في ظل تردد أنباء ومؤشرات على وجود تقارب محتمل بين أنقرة ودمشق، الأمر الذي يتكرر بين الحين والآخر، فإن المؤشرات تذهب إجمالا إلى وجود بعض التغييرات سواء في المشهد السياسي أو الإقليمي، حيث إن التلميحات السابقة كانت في أحايين كثيرة لا تتجاوز مجرد التعاون الاستخباري، لكن أنقرة بحسب سياستها الخارجية الحالية ستكون مهتمة بهذا الطرح المرتبط ربما بتخفيض الصراع وفق مصالحها ورؤيتها فقط.

لطالما أن الملف السوري لا يمكن عزله عن باقي الملفات، فيمكن رؤية ذلك مع زيارة ولي العهد السعودي الأخيرة لتركيا والتقارب التركي الإماراتي مؤخرا، وبالتالي، فإن أنقرة قد تعمد إلى تصدير تقارير صحفية وتصريحات تفيد بوجود فرص لإعادة العلاقات السياسية بين أنقرة ودمشق.

لا شك أن إعادة العلاقات مع سوريا ستكتسب أهمية وحساسية لتركيا، والأخيرة تقع تحت أعباء ملفات كبيرة وصعبة جدا لا يمكن مقارنتها بأي ملفات مع دول أخرى. إذاً طرق باب تسوية في هذا الملف تكتنفه صعوبات جمة، تحتاج أولا وقبل كل شيء، إلى إرادة ورغبة سياسية وإقليمية، بما فيه تحقيق شرط دمشق وهو الانسحاب من كافة الأراضي السورية والكف عن تهديداتها العسكرية بشأن الشمال السوري. ومن هنا تنبعث تساؤلات متفاوتة حول ما إذا كان ستتلاشى التهديدات التركية حول العملية العسكرية ومحاولات فرض “المنطقة الآمنة” التركية، إذا ما تم تقارب رسمي بين أنقرة ودمشق على المستوى السياسي والدبلوماسي، وهل في الأساس تكون الظروف المرحلية مناسبة لإحداث تطبيع العلاقات السياسية بين الطرفين.

التفاهمات رهن المصالح الذاتية

المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، كشف يوم أمس بأن هناك اتصالات بين أجهزة الاستخبارات التركية ونظيرتها السورية بشكل دوري “من أجل المصلحة الوطنية”.

وأردف قالن في تصريح لقناة “هابرتورك” التركية “حاليا لا يوجد اتصال على المستوى السياسي مع سوريا، ولكن كما ذكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فإن الوحدات الاستخبارية التركية لديها اتصالات دورية مع نظيرتها السورية”.

وأشار إلى أنه “ليس من السهل” إقناع اللاجئين السوريين بالعودة، لافتا إلى أن هؤلاء الناس فروا من الحرب وعانوا من آلام شديدة. وأكد أن أنقرة تبذل الجهود “لإنشاء منطقة آمنة هناك وخلق بيئة حيث يمكن لهؤلاء الأشخاص الحفاظ فيها على حياتهم” وفق تعبيره.

في غضون ذلك، صرح قالن أيضا أن العملية العسكرية التركية في مناطق من الشمال السوري جاهزون لها ومن الممكن أن تبدأ في أي لحظة، وفق وكالة “نوفوستي”، يوم أمس الأحد.

ضمن هذا السياق، يرى الأكاديمي والباحث في الفكر السياسي، سامح مهدي، أن تقارب دمشق وأنقرة يبدو منطقيا في ظل التوجهات الإقليمية الجارية والساعية إلى تخفيض الصراعات القائمة وحلحلة كثير من الأزمات وعزل حالة التوتر على خلفية وجود تناقضات جمة في ملفات مشتركة، وذلك لحساب إيجاد فرص تعاون وعمل أمام التحديات القصوى التي فرضتها أو بالأحرى كشفت عنها الحرب الروسية الأوكرانية.

وتابع بأن “قضايا مثل الطاقة والتنمية والإرهاب تجعل كافة الأطراف الإقليمية بحاجة إلى التهدئة لتجاوز معضلات جمة تضع الأنظمة في المنطقة أمام تهديدات وجودية سياسية”.

وبالتالي، وفق حديث مهدي لموقع “الحل نت”، لا يختلف الانفتاح السياسي بين تركيا ودمشق عن غيره من تقارب يجري على أكثر من مستوى مثل استئناف الحوار السعودي الإيراني، وكذا اللقاءات التي تتم بين مصر وقطر وزيارة ولي العهد السعودي لعدد من دول الإقليم.

وأضاف الباحث السياسي في حديثه، “هذا فضلا عن التقارب التركي الإماراتي، وكلها تحركات تؤشر على رغبة في إيجاد منصة مشتركة للعمل مع الاحتفاظ بالخلافات دون أن تعيق مهمة التعاون التي ربما تكون اضطرارية وملحة وتكتيكية، لكنها تضغط الجميع باتجاه إنهاء التوتر بالمنطقة”.

وخلص الباحث السياسي حديثه بالقول إن أنقرة مستعدة لتغيير بعض سياساتها تجاه الملف السوري، من أجل إيجاد حل للأزمة السورية، من أجل مصالح تركيا السياسية والاقتصادية وغيرها، والحفاظ على القاعدة الشعبية للحزب الحاكم داخل تركيا الذي بات يتفاقم مع الوقت. أما بالنسبة لدمشق من جانبها فإن لها شرط صعب التحقيق من قبل أنقرة هو انسحاب تركيا من كل سوريا، فإما أن يتنازل الطرفان ويتوصلان إلى صيغة مشتركة ترضي مصالح الجانبين، أو ستبقى العلاقات متوترة على هذا النحو، وبالطبع في كلتا الحالتين ستكون الأثمان غالية من حيث التصعيد العسكري على الشمال السوري، ومن جهة أخرى بين القوى العسكرية المحلية في الداخل (مناطق فصائل الجيش الوطني المعارض المدعوم من أنقرة).

قد يهمك: موقف تركي جديد مع دمشق.. ما أسباب ذلك؟

تركيا تحاول حلحلة مشاكلها الداخلية

صحيفة “حرييت” التركية، ألمحت في مطلع الشهر الفائت، إلى احتمالية أن تبدأ الحكومة التركية خلال الفترة المقبلة، بمحادثات رسمية مع حكومة دمشق، تمهيدا لعودة العلاقات بين الجانبين.

ونقلت الصحيفة التركية آنذاك، عن مصادر في أنقرة لم تسمّها أن “هناك تعليقات مفادها أن دور تركيا في الأشهر الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بحسم حرب أوكرانيا، وتركيز روسيا في هذه المنطقة، قد يكون وقتا مناسبا لحل المشكلة السورية“.

وبحسب ما ذكرته الصحيفة فإن تركيا، ترى في عودة العلاقات مع دمشق، العديد من المصالح الهامة، أبرزها تتعلق بالسياسات الخارجية.

وترى أنقرة أن سياسة المصالحة هذه، ستسهم في تسهيل خطوات جديدة في مناطق الصراع التي يمكن أن تفتح فصولا جديدة مع دمشق، وخاصة مع أرمينيا وإسرائيل، بينما قد تحتاج مصر إلى المزيد من الوقت.

كذلك، فإن أنقرة ستستغل انشغال روسيا في ردود الفعل الدولية حول غزوها لأوكرانيا، لتحجيم الدور الروسي المحتمل في عملية عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، والذي قد يكون معطلا للعملية.

وبحسب مراقبون، بدأت تركيا بالفعل في جعل موقفها من الحكومة السورية أكثر مرونة مؤخرا، في خضم التطورات والتحولات الدولية والإقليمية. منذ بداية العام الماضي، بدأت أنقرة تتجه نحو تغيير المسار السياسي من خلال إعادة فتح القنوات بينها وبين الدول التي قاطعتها منذ سنوات، بما في ذلك مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بدا وكأن ذلك سعي إلى سياسة “صفر مشاكل”، وذلك لعدة مصالح تركية وأبرزها إنقاذ اقتصاد أنقرة المتهالك وعدة ملفات تركية داخلية، يأتي في مقدمتها الانتخابات العامة في الصيف المقبل.

إلا أن مسألة انتقال الاتصالات بين أنقرة ودمشق من المستوى الاستخباراتي إلى المستوى السياسي والدبلوماسي سيكون مسألة تتعلق بمدى استطاعة أردوغان في القيام بمراوغة سياسية لا تضر بنفوذه، وقد يظل هذا الأمر رهن التطورات التي تسبق الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة.

قد يهمك: التطبيع التركي مع دمشق.. الأسباب والتوقعات

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.