تثير إجراءات هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) في مناطق سيطرتها كثيرا من الجدل والتساؤلات، فقد أصدر أنس سليمان، المُسمى وزيرا للعدل فيما يدعى “حكومة الإنقاذ”، الواجهة السياسية والمدنية للهيئة، قرارا يقضي بالطلب من نقابة المحامين السوريين الأحرار، عدم اتخاذ أي إجراء من شأنه نقل المحامين المتمرنين إلى جدول الأساتذة، بدءا من تاريخ القرار.

وعلم “الحل نت” أن سبب القرار يعود لنية ما يسمى وزارة العدل في “حكومة الإنقاذ” ،فرض تعديل شهادة الحقوق بالنسبة للمحامين، باستثناء خريجي كلية الشريعة، والحقوق في جامعة إدلب الحرة.

ويقضي التعديل المذكور بتحميل الحائزين على الإجازة الحقوقية ما يزيد عن عشرين مادة من مواد الشريعة الإسلامية، لدراستها وتجاوزها في امتحان يتم إخضاعهم له.

وهو ما أكده سليمان في كتاب لاحق، الذي اعتبر أن مضمون كتابه الأول، لا يشمل حملة الإجازة في الشريعة، والحقوق من جامعة إدلب.

وبحسب قرار صادر عن كلية الشريعة، والحقوق في تلك الجامعة فإن المواد المراد تحميلها لخرجي كليات الحقوق تتضمن: العقيدة الإسلامية، فقه العبادات، السيرة النبوية، علوم الحديث، تفسير آيات الأحكام، أصول الفقه، القواعد الفقهية، فرق ومذاهب، النحو والصرف، التلاوة، السياسة الشرعية، وغيرها من المواد. وبالتالي فإن إجراءات هيئة تحرير الشام تسعى لتحقيق أسلمة شاملة للشهادات الحقوقية، بما يتفق مع أيديولوجيا الهيئة.

إجراءات الهيئة والسيطرة على النظام القضائي

المحامي المتمرن محمد إبراهيم يتساءل في إفادته لـ”الحل نت”: “هل تسعى الوزارة، من خلال القرار المذكور، وخلافه من إجراءات هيئة تحرير الشام، شرعنة وتعزيز مركز القضاة الحاملين لإجازة الشريعة فحسب، والعمل على إظهارها بأنها الأقوى في مجالي القضاء والمحاماة؟ خاصة أن أغلب القضاة والمسؤولين في هذا المجال، الموالين للهيئة، من حملة الإجازة في الشريعة، بمن فيهم وزير العدل ذاته، الذي يحمل شهادة الشريعة فقط”.

ويستشهد “إبراهيم” بتصريح لإبراهيم شاشو، المسمى وزيرا للأوقاف في حكومة الإنقاذ، خلال زيارته لكلية الشريعة في جامعة إدلب، بأن “خريجي كلية الحقوق لديهم نقص في العقيدة، ونقص في الدين”.

هذا وقد أدى كتاب أنس سليمان إلى حالة شلل في أغلب نشاطات نقابة المحامين الأحرار، في محافظة إدلب، سواء في تسجيل محامين جدد، أو نقل المحامين المتمرنين إلى جدول الأساتذة. إضافة لعرقلة الإجراءات متابعة الدعاوى في المحاكم.

نزاع بين نقابة المحامين الأحرار، وهيئة تحرير الشام

وفي حديثه لموقع الحل نت حول إجراءات هيئة تحرير الشام ينوه عضو مجلس نقابة محامين إدلب، إلى أن “وزارة العدل في حكومة الإنقاذ، بالتعاون مع عمادة كلية الشريعة والحقوق في جامعة إدلب، تسعى لتعديل شهادة الحقوق، الصادرة عن كليات الحقوق الأخرى، لكن مجلس نقابة محامي إدلب رفض القرار، باعتبار أن الإجازة المطلوبة للانتساب للنقابة هي إجازة الحقوق”.

ويشير المصدر، الذي فضّل عدم كشف هويته، إلى “عدم توافق رئاسة جامعة إدلب مع توجه عميد كلية الحقوق. وعدم ظهور نتائج إيجابية حتى الآن للمباحثات الجارية بين نقابة المحامين ووزارة العدل، على خلفية القرار”.

ويؤكد أن “قرار أنس سليمان يحمل مغالطة قانونية أساسية، إذ لا يحق لوزارة العدل اتخاذ قرار من شأنه تعديل الإجازة الجامعية في حيزها الوزاري فحسب، وإنما يكون الأمر سياديا، يصدر عن رئاسة الحكومة، وينسحب على حملة الشهادة المطلوب تعديلها في جميع الوزارات، دون حصره في وزارة معينة، أو نقابة معينة”.

مضيفا أن “أي قرار خاص بتعديل إجازة جامعية معينة يجب أن يميز بين الخريجين قبل صدور القرار، والخريجين بعد صدوره، بحيث يشمل الخريجين بعد صدوره فقط. كما يجب تحديد جميع الجامعات المطلوب تعديل شهاداتها، وهو ما غفل عنه القرار بخصوص جامعة أعزاز، وهل يتوجب على الحاصلين على إجازة في الحقوق فيها تعديل شهاداتهم أم لا”.

مشيرا إلى “أسلوب التوجيه الشفهي، الذي تتعاطى به الوزارة. إذ لا يوجد أي قرار وزاري واضح حول الموضوع، إنما مجرد توجيه بالتوقف، عن إجراءات نقل المحامين المتمرنين إلى جدول الأساتذة. وفيما عداه يتم إعطاء الأوامر شفهيا”.

“الحوكمة” الأيديولوجية لهيئة تحرير الشام

 بدوره، يشير وائل علوان، الباحث في مركز جسور للدراسات، إلى أن إجراءات هيئة تحرير الشام عموما “تسعى إلى إقامة نمط خاص من الحوكمة لمنطقة إدلب، وتعديل كل المفاهيم والأدوات لتتناسب مع أيديولوجيتها. ولكنها ما زالت غير قادرة على التفاعل مع جميع الجهات الموجودة في المحافظة، وأن تكون مقبولة وفق معايير الحوكمة العامة”.

ويرى علوان، في حديثه لموقع الحل نت، أن “إجراءات هيئة تحرير الشام تعمل على إدخال الأدلجة في كافة المؤسسات، إلى درجة فرز الناس بين موال ومعارض لها، وإقصاء المعارضين. إضافة لمنح مساحات واسعة للمؤيدين في كل المؤسسات، بما في ذلك النقابات والهيئات الطبية والتقنية”.

المحامي المتمرن محمد إبراهيم يؤكد أن “المعايير الدولية، المعتمدة في جميع دول العالم، تعتبر النقابات أحد أهم مؤسسات المجتمع المدني المستقلة، وبالتالي فهي خارج الإلزام الحكومي. إذ تنسق المؤسسات الحكومية مع النقابات، دون التدخل في شؤون عملها. لذا فإن إجراءات هيئة تحرير الشام، والقرار الصادر عما يسمى وزارة العدل، إضافة إلى قرارات وزير العدل بمنع بعض الأساتذة المحاميين من الترافع أمام المحاكم، دون تنسيق مع نقابة المحاميين، يعتبر تدخلا في عمل النقابة، دون إدراك ماهية استقلاليتها، أو استقلالية المؤسسة القضائية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.