لا تنفك روسيا عن ابتزازها للغرب من خلال استخدامها أوراقا وملفات معنية بالشأن الإنساني والمتداخلة بين العديد من الأطراف الدولية، مثل “ملف المساعدات وإعادة الإعمار بسوريا”. فمنذ أن غزت موسكو جارتها الغربية أوكرانيا، وما أن فُرضت عليها جملة من العقوبات الدولية، حتى بدأت باستخدام الأوراق التي في يدها صوب الغرب، ولعل أبرزها ورقة المساعدات الإنسانية عبر الحدود في سوريا.

قامت موسكو مؤخرا بتسويق فكرة “ضرورة تنفيذ المجتمع الدولي لمشاريع التعافي المبكر بسوريا”، والتي تشمل إعادة تأهيل البنية التحتية والخدمات، كما ولم تر موسكو أي سبب لمواصلة إيصال المساعدات الإنسانية من تركيا إلى شمال غرب سوريا، متهمة الغرب والأمم المتحدة بعدم بذل جهد كاف لتقديم المساعدة عن طريق دمشق والفشل في تمويل “مشاريع إعادة الإعمار المبكر”.

المثير في الأمر، أن موسكو تظهر جليا جهودها ومناوراتها المتواصلة في مختلف المحافل للحصول على بعض التنازلات من الغرب من أجل تحقيق مصالحها السياسية والتخفيف عن اقتصادها الذي تضرر بشكل كبير نتيجة العقوبات الدولية المفروضة عليها مؤخرا.

إزاء ذلك، تثار تساؤلات حول البدائل الممكنة غير الوسائل التي تسيطر عليها روسيا من أجل تمرير المساعدات إلى سوريا، وما إذا كان الغرب قادرا على التخلص من التحكم والسيطرة الروسية في ظل استمرار المساومة وابتزاز موسكو لهذه الملفات.

موسكو أكثر تصلبا بالملف الإنساني

طلبت روسيا خلال جلسة لمجلس الأمن قبل يومين، وقف تسليم مساعدات عبر تركيا لمناطق المعارضة بسوريا، مهددة من جديد بإيقاف دخول المساعدات مع قرب موعد الجلسة الخاصة لتمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود.

حيث قال نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، ديمتري بولانسكي، إنه لا يرى أي داع للاستمرار في تسليم المساعدات الإنسانية من تركيا إلى شمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة السورية، متهما الغرب والأمم المتحدة بعدم بذل جهد كاف لتقديم المساعدة عن طريق دمشق والفشل في تمويل “مشاريع إعادة الإعمار المبكرة” لتحسين حياة ملايين السوريين.

وذكر بولانسكي خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، يوم الجمعة الفائت، أن مؤيدي تقديم المساعدات عبر الحدود “لا يظهرون أي رغبة” في إيصال المساعدات عبر خطوط النزاع من خلال دمشق، والتي يمكن ترتيبها بسهولة، “وهو ما لا يترك لنا أي سبب للحفاظ على الآلية القائمة عبر الحدود”.

وحول ما إذا ستتجه روسيا فعلا لوقف دخول المساعدات عبر تركيا وتحصر دخول المساعدات من قبل مناطق حكومة دمشق، يرى الصحفي السوري عقيل حسين، بأن “الموقف الروسي بهذا الخصوص ليس جديدا كما هو معلوم، ففي كل مرة كانت موسكو تبدي معارضة لدخول المساعدات إلى مناطق المعارضة السورية عبر المعابر الحدودية الخارجة عن سيطرة (حكومة دمشق)، لكن ما هو معلوم أيضا أن الروس كانوا يستخدمون هذه الورقة للمساومات السياسية مع الغرب ومع تركيا ويتراجعون في النهاية مقابل حصولهم على مكاسب في ملفات أخرى، منفصلة أو متصلة”.

وعليه، فمن المؤكد وفق حسين بأن موسكو ستبدي تصلبا أكبر هذه المرة لأن موقفها التفاوضي صعب بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا وما أدى إليه ذلك من تصعيد الغرب للضغوط عليها، ما يجعل التنازلات التي ستطلبها هذه المرة كبيرة جدا وقد تشمل الملف الأوكراني وهو ما لا يعتقد الصحفي السوري تحقيقه من قبل واشنطن، والتي سترفض حتى التفاوض حوله، على حد وصفه.

وأردف الصحفي السوري خلال حديثه لـ”الحل نت” بالقول أن “موقف الروس سيزداد صعوبة، بخاصة وأنهم لن يريدوا خسارة تركيا التي لا تريد بالطبع إغلاق معبر “باب الهوى” أمام تدفق المساعدات الخارجية إلى مناطق نفوذها بالشمال، سيما وأن أنقرة تعمل اليوم على تحسين الظروف في هذه المناطق لتشجيع عودة اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها إليها”.

قد يهمك: مسعى روسيّ جديد لاستغلال أموال “إعادة الإعمار” بسوريا

كيفية التخلص من التحكم الروسي

ضمن سياق البدائل الممكنة وطرق التخلص من التحكم والسيطرة الروسية في ظل استمرار مساومات وابتزاز روسيا ضمن هذا الملف، يعتقد الصحفي السوري عقيل حسين، أنه و في حال أصرت روسيا على موقفها هذه المرة، فإنها قد تعرض على تركيا غض الطرف عن عمل المعابر الثانوية أو غير الرسمية التي تستخدم حاليا بين تركيا وبين مناطق المعارضة في الشمال، وفق تعبيره لموقع “الحل نت”.

لكن هذا لا يعني أن أمريكا لن يكون لديها أوراق ضغط أخرى يمكن أن تهدد بها أو أن تستخدمها أيضا، “ببساطة يمكن أن يتعطل دخول المساعدات إلى كل سوريا بما في ذلك مناطق سيطرة دمشق في حال لم يتم التوافق بمجلس الأمن على تمديد قرار عمل آلية دخول المساعدات المعمول بها حاليا، وهذا ما لا تريده روسيا بالطبع، وعليه فأنا أرجح أن يتم الوصول لاتفاق جديد بهذا الشأن خاصة وأن موسكو بدأت تعمل على إنهاء الحرب تدريجيا في أوكرانيا وهي ستسعى لعدم استفزاز الغرب أكثر”.

يبدو أن مسألة حصول موسكو على التنازلات التي تريدها مقابل تمديد آلية المساعدات الإنسانية ليس بالأمر المتوفر وسهل المنال. فالغرب وعلى رأسهم واشنطن لديهم وسائل كثيرة لتجنب رغبات موسكو وابتزازتها، أو حصرها في زاوية أضيق وبالتالي التغلب عليها بطرق قد تكون أفضل من إغلاق آخر المعابر الحدودية الخارجة عن سيطرة حكومة دمشق، خاصة وأن موسكو ودمشق لديهما سجل حافل في سرقة وتحويل المساعدات، سواء من خلال توزيعها حصريا في المناطق الواقعة تحت سيطرة دمشق، أو التلاعب بسعر صرف المساعدات، فضلا عن الفساد، و توظيف عمال الإغاثة والمشتريات من الإدارات الخاصة بها، وفق مراقبين.

يذكر أن الصين وروسيا استخدمتا حق النقض “الفيتو” أوائل تموز/يوليو 2020 ضد قرار للأمم المتحدة كان من شأنه الإبقاء على نقطتي عبور حدوديتين من تركيا لإيصال المساعدات الإنسانية إلى إدلب. وبعد أيام، وافق المجلس على تقديم المساعدات عبر معبر واحد فقط، وهو” باب الهوى”. وتم تمديد هذا التفويض لمدة عام لمدة عام في 9 تموز/يوليو 2021 وينتهي خلال حوالي ستة أسابيع.

قد يهمك: طمع روسي بـ”مشاريع التعافي المبكر”.. التفاف على “فيتو” إعادة الإعمار بسوريا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.