لا يزال الابتزاز الروسي للمجتمع الدولي في سوريا مستمرا، وبشكل خاص في ملف المساعدات الإنسانية العابرة للحدود شمال غربي سوريا، وذلك عبر محاولة عرقلة تمديد الآلية، التي تسمح بإيصال المساعدات عبر معبر “باب الهوى” على الحدود السورية التركية، إذ تُظهر روسيا إصرارها على رفض التمديد، فيما تحذر الأمم المتحدة من كارثة إنسانية.

تحذير أممي

المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، حذّر يوم الثلاثاء الماضي، من مغبة عدم تمديد تفويض نقل المساعدات الإنسانية، عن طريق معبر “باب الهوى” على الحدود السورية مع تركيا، بحسب متابعة “الحل نت”.

وأشار دوجاريك، إلى أن الاحتياجات الإنسانية غير مسبوقة حيث يحتاج اليوم 14.6 مليون رجل وامرأة وطفل إلى المساعدة، وهو ما يمثل زيادة قدرها 1.2 مليون شخص عن عام 2021 وهو أعلى مستوى منذ بدء الأزمة السورية.

وأضاف أنه، يعزى الارتفاع السريع إلى الأزمة الاقتصادية المتفاقمة ،والنزوح المستمر، والقتال المستمر في بعض مناطق البلاد والصدمات المناخية، مشيرا إلى أن أكثر من 90 بالمئة من السوريين يعيشون حاليا في فقر، وقد وصل انعدام الأمن الغذائي إلى مستويات تاريخية.

إقرأ:تهديدات روسيّة بوقف المساعدات الإنسانية إلى سوريا.. ما البديل عن “باب الهوى“؟

لا خطط بديلة

وسط عدم وجود خطط بديلة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر معبر “باب الهوى”، إذا لم يتم التمديد لقرار إيصال المساعدات في الشهر المقبل، فإن معاناة الملايين من السوريين سوف تزداد وفق الأمم المتحدة.

دوجاريك، بيّن أنه إذا تم إغلاق هذا المعبر، فسوف تزداد معاناة الملايين من الرجال والنساء والأطفال في سوريا، لافتا إلى أنه يجب إيصال المساعدات عبر الحدود، وكذلك إلى إيصال المساعدات عبر طريق دمشق، لكن إيصال المساعدات عبر هذين الطريقين فقط لن يكون كافيا.

وأوضح أن الأمم المتحدة وصلت إلى أكثر من سبعة ملايين شخص بالمساعدات المنقذة للحياة شهريا طوال 2021، وهذا يشمل ما معدله 4.5 ملايين شخص محتاج، تم الوصول إليهم في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق.

وأشار إلى أن الأمم المتحدة، وصلت مع شركائها إلى 2.4 مليون شخص آخر في شمال غربي سوريا، من خلال إيصال المساعدات العابرة للحدود، متأملا بشدة أن تستمر. مبيّنا أن الأمم المتحدة تلقت أقل بقليل من ربع مبلغ 4.4 مليارات دولار اللازم لاستمرار العمليات الإنسانية هذا العام.

قد يهمك:هل يخرج ملف المساعدات الإنسانية في سوريا عن المساومات الروسية؟

مشاريع التعافي المبكر

مؤخرا قامت روسيا بتسويق فكرة “ضرورة تنفيذ المجتمع الدولي لمشاريع التعافي المبكر بسوريا”، والتي تشمل إعادة تأهيل البنية التحتية والخدمات، كما ولم ترَ موسكو، أي سبب لمواصلة إيصال المساعدات الإنسانية من تركيا إلى شمال غرب سوريا، متهمة الغرب والأمم المتحدة بعدم بذل جهد كاف، لتقديم المساعدة عن طريق دمشق ،والفشل في تمويل “مشاريع إعادة الإعمار المبكر”.

وتحاول روسيا من خلال تنفيذ مشاريع “التعافي المبكر” الالتفاف على عملية المساعدات، فبحسب خبراء، فإن تسهيلات تقديم مساعدات التعافي المبكر، لن تؤدي إلى تحسين الوضع الإنساني في سوريا، فالتأثير مرهون بـتوفر التمويل الكافي، وفي حال زيادة كبيرة في تمويل مشاريع التعافي المبكر، فإن التأثير العام على تحسن الوضع الإنساني للسوريين، سيعتمد على مدى نهب دمشق لها، وحاليا تعمل روسيا للسيطرة على هذه المساعدات.

وقال الخبير الاقتصادي، حسن سليمان، في وقت سابق لـ”الحل نت”، أن روسيا اليوم في مأزق، وتحتاج للخروج منه، وحتى بالطرق غير المشروعة، والالتفاف على العقوبات، والفيتو الدولي ضد إعادة إعمار سوريا دون انتقال سياسي حقيقي، ممكن في ظل التعنت الروسي، لكن لن يؤتي أُكله لأن الدول التي ستسهم في إعادة الاعمار، تعلم أنها ترمي أموالها في الهاوية ودون نتيجة، حيث لا يزال النظام السياسي والإداري في سوريا فاسدا، ومع تلاقي مصالحه مع الروس سيتم سرقة أي أموال أممية أو مساعدات إنسانية.

إقرأ:مسعى روسيّ جديد لاستغلال أموال “إعادة الإعمار” بسوريا

الموقف الروسي والموقف الدولي

في وقت سابق، من شهر أيار/مايو الماضي، نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، ديمتري بولانسكي، لا يرى أي داع للاستمرار في تسليم المساعدات الإنسانية من تركيا إلى شمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة السورية، متهما الغرب والأمم المتحدة بعدم بذل جهد كاف لتقديم المساعدة عن طريق دمشق، والفشل في تمويل “مشاريع إعادة الإعمار المبكرة” لتحسين حياة ملايين السوريين.

وحول ذلك، قال الصحفي السوري عقيل حسين، في وقت سابق لـ”الحل نت”، بأن الموقف الروسي بهذا الخصوص ليس جديدا كما هو معلوم، ففي كل مرة كانت موسكو تبدي معارضة لدخول المساعدات إلى مناطق المعارضة السورية عبر المعابر الحدودية الخارجة عن سيطرة حكومة دمشق، لكن ما هو معلوم أيضا أن الروس كانوا يستخدمون هذه الورقة للمساومات السياسية مع الغرب ،ومع تركيا ويتراجعون في النهاية، مقابل حصولهم على مكاسب في ملفات أخرى، منفصلة أو متصلة.

الرفض الروسي لآلية إدخال المساعدات، في حال نفذته روسيا، سيؤدي إلى مزيد من التوتر بين روسيا والعالم، وتحديدا مع تركيا التي لا تريد بالطبع إغلاق معبر “باب الهوى” أمام تدفق المساعدات الخارجية إلى مناطق نفوذها بالشمال.
وينتهي التفويض الأممي حول المساعدات العابرة للحدود، في العاشر من شهرتموز/ يوليو المقبل، حيث ترتفع وتيرة التحذيرات من عرقلة روسية لتجديد التفويض، خلال جلسة لمجلس الأمن الشهر المقبل.

قد يهمك:طمع روسي بـ”مشاريع التعافي المبكر”.. التفاف على “فيتو” إعادة الإعمار بسوريا؟

وكان مجلس الأمن قرّر لأول مرة في عام 2014، بإيصال المساعدة إلى شمالي سوريا عبر أربعة معابر حدودية، من دون موافقة الحكومة السورية، لكن منذ عام 2020، اُستبعدت ثلاثة معابر من نطاق القرار بسبب التعنت الروسي في المرات السابقة، وبقي “باب الهوى” المعبر الحدودي الوحيد المتبقي المصرّح به بسبب معارضة روسيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.