في خضم المتغيرات الدولية والإقليمية الأخيرة، هناك مساع إيرانية غير مسبوقة تحاول تحسين العلاقات بين سوريا وتركيا. وتأتي هذه الجهود مع عدد من التصريحات والمؤشرات المتكررة خلال الفترة الماضية على وجود تقارب محتمل بين أنقرة ودمشق، الأمر الذي يتكرر من حين لآخر. لكن اتخاذ إيران لهذه الخطوة الآن يشير بقوة إلى أن هناك تغييرات في المشهد السياسي سواء على المستوى الإقليمي أو في الساحة السورية.

يبدو أن الملف السوري يشكل أهمية كبيرة بالنسبة لمصالح دول المنطقة، فيمكن رؤية ذلك على مستويين؛ الأولى مع زيارة ولي العهد السعودي الأخيرة لتركيا والتقارب التركي الإماراتي مؤخرا، الأمر الذي بدأت أنقرة على إثره يبدو إلى تصدير تقارير صحفية وتصريحات تفيد بوجود فرص لإعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق. والمستوى الثاني، مساعي إيران الحالية، والتي تجلت خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى دمشق، اليوم السبت، الذي أعلن بشكل مباشر أن زيارته إلى دمشق تأتي في إطار “تحسين العلاقات بين سوريا وتركيا”.

إن ملف إعادة العلاقات بين تركيا وسوريا يعتبر أمرا شائكا، ويحيط به رغبات وأطماع عدة، إلى جانب صعوبات جمة، ومن هنا تنبعث تساؤلات متفاوتة حول مساعي إيران لتحسين العلاقات بين تركيا وسوريا في هذا التوقيت بالذات، لاسيما بالتزامن مع التقارب التركي-الخليجي. وهل للتهديدات التركية الأخيرة على الشمال السوري علاقة بذلك، وما هي فرص نجاح هذه المساعي، والمصالح والخفايا التي تقف وراء هذا الأمر، في حال حدوثه بالفعل.

السيطرة على الحل السياسي الشامل

وزير خارجية إيران، حسين أمير عبد اللهيان، قام بزيارة إلى دمشق اليوم السبت، وأعلن أن الهدف من زيارته لسوريا، هو “اتخاذ خطوات نحو إحلال السلام، والأمن في المنطقة من خلال تحسين العلاقات بين سوريا وتركيا، باعتبارهما دولتين تربطهما علاقات مهمة مع إيران”.

وأردف عبد اللهيان قُبيل مغادرته طهران إلى دمشق اليوم السبت بحسب وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”: “سأتوجه اليوم إلى سوريا بعد زيارتي الأخيرة إلى تركيا التي استغرقت 4 أيام في إطار مواصلة المشاورات الإقليمية. إن إيران تحاول دائما لعب دور بناء في المنطقة لمنع إثارة أزمة جديدة فيها”.

من جانبه، أشار وزير الخارجية السورية فيصل المقداد، إلى أن “هذه الزيارة هامة جدا، وتأتي بعد تطورات محلية وإقليمية ودولية كثيرة”، مشددا على وقوف دمشق إلى جانب إيران.

وفي هذا السياق يرى المحلل السياسي والباحث في الشأن الإيراني، مصطفى النعيمي، أن “هذه التصريحات التي أدلى بها عبد اللهيان، تأتي في سياق رسائل مطمئنة وإبداء حسن نية في التعامل ضمن الجغرافية السورية، وذلك من خلال ضبط تحركات الميليشيات الإيرانية، والميليشيات الرديفة من خلال عدم التعرض لقوات الجيش التركي أثناء قيامه بالعملية العسكرية –هذا إن حصل- في المناطق التي أعلن عنها الرئيس التركي والتي ستشمل منطقتي تل رفعت ومنبج في المرحلة الأولى من العملية وفقا للإعلام الرسمي التركي”.

وأردف في حديثه لموقع “الحل نت”، “في نفس الوقت مازالت خارطة العمليات العسكرية التركية المرتقبة غير واضحة لذلك تندرج تلك التصريحات ضمن سياق رسائل إيران الناعمة من خلال تطمين تركيا بعدم التعرض لقواتها”.

وعلى طرف آخر، مؤخرا، ألمحت دمشق، وأنقرة إلى إمكانية عودة العلاقات بين البلدين، لكن لدى دمشق شرطا صعب التحقيق وهو خروج تركيا من كافة الأراضي السورية. لذا تبرز تساؤلات حول مصلحة إيران في تحسين العلاقات بين هذين الطرفين في هذا التوقيت، وهل هو للحد من التوغل التركي أكثر في سوريا، وبالتالي تفرد إيران في استغلال التراجع الروسي في سوريا وملء فراغه. ضمن هذا الإطار، قال المحلل السياسي، أن “عودة العلاقات التركية السورية مشروط بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي وعلى وجه التحديد القرار 2254 والذي ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، لكن بنفس الوقت ترك الباب مفتوحا بخصوص التنسيق الاستخباراتي، وليس فقط مع الجانب السوري فما زال هنالك تعاون بين النظام السوري والانتربول الدولي”.

أما في سياق مصالح إيران في إعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق، فيرى المحلل السياسي أنها تأتي في سياق إثبات وجود في المرحلة الأولى، ومن ثم ستحاول التحرك للمطالبة بوجودها في مسارات الحل السياسي الدولي للمسألة السورية، من خلال دعمه العلني والمستميت تجاه تشكيل قوات خارج نطاق الدولة السورية ولكن بتآمر من طهران، على غرار ميليشيا “حزب الله” اللبناني و”أنصار الله الحوثية” و”حركة النجباء” العراقية و”الفاطميون” و”الزينبيون”، وذلك لتمرير مشروعها التوسعي في جغرافيا المنطقة ككل، لما بعد الحل السياسي الشامل في سوريا-إن حصل الحل- وفق مصالح وأطماع طهران.

وكان الوزير الإيراني زار أنقرة وعقد فيها مباحثات مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، وأعرب في مؤتمر صحفي عن تفهّم بلاده للمخاوف الأمنية التركية في سوريا.

وتناول عبد اللهيان مع جاويش أوغلو شؤونا تفصيلية حول العملية الأمنية التي تنوي أنقرة القيام بها، وأكد أن إيران تؤمن بوجوب الاستجابة السريعة، وبشكل دائم لقلق تركيا حول أمنها القومي.

قد يهمك: العلاقات السياسية بين دمشق وأنقرة.. هل من جديد؟

مصالح الأطراف هي “الأولوية”

في سياق فرص نجاح هذه المساعي الإيرانية، وشكل هذا التفاهم إذا حدث بالفعل، يرى الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، أنه “في المرحلة الأولى، من الممكن أن تنضبط الميليشيات العاملة في صفوف القوى المتحالفة مع حكومة دمشق، لكن على المدى البعيد، سوف تستمر حالة الفوضى الأمنية، وستتضاعف الانتهاكات إن لم تحقق لإيران مكاسب جديدة، لا سيما أنها تسعى اليوم إلى تشغيل منظومة دفاع جوي خاصة بها لحماية ميليشياتها في سوريا بعيدا عن منظومة الدفاع الجوي الروسية، والحكومة السورية والتي تعتقد بمقدورها منع تحليق الطائرات الإسرائيلية في الأجواء السورية، لكن على الجانب التقني فلدى سلاح الجو الإسرائيلي القدرة في الولوج إلى مسرح عملياتي بمسافات تتجاوز 250 كم وتوجيه ضرباته للأهداف دون الدخول في الأجواء السورية”.

من جانبه، يرى الأكاديمي والباحث في الفكر السياسي، سامح مهدي، أن تقارب دمشق وأنقرة، يبدو منطقيا في ظل التوجهات الإقليمية الجارية، والساعية إلى تخفيض الصراعات القائمة، وحلحلة كثير من الأزمات وعزل حالة التوتر على خلفية وجود تناقضات جمة في ملفات مشتركة، وذلك لحساب إيجاد فرص تعاون، وعمل أمام التحديات القصوى التي فرضتها، أو بالأحرى كشفت عنها الحرب الروسية الأوكرانية.

وتابع  في حديثه السابق لموقع “الحل نت”، بأن “قضايا مثل الطاقة والتنمية والإرهاب، تجعل كافة الأطراف الإقليمية بحاجة إلى التهدئة لتجاوز معضلات جمة تضع الأنظمة في المنطقة أمام تهديدات وجودية سياسية”.

وبالتالي، وفق حديث مهدي لموقع “الحل نت”، لا يختلف الانفتاح السياسي بين تركيا ودمشق عن غيره من تقارب يجري على أكثر من مستوى، مثل استئناف الحوار السعودي الإيراني، وكذا اللقاءات التي تتم بين مصر وقطر وزيارة ولي العهد السعودي لعدد من دول الإقليم.

وخلُص الباحث السياسي حديثه السابق بالقول، إن أنقرة مستعدة لتغيير بعض سياساتها تجاه الملف السوري، من أجل إيجاد حل للأزمة السورية، من أجل مصالح تركيا السياسية والاقتصادية وغيرها، والحفاظ على القاعدة الشعبية للحزب الحاكم داخل تركيا الذي بات يتفاقم مع الوقت. أما بالنسبة لدمشق من جانبها فإن لها شرط صعب التحقيق من قبل أنقرة، هو انسحاب تركيا من كل سوريا، فإما أن يتنازل الطرفان ويتوصلان إلى صيغة مشتركة ترضي مصالح الجانبين، أو ستبقى العلاقات متوترة على هذا النحو، وبالطبع في كلتا الحالتين ستكون الأثمان غالية من حيث التصعيد العسكري على الشمال السوري، ومن جهة أخرى بين القوى العسكرية المحلية في الداخل (مناطق فصائل الجيش الوطني المعارض المدعوم من أنقرة).

المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، كان قد كشف مؤخرا، بأن هناك اتصالات بين أجهزة الاستخبارات التركية، ونظيرتها السورية بشكل دوري “من أجل المصلحة الوطنية”.

وأردف قالن في تصريح لقناة “هابرتورك” التركية “ في وقت سابق، حاليا لا يوجد اتصال على المستوى السياسي مع سوريا، ولكن كما ذكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فإن الوحدات الاستخبارية التركية لديها اتصالات دورية مع نظيرتها السورية”.

قد يهمك: موقف تركي جديد مع دمشق.. ما أسباب ذلك؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة