في حالة سياسية معقدة تمر بها ليبيا عقب خروج احتجاجات شعبية، يوم الجمعة، الماضي، في عدة مدن ليبية، احتجاجا على تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد، بما في ذلك استمرار انقطاع التيار الكهربائي وارتفاع الأسعار، غداة فشل محادثات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة حول ليبيا، تعهد ناشطون ليبيون، بمواصلة الاحتجاج حتى تنحي جميع النخب الحاكمة عن السلطة.

يجب الاستماع إلى “المطالب”

الآلاف من الشباب بالعاصمة الليبية طرابلس، وعدة مدن ليبية أخرى، خرجوا في مظاهرة أطلق عليها “جمعة الغضب”، فيما أقدم متظاهرون في مدينة طبرق على الهجوم على مقر مجلس النواب وتكسير واجهاته.

تيارات شبابية التأمت تحت تيار موحد سمته “تيار بالتريس الشبابي”، كانت قد دعت إلى خروج أهالي البلاد في مظاهرات شاملة، للاحتجاج على سوء الأوضاع المعيشية، وللمطالبة بضرورة تعجيل إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.

وعلى إثر ذلك، دعا نشطاء ليبيون، إلى مواصلة الاحتجاج حتى “تنحي كل النخب الحاكمة عن السلطة”، فيما دعت الأمم المتحدة إلى الهدوء مضيفة أن الأوان قد حان “للاستماع إلى مطالب الشباب الليبي”.

ونقلت وكالة “رويترز” للأنباء، السبت الفائت، عن ممثلين عن الحركة الاحتجاجية قولهم إنهم سيصعدون حملتهم، داعين المتظاهرين إلى نصب الخيام في ساحات المدن وإعلان العصيان المدني حتى تحقيق أهدافهم. وقالت الوكالة إن سيارات تابعة للأمن حاصرت المباني الحكومية في العاصمة طرابلس بعد غروب الشمس.

كما وشدد النشطاء الليبيون على المتظاهرين إلى نصب خيام في الميادين بالمدن وإعلان العصيان المدني إلى أن يتحقق هدفهم المتمثل في إسقاط المؤسسات السياسية وإجراء انتخابات جديدة.

وأضاف النشطاء، أنه سيحتل الشوارع والميادين حتى “يعلنوا استقالتهم أمام العلن”، في إشارة إلى جميع الكيانات السياسية الحاكمة.

وعقب هذه الاحتجاجات، دعت “الأمم المتحدة” إلى الهدوء وضبط النفس، وقالت المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا، ستيفاني توركو ويليامز، في تغريدة لها على منصة “تويتر”، إنه “يجب احترام وحماية حق الشعب في الاحتجاج السلمي”، لكنها أكدت أن اقتحام مقر مجلس النواب أمر غير مقبول على الإطلاق.

وأكدت وليامز في لقاء مع قناة “بي بي سي”، إن الوقت قد حان لقادة البلاد “لنبذ خلافاتهم والاستماع لمطالب الشباب الليبي”.

قد يهمك: إجراءات أردنية لعدد من المسؤولين بعد انفجار العقبة

دعوات إلى إجراء “الانتخابات”

في سياق اندلاع الاحتجاجات الشعبية في ليبيا، فقد وصلت هذه التظاهرات إلى مدن أخرى في كل من بنغازي والبيضاء ومصراتة ومدن أخرى، في مؤشر على امتداد الغضب الشعبي ليشمل مختلف القوى المتنافسة على قيادة البلاد.

بينما، قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبدالحميد الدبيبة، إنه “يضم صوته للمتظاهرين في عموم البلاد”، ودعا الدبيبة، إلى رحيل “جميع المؤسسات السياسية الليبية، بما فيها الحكومة”، وشدد على ضرورة “إجراء الانتخابات”، ملقيا باللائمة على أطراف “يعلمها الليبيون” في “عرقلة” الانتخابات.

من جانبه، سفير الولايات المتحدة، ريتشارد نورلاند في ليبيا، أعرب عن قلقه بشأن الجمود السياسي والاقتصادي الذي تسبب في اضطرابات الجمعة الماضي.

وأضاف نورلاند، أنه لا يوجد كيان سياسي واحد يسيطر بشكل شرعي على جميع أنحاء ليبيا، وأن أي حل أحادي سيؤدي إلى العنف، كما قال إن الحوار هو ما سيرسم الطريق للانتخابات والاستقرار السياسي.

كما قال سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا خوسيه ساباديل إنه يتوجب الاستماع إلى أصوات الليبيين في جميع أنحاء البلاد، الذين يرغبون في التغيير عبر إجراء انتخابات.

وجاءت اضطرابات الجمعة بعد يوم من انتهاء المحادثات التي توسطت فيها “الأمم المتحدة” في جنيف، بهدف تمهيد الطريق لإجراء انتخابات في ليبيا دون إحراز تقدم يذكر.

حكومتان!

حاليا، توجد في ليبيا حكومتان متنافستان، ففي شباط/فبراير الماضي عيّن البرلمان، الذي يتخذ من شرقي ليبيا مقرا له، فتحي باشاغا رئيسا للوزراء في تحد لعبد الحميد الدبيبة، الذي يتخذ من طرابلس مقرا له.

وكان الدبيبة الذي عُين رئيسا لحكومة وحدة وطنية في آذار/مارس 2020، كجزء من جهود إحلال السلام التي ترعاها “الأمم المتحدة”، قد رفض التنحي عن منصبه قبل إجراء انتخابات جديدة، بحسب تقارير صحفية.

وتضمنت مهام حكومة الدبيبة قيادة ليبيا إلى انتخابات يوم 24 كانون الأول/ديسمبر الماضي، لكن الانتخابات أُلغيت وسط انقسامات حادة بشأن أسسها القانونية وترشح عدة شخصيات مثيرة للجدل.

ومنتصف شهر نيسان/أبريل الفائت، شهدت العاصمة الليبية طرابلس، حشدا عسكريا ضخما للميليشيات من مختلف المناطق بالآليات والأسلحة الثقيلة، عقب محاولة رئيس الوزراء الجديد المعين من قبل البرلمان ، فتحي باشاغا، دخول العاصمة لممارسة سلطاته وواجباته.

وبحسب وسائل الإعلام، وقتذاك، شوهدت أعداد كبيرة من الآليات العسكرية، قادمة من مصراتة والزنتان والزاوية تحمل أسلحة ومقاتلات متوسطة وثقيلة متجهة نحو طرابلس.

ووصلت تلك المجموعات المسلحة إلى العاصمة طرابلس، التي أفيد بأنها تابعة لحكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، مرددة شعارات “يوم الحسم اقترب”.

وأدى ذلك إلى فوضى أمنية في الشوارع، خاصة مع إعلان عدة كتائب محسوبة على رئيس الوزراء المنتهية ولايته عبد الحميد الدبيبة، حالة النفير العام.

أتت تلك التحركات الميدانية، حينذاك، بعد أقل من 24 ساعة من اجتماع رئيس الحكومة الليبية الجديد فتحي باشاغا مع القادة العسكريين من مدينة مصراتة ووزراء مستقيلين بحكومة الدبيبة وعدد من أعضاء مجلسي النواب والدولة بالعاصمة التونسية تونس.

هذا وتعرض قطاع الكهرباء في ليبيا للتقويض بسبب سنوات من الحرب والفوضى السياسية، ووقف الاستثمار، ومنع أعمال الصيانة، وإلحاق الضرر بالبنية التحتية في بعض الأحيان.

وكانت حكومة الدبيبة قد تعهدت بحل المشاكل، لكن أيا من عقود العمل التي أبرمتها في العديد من محطات الطاقة، لم يدخل حيز التنفيذ بعد، وحالت الخلافات السياسية دون مزيد من الأعمال، بحسب تقارير صحفية.

وشهد العام الجاري قيام فصائل مسلحة بإغلاق منشآت النفط، مما أدى إلى تقليل إمدادات الوقود لمحطات الطاقة الرئيسية وتسبب في مزيد من انقطاع التيار الكهربائي.

قد يهمك: توتر أمني وتحركات عسكرية في العاصمة الليبية

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.