يوما بعد يوم، تربط حكومة دمشق مصيرها بقرارات ومخططات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فمنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا والذي دخل شهره الخامس، وسط تكبد روسيا لخسائر جمة؛ عسكرية واقتصادية وسياسية، يبدو أن الرئيس السوري بشار الأسد خالي الوفاض من أوراق سياسية بملكها للسيطر على مسار تطورات الأحداث الإقليمية والدولية وتأثيرها على سوريا، فاتجه مؤخرا للمراهنة على نجاح حرب حليفه الروسي، بوتين، حتى يضمن بقاءه على رأس السلطة الحاكمة في سوريا.

تبعية الأسد لحليفه بوتين، ظهرت جليا، عندما أعلن نهاية الشهر الفائت اعتراف سوريا رسميا بالدول الانفصالية التي أعلنتها روسيا، والمعروفة باسم جمهورية دونيتسك الشعبية، وجمهورية لوغانسك الشعبية كدولتين ذات سيادة، لتصبح بذلك ثاني دولة تفعل ذلك، بعد روسيا. هذا فضلا عن اعتراف الحكومة السورية في أيار/مايو 2018 بمنطقتي أبخازيا وأوسيتيا الانفصاليتين في جورجيا الواقعتين تحت النفوذ الروسي، إلى جانب التبعية الاقتصادية لدمشق والآخذة في التوسع تجاه موسكو.

انطلاقا مما سبق، تنبعث عدة تساؤلات، لعل أبرزها ماهية اعتماد الأسد على روسيا بشكل كبير خلال هذه الفترة من أجل تدعيم بقاءه في السلطة، في ظل الرفض الدولي للتطبيع مع الأسد واستمرار العقوبات الدولية، وفيما إذا كان من الممكن أن تؤثر نتائج الغزو الروسي لأوكرانيا على مصير الأسد، وكذلك إمكانية أن تحصل تطورات لاحقا تهدد بقاء الأسد في السلطة، بما يؤدي لتفعيل احتمالية تخلي بوتين عنه من أجل مصالح خاصة للروس مع الغرب.

مصير بوتين سيؤثر على الأسد؟

في تحليل لموقف الرئيس السوري من الحرب الجارية في أوكرانيا، أفاد موقع “جيوبوليتيكل مونيتور“، إن الرئيس السوري بشار الأسد، يراهن على نجاح حرب حليفه الروسي، فلاديمير بوتين، في أوكرانيا، لضمان بقائه على كرسي الحكم بسوريا، في وقت تشهد الساحة الدولية تطورات ربما تهدد حكمه.

ومؤخرا، أعلنت وزارة الخارجية السورية، قرار الحكومة بالاعتراف باستقلال وسيادة ما يسمى جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وهي المناطق الأوكرانية التي احتلتها روسيا بشكل كامل بعد إطلاق عملية غزو أوكرانيا في شهر شباط/فبراير الماضي.

وأثار القرار إدانة دولية سريعة وشرخا في العلاقات الدبلوماسية بين سوريا وأوكرانيا، بينما “أصبح الأسد أكثر حاكم يحس بالأمان بين الذين يحميهم الكرملين”، بحسب التقرير.

كما وتربط سوريا وروسيا علاقات اقتصادية كذلك، إذ وقعت موسكو خلال السنوات الماضية اتفاقات ثنائية مع دمشق وعقودا طويلة المدى في مجالات عدة أبرزها الطاقة والبناء والنفط والزراعة. وبينما سارع الأسد للتماهي مع موقف حليفه في الحرب على أوكرانيا، طلبا للاستقرار في منصبه، “يمكن أن تأتي مواقفه بنتائج عكسية على حكومته في سوريا”، بحسب التقرير.

وفي هذا السياق يرى الصحفي والمحلل السياسي عقيل حسين، أنه “لا شك في أن الأسد ربط مصيره بشكل شبه كامل بمصير روسيا وإيران، حيث رفض كل العروض التي قُدمت له لينأى بنفسه عنهما وفك الارتباط مع كل من روسيا وإيران”.

وأردف حسين في حديثه مع موقع “الحل نت”، “بالتأكيد النظام السوري، يدرك مدى تورط روسيا وإيران في مشاكل سياسية واقتصادية كبرى تواجه الغرب ومحيطهما أيضا، لكنه مع ذلك يحاول الظهور بمظهر موالي لهذين النظامين، أو في الواقع هو يتعامل مع حقيقة أنه لم يعد قادرا على الخروج من عباءة روسيا وإيران، وبالتالي، نعم، فإن مصير بوتين وحربه في أوكرانيا سيؤثران بشكل كبير على الأسد ونظامه في سوريا”.

بدوره، الباحث في الشأن الروسي، سامر إلياس، يرى خلال حديثه السابق لـ”الحل نت”، أن دمشق تحاول تسجيل موقف لصالح روسيا في هذا الاعتراف الأخير بـ لوغانسك ودونيتسك، مشيرا إلى أن حكومة دمشق، التي تمدها روسيا بكل أشكال الحياة منذ تدخلها في سوريا منذ العام 2015، باتت تعتمد على روسيا بشكل أساسي لبقائها في السلطة.

وبيّن إلياس، أن دمشق من خلال هذا الاعتراف، تحاول كسب المزيد من الود الروسي، ولكن وعلى الرغم من اعتراف دمشق بالجمهوريتين، وتزلّفها لموسكو، إلا أن الأخيرة ما زالت تنظر إلى سوريا كورقة ضمن أوراق متعددة، في معركتها مع الغرب، ورجح إلياس، أنه من الممكن أن ترمي بها في أي مساومة، في حال حصلت على ما تريد في أوكرانيا، أو لخفض التوتر مع حلف “الناتو”، أو من أجل رفع العقوبات التي سيكون لها تأثير كارثي على روسيا على المدى المتوسط والبعيد.

قد يهمك: سوريا تتحول لمقاطعة روسية؟

تغيير صورة روسيا؟

إن العلاقات العميقة التي أقامها الحكومة السورية مع روسيا، ليست سرية، وهي علاقة زرعت منذ أوائل السبعينيات في ذروة الحرب الباردة، وسوريا الآن هي المعقل الوحيد في الشرق الأوسط المتبقي لروسيا، وريثة الاتحاد السوفيتي سابقا.

ومع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي يمكن القول إنه العمل العسكري الأكثر إدانة دوليا منذ الحروب اليوغوسلافية، كانت الرئاسة الروسية في أمس الحاجة إلى حلفاء، وهو ما سارع الأسد إلى فعله، وفقا لـ “جيوبوليتيكل مونيتور”.

في حين أن استراتيجية الأسد ضمن هذه الخطوات، هي الاستمرار في إرضاء الكرملين من أجل البقاء، إلا أن التوقعات بنجاح خطته “تزداد قتامة” على حد وصف التقرير.

وبالعودة إلى المحلل السياسي، عقيل حسين، فمن جانبه استبعد أن يعلن بوتين تخليه عن الأسد تحت أي دافع أو حتى تحت أي حافز. فسوريا هي مصلحة عليا لروسيا، “لا يمكن أن نتوهم بأن روسيا قد تصدق أنه يمكن أن توجد نظاما بديلا عن الأسد، يكون مطيعا وسهلا وخادما لمصالحها كما يفعل نظام الأسد”، على حد تعبيره.

وبحسب المحلل السياسي، فإنه حتى لو هزمت روسيا في الحرب بأوكرانيا، بل حتى لو أعلنت استسلامها هناك، “لا يمكن لروسيا أن تتخلى عن الأسد، لأن هذا ليس من مصلحتها أولا، كما وسيساهم في هز صورتها أكثر فأكثر؛ كدولة منهزمة وأيضا كدولة تتخلى عن حلفائها، وهذا الأمر هو الهاجس الذي ظل بوتين يعمل عليه طيلة فترة حكمه؛ وهو تغير صورة أن روسيا تتخلى عن حلفائها”.

لكن، ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، وتورط روسيا في مستنقع الحرب الأوكرانية بشكل أكبر، والذي يبدو أنه طويل الأمد، بدأت موسكو في سحب بعض قواتها من سوريا، كما سحبت مجموعة “فاغنر” سيئة السمعة جزء من مرتزقتها من سوريا.

وعليه، وفق التحليل الغربي، فإن الصعوبات التي تواجهها روسيا في أوكرانيا، تجعل الدعم العسكري للأسد ضعيفا، وذلك في غمرة وضع جيوسياسي يبدو أنه يتجدد في منحى مضاد لهما (روسيا وسوريا) “وهذه المرة، يمكن لهذه المعطيات أن تؤدي إلى نهاية نظامه”.

وطالما أن حكومة دمشق تخضع الآن بالكامل لروسيا في معظم قراراتها السياسية، فإن الأخيرة تدفعها إلى العزلة الدولية، وقد نوّهت واشنطن، مؤخرا على مدى تشارك الأسد مع بوتين في “العزلة”.

قد يهمك: واشنطن تعتبر دمشق “معزولة” مثل موسكو.. ما الأسباب؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة