفذت بالتعاون مع الحكومة السورية، وآخرها كان في عام 2020.

وتشير التقديرات غير الرسمية إلى أن معدل انتشار الفقر اليوم في سوريا يُراوح ما بين 90 و95 بالمئة، وذلك استنادا إلى الارتفاع غير المسبوق في معدل التضخم خلال عامي 2020 و 2021 والأشهر الأولى من العام الحالي، وفشل السياسات الحكومية في إنعاش العجلة الإنتاجية للبلاد بالشكل والمستوى المطلوبين.

وبعد عام 2011 ونتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية بشكل عام في سوريا، ارتفعت نسبة الأيتام والفقراء والذين ليس لديهم معيل نتيجة فقدانهم رب أسرهم أو أحد الأبوين خلال السنوات الماضية، وبالتالي دفعتهم هذه الظروف إلى اللجوء لمهنة التسول.

تزايد تواجد المتسولين في شوارع المدن السورية في الآونة الأخيرة، خاصة من قبل الفئات الضعيفة من الأطفال والنساء وكبار السن، وسط غياب أي دور للمؤسسات الحكومية (دار الأيتام ورعاية العجزة) أو أي دور من قبل المنظمات المدنية لرعاية أو تقديم المساعدة لهؤلاء، إلى جانب قلة فرص العمل في البلاد.

هذا ويتزايد معدل الفقر بين السوريين، لا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق، حيث يعيش أكثر من 90 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر، بينهم نحو 65 بالمئة في حالة فقر مدقع، بحسب تقارير أممية.

قد يهمك: غرف الطلاب تتحول إلى قاعات محاكم في دمشق

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.