رغم التطمينات التركية حيال التهديدات التي تسببت بها “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا)، بعد دخولها لريف عفرين في شمال سوريا لمقاتلة “الجيش الوطني” المعارض المدعوم من أنقرة، إلا أن السيناريو الأخير في عفرين بدخول عناصر “الهيئة” إلى مناطق فيها، فتح ملفات “الجيش الوطني” أمام القيادة العسكرية التركية، التي ادّعت أنها صرفت تمويلا خياليا لإعادة تصديره كجيش نموذجي مرادف للجيش السوري النظامي.

وصول “الهيئة” إلى أطراف القواعد التركية خلال أقل من ساعات، فتح أوراق الفيالق الثلاثة المكون الأساسي لـ”الوطني”، في قدرتها على مواجهة أي خطر بعيدا عن دعم الجيش التركي، لا سيما وأن عناصر الفصائل المعارضة بعيدين عن المعارك منذ عام 2019، عقب شن أنقرة العملية العسكرية المسماة بـ”نبع السلام” في منطقتي تل أبيض ورأس العين، فهل ينفرط عقد “الجيش الوطني” المعارض؟

اجتماع طارئ في تركيا

في أعقاب الاشتباكات بين فصيل “أحرار الشام – القطاع الشرقي” (الفرقة 32، المدعوم من تحرير الشام) و”الفيلق الثالث” (الجبهة الشامية) التابع لـ”الجيش الوطني”، دخلت القوافل العسكرية لـ “تحرير الشام” إلى عفرين دون أن توقفها الفصائل المتمركزة في نقاط ريف حلب، وهذا ما وضع الفصائل في قفص الاتهام، إما بالتواطئ مع “الهيئة” أو أن تشكيلات “الوطني” قائمة على التزييف.

عدم تقديم تفسير سريع، ومقنع للقيادة العسكرية التركية، التي فضّت النزاع في عفرين، أجبرها على طلب اجتماع طارئ في ولاية غازي عنتاب حضره جميع قادة الفيالق الثلاثة، بالإضافة إلى رئيس وأعضاء “الحكومة المؤقتة”، وعدد من الضباط في هيئة أركان الجيش التركي.

ولمدة أربعة ساعات، كانت الأجواء مشحونة، بحسب ما قاله أحد قادة الفيالق الثلاث لـ”الحل نت”، فالضباط الأتراك أصروا على تقديم عذر مقنع يعلل سبب وصول “الهيئة” خلال ساعات إلى أطراف مدينة عفرين وسيطرتها على الريف الجنوبي الغربي لعفرين، في حين أن هذه المنطقة يجب أن يتواجد فيها ما يقارب 1000 مقاتل بحسب قوائم الرواتب، التي ترد شهريا للقيادة التركية.

وكشف المصدر، أن المجتَمعين حمّلوا “فيلق الشام” (المكون من 19 فصيل وجماعة إسلامية، تشكل في آذار/مارس 2014)، أسباب دخول أرتال “الهيئة” إلى عفرين، حيث كان الأخير قد أصدر بيانا ذكر فيه أنه “وقّع سابقا اتفاقية دفاع مشترك مع فصائل الوطني لصد أي عدوان تتعرض له المنطقة من أي طرف، وأنه أبلغ الفيالق الثلاثة بالحشود العسكرية، وطلب منهم إرسال قوى وتعزيزات للمنطقة، وقوبلت طلباته باكتفاء الفصائل البقاء بمناطق سيطرتها”.

وبيّن المصدر، أن جميع الأسباب التي ذكرها المجتمعون لم تقنع القيادة التركية، التي طلبت وبشكل عاجل، إعادة تقديم قوائم “صحيحة وسليمة” لجميع العناصر التي تحت إمرتها، فيما ستشكل أنقرة لجنة تركية، للتحقيق في صحة هذه القوائم، بالإضافة إلى أنها ستشرف وحدها على توزيع العناصر وتسليم الرواتب، بعد اعتماد القوائم.

حل الفصائل مطروح على الطاولة

أجزاء كبيرة من ريف حلب، فضلا عن مدينتي رأس العين وتل أبيض في شمال سوريا، تخضع لسيطرة “الجيش الوطني” المعارض المدعوم من تركيا، إلا أنه وبحسب خبراء عسكريين، ليس لديه صلاحيات لإدارة بعض المسائل ذات الطابع السوري، والتي من المفترض أن تكون ضمن نطاق صلاحياته.

ووفقا للمحلل العسكري، عبد الله حلاوة، فإن المشاكل الداخلية، مثل عدم قدرة الفيالق الثلاثة على التنسيق، فضلا عن القتال الذي يحدث داخلها، أدى لأن تكون لأنقرة سلطة أكبر لاتخاذ القرارات، وفرض رؤيتها، والحادثة الأخيرة تسببت لتركيا قلقلا باحتمالية خسارة مناطق تعتبرها سيادية.

وبالإضافة إلى عدم جرأة بعض الفصائل في اتخاذ خطوات أو تدابير تساهم في بلورة قرار وطني وصياغته، يعتقد حلاوة، أن استمرار انعدام الرغبة بين الفصائل يعيق أي محاولة للانتقال من المنافسة إلى التعاون الوثيق. في حين أن أنقرة التي تحضر لتدخل عسكري جديد في مناطق من شمال سوريا خارجة عن سيطرة نفوذها، استشعرت من دخول “الهيئة” خطرا كبيرا، حتى ولو كانت تنسق معها فيما يخص اتفاقيات “خفض التصعيد” التي تبرمها مع روسيا.

الخبير العسكري، أوضح بأن الدور التركي الأخير، سيطرح في مرحلة من المراحل حلّ “الجيش الوطني” وربما إعادة تشكيله، كون الأخير فشل في حماية مناطقه، حيث يًعد هذا أول اختبار له دون مساعدة ودعم الجيش التركي، خصوصا أنه منذ عام 2019 لم ينخرط في معارك مباشرة.

وفي هذا السياق، أكد حلاوة، أن حالة الفصائلية والانقسامات القائمة وسيطرة كل فصيل على معبر، مع وجود معابر غير قانونية تابعة للفصائل، هي المسؤولة عن افتقار “الجيش الوطني” للسيطرة على الشؤون السورية، وفرض القوى الخارجية سيادتها على المكونات السورية.

نفوذ جديد لـ”تحرير الشام”

حادثة عفرين، التي حصلت السبت الفائت، ليست أول حالة اقتتال داخلي بين الفصائل المقاتلة على الأرض السورية سواء المتحالفة مع تركيا في شمال سوريا، أو الواقعة في المناطق التي تقع تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا)، لكن النقطة الفاصلة في هذا الحدث، الذي بدأت إرهاصاته منذ نيسان/أبريل الفائت، هو دخول “الهيئة” المصنفة على قوائم الإرهاب، إلى أبرز المناطق التي تخضعها أنقرة لسيطرتها منذ عام 2018.

بعد الاشتباكات الأخيرة، والتي ازدادت حدّتها بعد دعم “تحرير الشام” لحركة “أحرار الشام” التي ساهمت في حلها في أواخر عام 2020، جعلت من مناطق نفوذ “الجيش الوطني” المعارض الذي تدعمه أنقرة، تبدأ بالتقلص بعد تمدّد الهيئة إلى أطراف مدينة عفرين (شمال غرب سوريا وتخضع للنفوذ التركي حاليا)، ما قد يعني إحداث خارطة نفوذ جديدة وانحسار وجود فصائل “الجيش الوطني”. وما يدعو للتساؤل حول احتمالية فرض الهيئة خلال الفترة المقبلة اندماجا على فصائل “الوطني”، أم تزداد احتمالية اتساع رقعة الاشتباكات مع “تحرير الشام” لتدخل المنطقة في اقتتال مميت جديد، لا يدفع ثمنه سوى المدنيين.

بعد عبور “الهيئة” من مناطقها إلى عفرين عبر المعابر التي تربطها مع مناطق “الجيش الوطني”، وهما معبر دارة عزة – الغزاوية، المعروف أيضا بطريق دارة عزة بريف حلب الغربي، والآخر هو  معبر أطما- دير بلوط، تظهر القراءات، أن قيادة “الهيئة” تتطلع لأي فرصة من أجل قضم مناطق في عفرين التي تسيطر عليها فصائل “الجيش الوطني” المعارض المدعوم من أنقرة تحت مسمى منطقة “غصن الزيتون” ذات النفوذ التركي منذ منتصف عام 2018.

بين عامي 2016 و2020، القوات التركية أمنت تدريجيا هلالا شماليا غربيا يضم مناطق يسيطر عليها “الجيش الوطني” في حلب، بالإضافة إلى “هيئة تحرير الشام” (المعروفة سابقا باسم جبهة النصرة)، بيد أن غياب التطورات العسكرية الرئيسية مؤخرا ينبغي ألا يُفسر على أنه استقرار.

إن كل منطقة من المناطق المذكورة أعلاه تعرضت لاقتتال داخلي بشن هذه الفصائل لاشتباكات وقتالات شبه يومية بسبب شهوتها للسلطة والنفوذ، وعدم التزام الداعم بإرسال الأموال وزيادة الرواتب للعناصر.

في حين توقع خبراء عسكريون في حديث سابق لـ”الحل نت”، أن تزداد حدة الاقتتال الداخلي في هذه المناطق، إذا ما استمر التوافق بين روسيا وتركيا على إيقاف العمليات العسكرية، لا سيما مع انشغال روسيا في غزوها لأوكرانيا، في حين أن هذه المناطق ستشهد صراعاً دموياً تعززه النزعة العشائرية التي تكنُّ الولاء للمؤسسات العسكرية، في حين أن المستفيد في نظرهم، هو متزعم “هيئة تحرير الشام”، أبو محمد الجولاني.

الجدير ذكره، أنه اعتبارا من أيار/مايو 2018، في أعقاب سيطرة القوات التركية على مدينة عفرين بعد عملية “غصن الزيتون”، أصبحت عفرين وريفها، وكذلك المناطق المتاخمة لها في ريف حلب الشمالي، تحت سيطرة فصائل “الجيش الوطني” المدعوم من أنقرة.

ومنذ ذلك الحين، تشهد المنطقة حالة من الفوضى الأمنية، وسط تفجيرات متكررة بشكل أسبوعي أو حتى يومي، حتى في معظم الأماكن المزدحمة والحيوية للمدنيين، وبحسب ما رصده “الحل نت”، فإن الاشتباكات مستمرة بين الفصائل، فيما تقف الأجهزة الأمنية التركية المتواجدة في المنطقة عاطلةً عن العمل، وفي غضون ذلك، تحصد هذه المشاجرات أرواح المدنيين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.