تصاعدت حالات الانتحار في الشمال السوري، إذ شهدت المنطقة، خلال فترة قصيرة، عدة حوادث انتحار، معظمها لشباب غير قادرين على التعامل مع المصاعب والضغوط المختلفة التي تواجههم.

وقامت فتاة، تبلغ من العمر ثمانية عشرعاما، بشنق نفسها داخل منزل ذويها، في قرية كفرة الواقعة شرقي مدينة إعزاز، وقد فارقت الحياة عند وصولها إلى مستشفى مدينة مارع.

شاب آخر في العشرينات من عمره، يدعى أحمد الدياب، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي خبر انتحاره، وهو ينحدر من قرية بسقلا، ومقيم في مخيمات دير حسان شمالي إدلب.

كما انتحر شاب آخر يبلغ من العمر واحدا وثلاثين عاما، من بلدة كفر دريان القريبة من الحدود السورية التركية. فيما انتحر شاب عشريني في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، عن طريق رمى نفسه من أحد المباني في المنطقة.

الحالة الأخيرة كانت في بلدة دركوش بريف إدلب الغربي، حيث انتحرت امرأة بتناول ما يسمى “حبة غاز”، وهي أم لثلاثة أطفال. وأكدت صفحات محلية أن سبب انتحارها ,هو قيام زوجها بالارتباط بامرأة ثانية.

حالات الانتحار الكثيرة هذه في الشمال السوري تطرح أسئلة عديدة عن الوضع النفسي والاجتماعي لسكانه، خاصة الشباب. إذ من المعروف أن الانتحار ليس منتشرا في المناطق الريفية بقدر انتشاره في المدن الكبرى، فلماذا يزداد الانتحار في الشمال السوري، ذي الطابع الريفي المحافظ؟

كثيرون يفكرون بالانتحار في الشمال السوري

وئام عبد القادر، الناشطة في مكتب دعم المرأة في منطقة اعزاز بريف حلب، تعتبر أن “الانتحار يحدث عندما يصل الانسان إلى مرحلة الاستسلام تجاه كل شيء، وحالة الاستسلام هذه منتشرة بشدة في الشمال السوري”.
وتعتقد عبد القادر، في حديثها لـ”الحل نت”، أن “تسعين بالمئة من الناس يفكر بالانتحار في الشمال السوري”.


إلا أنها لا تفسّر ,هذا بالأحوال الاقتصادية والاجتماعية المتردية في المنطقة وحسب، بل تشير إلى “انتشار المخدرات بشدة بين الشباب”، مؤكدة أن “مواجهة ظاهرة الانتحار تبدأ بمكافحة انتشار المخدرات”.

وتضيف” “نحن غير قادرين للأسف على مواجهة هذه الآفة التي تفتك بالشباب، ودورنا ينحصر في التوعية الصحية والاجتماعية. وللأسف لا توجد حماية لأي شخص يريد أن يفتح ملف انتشار المخدرات في الشمال السوري، ولذلك قد يتعرض لانتقام مروّجي المخدرات، الذين تربطهم صلات ببعض الجهات المسيطرة على المنطقة”.

معظم ضحايا الانتحار من النساء

الناشطة أسماء صرما ترجّح أن “الضغوط النفسية والظروف المعيشية الناتجة عن الحرب، وما ترتب عليها من تشرّد وموت، وفقدان شخص من العائلة، أو فقدان البيت والبلد، إضافة إلى الاعتقال، كل ذلك أدى إلى اليأس وفقدان الأمل وكره الحياة الحالية ومساواتها بالموت، مما زاد من حالات الانتحار في الشمال السوري”.

وتشير صرما، في إفادتها لـ”الحل نت”، إلى أن “النسبة الأكبر من المنتحرين هم من النساء، لما يتعرضن له من ضغوط اجتماعية شديدة”.

وتؤكد الناشطة على ضرورة “دعم مراكز تأهيل المرأة والطفل، إضافة للتمكين الاقتصادي للنساء، لمواجهة مشكلة الانتحار في الشمال السوري”.

بدورها ترى رزان الأمين، رئيسة مجلس إدارة موقع “السوري اليوم”، والناشطة في مجال حقوق النساء، أنه “رغم وجود عدد كبير من المنتحرين الإناث فإنه يمكن للمرأة أن تلعب دورا اجتماعيا مهما في مواجهة ظاهرة الانتحار في الشمال السوري. من خلال قدرتها على التأثير في أسرتها ومحيطها الأقرب، ونشاطها في المنظمات المدنية ووسائل الإعلام”.

الوازع الديني لا يقلل من الانتحار في الشمال السوري

رزان الأمين، في حديثها لـ”الحل نت”، تشير إلى أن “الوازع الديني لم يعد يمنع الناس من الانتحار في الشمال السوري، إذ أن كثيرين يعتبرون قتل أنفسهم نهاية لمعاناتهم الحياتية، رغم التجريم الديني الصارم لهذا”.

 الناشطة دلال البش أكدت لموقع “الحل نت” أن “غياب الوعي لدى كثير من الشباب أدى لتصاعد ظاهرة الانتحار. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي زادت من المشاكل النفسية, لكثير من المراهقين والشباب”.


وطالبت البش بـ”توفير مناخ يساعد الشباب على إيجاد فرص عمل، إضافة لافتتاح مراكز لإعادة تأهيلهم، وتنشيط عمل العيادات النفسية ضمن المراكز الطبية، وتفعيل أرقام خاصة للإبلاغ عن حالات انتحار محتملة، بغية التعامل معها بشكل عاجل”.

وبحسب “مكتب منسّقي استجابة سوريا” فإن حالات الانتحار في الشمال السوري ارتفعت إلى ستّ وعشرين حالة، خلال الفترة الماضية من عام 2022. وإن عشرين محاولة منها أدت إلى وفاة تسعة أطفال، وست نساء، وخمسة رجال. كما سُجّلت ست محاولات انتحار فاشلة، بينها محاولات لأربع نساء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.