تفشي وباء الكوليرا في العراق بات مقلقا لكثير من المواطنين والمسؤولين الصحيين. فبعد أن شهدت المحافظات العراقية أخيرا تفشيا ملحوظا لعدد من الأمراض الفيروسية المعدية والخطيرة، مثل كورونا والحمى النزفية، باتت تصاعد حلات الكوليرا أمرا شديد الخطورة، وسط وخاوف من تحولها إلى وباء يصعب السيطرة عليه، خاصة مع واقع العراق المتردي من الناحية الخدمية، ومنظومته الصحية المتهالكة.

ولم تتخلص المدن العراقية بعد من تبعات تفشي فيروس كورونا، الذي ألقى بظلاله على الأوضاع السياسية والاقتصادية، ودفع الحكومة العراقية لرفع سعر الدولار مقابل الدينار العراقي، بعد الانخفاض الكبير في أسعار النفط. ولذلك فإن تفشي وباء الكوليرا في العراق يهدد بمزيد من التبعات السياسية والاقتصادية الخطيرة.

وكان لمحافظة السليمانية النصيب الأكبر من حالات الكوليرا في العراق، إذ سجلت المحافظة أكثر من ستة آلاف إصابة بالإسهال الشديد، أغلبها حالات كوليرا.

وهذه ليست المرة الاولى التي يتفشى فيها وباء الكوليرا في العراق، الذي يعتبر من الأمراض المتوطنة في البلاد، إذ شُخصت أول حالة منه في العراق عام 1979، ومنذ ذلك التاريخ تسجل إصابات في عدد من محافظات البلاد، بمعدلات متفاوتة.

وفي عام 2015 عاد مرض الكوليرا بقوة ليحصد آلاف الأرواح، نتيجة فشل الحكومات العراقية في السيطرة عليه، أو الحد من انتشاره، ما دفع بمنظمة الصحة العالمية إلى تنظيم جولة لقاحات في البلاد.

وأعلنت وزارة الصحة العراقية، على لسان المتحدث باسمها سيف البدر، عن تسجيل ثلاثة عشر ألف إصابة بالكوليرا في العراق، أغلبها في محافظة السليمانية.

إعلان حالة الطوارئ في السليمانية

مديرية صحة محافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق أعلنت حالة الطوارئ، بعد تأكيد تسجيل آلاف الإصابات بمرض الكوليرا في المحافظة.

مدير صحة السليمانية صباح هورامي قال لموقع “الحل نت”: “نتعامل مع جميع حالات الإسهال والتقيؤ على أنها إصابات بالكوليرا، وسط تصاعد وباء الكوليرا في العراق، لاسيما بعد تأكيد المختبرات المركزية في بغداد أن الحالات المنتشرة في السليمانية هي اصابات بالكوليرا”.

لافتا إلى أنه “وبحسب آخر إحصائية، فإن عدد الإصابات وصل إلى نحو ستة آلاف حالة إسهال شديد في مستشفيات السليمانية، خلال أسبوع واحد فقط. وشهدنا ثلاث وفيات، لأشخاص تلقوا العلاج في مستشفيات السليمانية، بينهم أحد النزلاء في السجون، ما دعا وزارة الصحة في كردستان لمنع زيارة السجناء من قبل ذويهم”.

وبحسب إحصائيات رسمية، صادرة عن الحكومة المحلية في محافظة السليمانية، فإن المحافظة تسجّل يوميا أكثر من ستمئة حالة إصابة بالإسهال والقيء، لتكون البؤرة المحتملة لوباء الكوليرا في العراق.

وأعلن محافظ السليمانية هفال أبو بكر عن “اتخاذ إجراءات احترازية، من ضمنها منع الأسواق والمطاعم من بيع واستخدام الخضروات، التي تعتمد زراعتها على المياه الثقيلة؛ وفرض رقابة مشددة على بيع الألبان؛ فضلا عن تخصيص أربعة مستشفيات لاستقبال حالات الإسهال الناتجة عن الكوليرا”.

تحذيرات من تصاعد وباء الكوليرا في العراق

قصي نعمة، مدير قسم الصحة العامة بجانب الكرخ في بغداد، أشار إلى أن “الكوليرا من الأمراض التي من الممكن أن تجتاح مناطق ودول دون سابق إنذار، نتيجة تلوث المياه، وهي من الأمراض التي تسببها بكتيريا، تعيش في الغالب بالمياه المالحة”.

ويضيف، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “أسباب المرض تعود لتلوث مصادر المياه في المناطق المختلفة، وأغلب مصادر المياه في البلاد غير نظيفة ولا تصلح للشرب والاستعمال، ولهذا فانتشار وباء الكوليرا في العراق محتمل جدا”.

وأوضح أن “على المصاب بالإسهال المائي مراجعة أقرب مركز صحي لتلقي العلاج. فيما تقع المسؤولية على الجهات الحكومية بإنشاء مشاريع تصفية مياه الشرب، خاصة في المناطق الشعبية، لمنع انتشار وباء الكوليرا في العراق”.

وعن طرق انتقال الوباء بيّن نعمة إن “الانتشار يكون عن طريق تقيؤ المريض او تبرزه في مصدر من مصادر تجهيز المواطنين بمياه الإسالة. والأهم في هذا الوقت هو الاهتمام بالنظافة قدر الإمكان، لتجنب الإصابة بالكوليرا”.

المياه الملوثة هي السبب في استيطان الكوليرا في العراق

من جهته يؤكد استشاري الصحة العامة حسن القزاز أن “وباء الكوليرا في العراق مرض مستوطن، وحالاته لا تنقطع على مدار السنة”.

ويشير، في حديثه لموقع “الحل نت”، إلى أن “تلك الحالات كانت قليلة جدا وغير ظاهرة للعيان. رغم هذا تظهر موجات المرض بين فترة وأخرى. وغالبا ماتكون منطلقة من بؤرة في مكان معين. ومعظم الأحيان يكون مصدرها المياه المأخوذة من سد دوكان في محافظة السليمانية، ومياه الآبار في محافظة كركوك شمالي العراق”.

وبحسب مراكز طبية مختلفة فإن الإصابات بمرض الكوليرا يمكن ان تتحول إلى وباء في العراق، إذا استمر عدم الاهتمام بالصحة العامة والنظافة، وعدم عزل الحالات.

 ولم تخل محافظة كركوك من المرض، إذ شهدت هي الأخرى تسجيل عدد من الحالات، آخرها وفاة امرأة في العقد الثامن من عمرها بالكوليرا، بعد إصابتها بنوبة إسهال شديد.

ووفقاً لتقارير دولية فإن الكوليرا هو أحد الأمراض التي تصيب سنوياً بين 1,3 مليون و4 ملايين شخص في العالم، ويؤدي إلى وفاة بين 21 ألفاً و143 ألف شخص.

والكوليرا مرض شديد الضراوة، ويمكن أن يتسبب بالإصابة بإسهال حاد. وتظهر أعراضه بعد الإصابة بفترة تتراوح بين اثنتي عشرة ساعة وخمسة أيام. ويحتاج علاجه إلى بنية تحتية طبية متماسكة، ما يجعل انتشار وباء الكوليرا في العراق، الذي يعاني نظامه الصحي بشدة، خطرا كبيرا على المواطنين، خاصة الأطفال وكبار السن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.