باتت الشركات التي يكتنفها الغموض تعزز الفضول وتجذب انتباه القارئ السوري، وعلى موعد جديد، تكشف أكبر مدن البلاد حلب ودمشق عن لغز يحير السكان ويثير الجدل. شركة “صَفّة”، هل هي جباية واعتداء على الأحياء السكنية في سوريا، إذ ما يعزز ذلك إطلاق موظفيها بدمشق ولا يجدون من يُحاسبهم. أيضا، ما هو السر وراء أوتستراد سيف الدولة، ذلك الشارع السكني بامتياز، الذي لا يوجد فيه دوائر حكومية ولكن “صفّة” تجبي منه الخوة غصبا عن قاطنيه.

تتداول الألسنُ وتحكي الحكايا عن التشويه الذي طال شوارع المدن الرئيسية في سوريا، وتنتشر الصور التي تُثبت ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب شركة “صفّة”. ولا يتوقف الحديث عن ذلك، فالمصاريف أصبحت أعباء ثقيلة على أكتاف المواطنين تحت مسمى “خدمة”، ورغم تلك الخدمة المأجورة لشركة “صفّة” لمواقف المركبات، فإن القاطنين يبقون عاجزين عن الاعتراض.

تشويه الشوارع عبر شركة مشبوهه

في الآونة الأخيرة، ظهرت العديد من الشكاوى حول شركة “صفة”، التي تدير مواقف السيارات المأجورة في العديد من المدن السورية. تتهم الشركة بتحصيل مبالغ باهظة من المواطنين، وفرض مواقف غير قانونية، والإضرار بالمظهر العام للمدن.

ممارسات شركة "صفة" تثير العديد من التساؤلات حول مدى قانونية هذه الأفعال - إنترنت
ممارسات شركة “صفة” تثير العديد من التساؤلات حول مدى قانونية هذه الأفعال – إنترنت

بعض المواطنين وجهوا أصابع الاتهام لشركة “صفة” باستغلالهم، وطالبوا بإلغاء هذه الرسوم. كما اتهم البعض الآخر الشركة بتشويه الشوارع العامة، حيث قامت الشركة بتركيب العديد من المواقف في الشوارع العامة، مما أدى إلى تشويه المنظر العام.

أحد أكثر الشكاوى شيوعا حول شركة “صفّة” هو تحصيلها مبالغ باهظة من المواطنين مقابل وقوف السيارات. في بعض الحالات، تصل قيمة التذكرة الواحدة إلى 3 آلاف ليرة سورية، وهو مبلغ كبير بالنسبة للكثير من السوريين.

بعض المسؤولين في شركة “صفّة” يبررون ارتفاع الأسعار بضرورة تغطية تكاليف تشغيل المواقف، وتوفير خدمات جيدة للمواطنين. ومع ذلك، يعتقد الكثير من المواطنين أن الأسعار مبالغ فيها ولا تتناسب مع الخدمات التي تقدمها الشركة.

كما تفرض الشركة مواقف سيارات في العديد من الأماكن التي لا يسمح القانون بوضع مواقف فيها. على سبيل المثال، تفرض الشركة مواقف في الشوارع العامة، وفي الساحات، وأمام المباني السكنية.

سمر قريو، مديرة التخطيط الإقليمي وعضو مجلس محافظة حلب، أكدت أمس الثلاثاء، أنه سيتم إعادة النظر في الشكوى التي قدمها أصحاب المحلات في الجزء القديم من مدينة حلب، والتي تتعلق بوضع شركة “صفّة” لمواقف المركبات على الشوارع الرئيسية والفرعية التي تؤدي إلى الأسواق. وأضافت أن هناك مرونة في العقد مع الشركة لتحسين الوضع وتلبية احتياجات المواطنين.

أما بالنسبة لاختيار أماكن المواقف المأجورة، يتم التنسيق بين مجلس المحافظة والشركة، وفي حال تقديم شكوى أو ملاحظة، يتم إعادة النظر في الأمر من قبل لجنة مشتركة لضمان مصلحة السكان وتحسين الخدمة، بحسب قريو.

رسوم جديدة للساعة

ممارسات شركة “صفة” تثير العديد من التساؤلات حول مدى قانونية هذه الأفعال. حيث يرى البعض أن الشركة تستغل ضعف القانون، وتفرض مواقف غير قانونية. 

العديد من الشكاوى حول شركة "صفة" - إنترنت
العديد من الشكاوى حول شركة “صفة” – إنترنت

طبقا للتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن ما يجري اليوم برأيهم هو تشويه وتخريب لشوارع مدينتي دمشق وحلب، كما يعتبر اعتداءا سافرا على حقوق سكان المناطق التي يطبق فيها مشروع شركة “صفّة”، نظرا لقوة ونفوذ أصحاب المشروع فهناك تجاهل کامل لصرخات وشكاوى المواطنين التي تنعكس بشكل واضح من خلال وسائل التواصل.

في أيار/مايو الفائت، فوجئ أهالي حلب ممن يملكون سيارات خاصة بقرار تعديل أجور المواقف المأجورة من قبل الشركة بزيادة ‎200 بالمئة عن السعر السابق المحدد ضمن العقد المبرم مع مجلس المدينة، لتصبح أجور الوقوف لمدة نصف ساعة 900 ليرة بدلا من 300 ليرة وأجور التوقف لمدة ساعة 1500 بدلا من 500 ليرة ومضاعفة المخالفة مرتين لتصبح 6 آلاف ليرة بدلا من ألفي ليرة.

أثار القرار الذي اتخذ بتكليف شركة “صفّة” بجباية رسوم المواقف واستئجار الشوارع في حلب، استياء واسعا في الأوساط الأهلية، حيث بادر العديد من السكان بالتعبير عن استغرابهم من هذا التمدد الواسع الذي شهدته الشركة في استثمارها للشوارع الرئيسية والفرعية، بما في ذلك الشوارع الممتدة ضمن الأحياء السكنية، وذلك على مدى ثماني سنوات. ومن الأمور المستغربة أيضا، هو الدعم والتسهيلات التي تتلقاها الشركة من مجلس المدينة، كطرف رئيسي في العقد المبرم بينهما.

الاستياء يأتي من جانب المواطنين الذين يعانون من تزايد الضغوط المادية والاقتصادية في ظل هذا القرار، فبالإضافة إلى تحملهم تكاليف الرسوم، يشعرون بعدم الرضا تجاه تدخل الشركة في الشوارع السكنية التي تعتبر جزءا من حياة الناس وأماكنهم الاعتيادية.

من ناحية أخرى، يعبر السكان عن تساؤلات حول مدى الشفافية والمصداقية في العقد الذي تم توقيعه مع الشركة. إذ يتساءلون عما إذا كان هناك استفادة شخصية لبعض الأطراف الرسمية من هذا الاتفاق، وهو ما يعزز من عدم الرضا والشكوك.

من هي شركة “صفّة”؟

شركة “صفّة” تأسست عام 2021، وسرعان ما أصبحت واحدة من أكبر الشركات في مجال تأجير مواقف السيارات في سوريا. وتمتلك الشركة العديد من المواقف في مختلف المدن السورية، بما في ذلك دمشق وحلب وحمص.

"صفّة أصبحت واحدة من أكبر الشركات في مجال تأجير مواقف السيارات في سوريا - إنترنت
“صفّة” أصبحت واحدة من أكبر الشركات في مجال تأجير مواقف السيارات في سوريا – إنترنت

من خلال البحث الاستقصائي لـ”الحل نت”، تبيّن أن الشركة تابعة لـ”مجموعة كارتل غروب”، ومقرها في الشارقة في الإمارات العربية المتحدة. ويملك الشركة محافظ حمص السابق إياد غزال، ويديرها أخوه زياد منذ 1989. إذ يعتقد أنهما واجهة في حين تعود ملكية المجموعة لزوجة الرئيس السوري، أسماء الأخرس، والتي تعمل منذ سنوات على إنشاء عدة شركات.

في نيسان/أبريل 2011، أثرت الاحتجاجات الحاشدة التي شهدتها مدينة حمص بشكل كبير على المشهد السياسي، حيث أدت المطالبات بعزل المحافظ غزال، المتهم بالفساد، إلى إقالته من منصبه عن طريق مرسوم رئاسي. وفي الوقت نفسه، وضع غزال تحت الإقامة الجبرية، بأمر من رئيس مكتب الأمن القومي السابق، هشام بختيار، حتى مغادرته للبلاد في أيلول/سبتمبر من نفس العام.

بحسب تصريحات الصحفي الاستقصائي السوري نزار نيّوف، فإن غزال تمكن من الهروب من القصر الجمهوري بتدخل مباشر من الرئيس بشار الأسد، حيث قاد ضباط عملية تهريبه وحمل معه ثلاث حقائب مليئة بالدولارات ووثائق رسمية صادرة عن حاكم البنك “المركزي” السوري، أديب ميّالة، لتسهيل مروره من مطار دبي. وجرى بعد ذلك توريط غزال كشريك رسمي في “كارتل غروب”، الذي يمتلك أموالا تابعة للحكومة السورية، وقام بفتح فروع للشركة في عدة مدن، بما في ذلك دمشق وحلب وبيروت.

وفقا لنيّوف، يُعتقد أن أحد شركاء “غزال” في سوريا هو عزمي شلهوب، رئيس دائرة “السجل العقاري” في محافظة ريف دمشق، حيث زعم أنه قام بنقل ملكية آلاف العقارات في منطقة التل التي تعود ملكيتها لمعتقلين ومختفين ومقتولين سوريين بشكل غير قانوني إلى ضباط ومسؤولين في الحكومة.

في ذاكرة السوريين، يذكر أن إياد غزال اكتسب شهرة في حمص، لكنه أيضا كان معروفا بفساده ومشاريعه التي لم تكن لها شعبية، إذ استولى بشكل غير مشروع على الممتلكات العامة والخاصة، بما في ذلك المباني الأثرية، من أجل تنفيذ مشاريعه. وكان السكان غالبا ما يطردون بالقوة من منازلهم دون أن يتلقوا أي تعويض.

السؤال الذي يطرحه المواطنون يتمثل في مدى استعداد الجهات المعنية للاستماع إلى أصواتهم والاستجابة لمطالبهم، وهو ما يمثل تحد أمام السلطات في تحسين التواصل مع المجتمع والاستماع إلى تطلعاته. وفي ظل هذه الأوضاع، يبقى مصير “صفّة” في حلب مرتبطا بمدى قدرة الجهات المسؤولة على التصرف بحكمة وشفافية في إيجاد حلا يُلبي تطلعات السكان ويحمي مصالحهم، أم ستستمر الجباية والاعتداء على الأحياء السكنية في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات