أثارت قضية العائلات النازحة إلى السويداء كثيرا من التوتر في السنوات الماضية، فقد قدم ما يزيد عن ثلاثمئة ألف من نازحي الحرب السورية إلى المحافظة الجنوبية خلال العام 2012 وما تلاه، وقامت لجان الإغاثة بوضع عدد كبير منهم في معسكر الطلائع جنوبي السويداء، ريثما تتضح الصورة. بينما رغب آخرون بالسكن في مدن وبلدات المحافظة، بعد أن علموا بما يتعرض له النازحون في المعسكر من مضايقات أمنية.

وبعد العام 2018 عاد جزء من العائلات النازحة إلى السويداء من حيث أتى، وبقي ما يقارب الألف عائلة، منها خمس وسبعون ظلت تعيش في معسكر الطلائع، نظرا لعدم توفر منازل لها. وتتعرض منذ أشهر لضغوط كبيرة، بغرض طردها من المعسكر، دون تأمين بديل مناسب.

نازحو معسكر الطلائع: “نعيش في سجن قاسٍ”

أحد النازحين القاطنين في معسكر الطلائع، القريب من قرية رساس جنوبي المحافظة، تحدث لـ”الحل نت” عن الضغوط التي تتعرض لها العائلات النازحة إلى السويداء، مؤكدا أن “مجرد ذكر القضية في الإعلام، هو خطر على سكان المخيم، ولكن الحال لم يعد محتملا، فقد وصلنا إلى طريق مسدود، بعد أن تم قطع الكهرباء علينا، وسط تهديدات حاسمة بقطعها بشكل دائم، ما لم نخرج من المخيم”.

مضيفا أن “حوالي ثلاثمئة وخمسين فردا، ينحدرون من محافظات الحسكة ودير الزور ودرعا وإدلب، ما يزالون يسكنون المخيم، لأن بيوتهم في محافظاتهم متهدمة بشكل كلي، وبينهم أكثر من مئة طفل في المدارس، وهناك طلاب جامعيون، وموظفون، وشبان يؤدون الخدمة الإلزامية”.

ويقول واصفا الحال: “لا بيوت نظامية هنا، ولا سكن لائق، ولكن لا خيار أمامنا في العودة إلى محافظاتنا، ولا قدرة لأحد منا على استئجار بيت في إحدى قرى أو بلدات المحافظة، لأن دخلنا لا يكفي ثمن طعام”.

المصدر، الذي نتحفظ عن ذكر اسمه لأسباب أمنية، شدد على أن “ضغوطا شفهية تمارس على العائلات النازحة إلى السويداء كي ترحل، وهذا يتم بشكل غير رسمي منذ أشهر، عن طريق عناصر أمنية، لا نعرف لأية جهة أمنية تتبع”.

 وأشار إلى أن “وفودا رسمية تأتي إلينا كل فترة، بقصد معرفة أحوالنا، ولكنها تأتي برفقة حماية أمنية وكلاب بوليسية، وهي ظاهرة تكررت كثيرا، وكأن القاطنين هنا إرهابيون أو موزعو مخدرات. وكذلك كانت تأتي وفود من مركز المصالحة الروسية، لتوزيع مساعدات غذائية بسيطة، مثل بعض السكر والأرز. وآخر لقاء بيننا وبين الجانب الروسي تم مع ضابط برتبة صغيرة، قَدم مع مترجم سوري، وحاولنا أن نشرح له مشاكلنا وهواجسنا، ولكننا واثقون أن المترجم لم يكن ينقل حديثنا بأمانة للضابط الروسي”.

ويختتم المصدر إفادته بالقول: “المخيم أشبه بسجن، تحتجز فيه العائلات النازحة إلى السويداء. فالدخول إليه والخروج منه لا يتم إلا بتصريح مسبق وتفتيش دقيق”.

سيرة النزوح إلى السويداء

شهد عدد السكان في الجنوب السوري زيادة كبيرة، إثر موجات النزوح، التي حدثت بعد عام 2011، إذ أتت آلاف العائلات النازحة إلى السويداء من مناطق الصراع، واستقرت أساسا في مدينتي السويداء وشهبا.

 الناشط المدني “معين. ج”، العامل في أحد المنظمات الدولية، قال لـ”الحل نت”: “بلغت حركة النزوح إلى المحافظة ذروتها عام 2013، اذ قُدّر عدد النازحين بـثلاثمئة ألف نازح، في حين أن عدد المستفيدين من المساعدات الإنسانية لم يتجاوز، في قوائم منظمة الهلال الأحمر، خمسة وتسعين ألفا”.

متابعا: “عند بدء موجات النزوح عمدت السلطة إلى محاولة عزل النازحين عن المجتمع المحلي، في أماكن إيواء تعود ملكيتها لمؤسسات الدولة، مثل معسكر طلائع البعث في قرية رساس، إلا أن محاولتها باءت بالفشل لعدة أسباب، أهمها عدم توفر أماكن كافية لاستيعاب موجات النزوح؛ إضافة إلى قيام ناشطي الإغاثة في مدينة شهبا بإرسال تهديدات بعودة الحراك الشعبي المعارض إلى الشارع، إذا ما تم إجبار النازحين على البقاء في المعسكرات؛ كما لا يمكن إغفال الاعتبارات القيمية والأخلاقية، المتعلقة بإكرام الضيف وحماية المستجير لدى أهالي السويداء، والتي تشكل جزءا من هويتهم الثقافية والأخلاقية”.

ويستدرك بالقول: “في البدء اقتصرت الموجات على عدد محدود من العائلات النازحة إلى السويداء، بسبب تخوّف أبناء المناطق الساخنة من القدوم إلى المحافظة، ويعود ذلك لأسباب عدة، منها الصورة المسبقة، التي كانت سائدة بأن المحافظة تقف بوجه الحراك الشعبي، وبالتالي لا ترحب بأبناء المناطق التي شهدته؛ وكذلك للتوجس من الآخر المختلف دينيا أو مذهبيا، الأمر الذي يشي بحجم الشرخ الاجتماعي المتجذر في المجتمع السوري؛ فضلا عن الخوف من الملاحقات الأمنية، على اعتبار أن المحافظة تقع تحت سيطرة الحكومة السورية. إلا أنه مع ازدياد وتيرة العنف في المحافظات المجاورة، بدأت أعداد النازحين بالارتفاع، ولقوا ترحيبا من غالبية شرائح المجتمع، على الرغم من الصورة المرسومة بذهن أبناء المحافظة، تجاه أبناء بقية المحافظات، نتيجة الشرخ الاجتماعي ذاته، وتخوفهم من أن ينافسوهم على أرزاقهم، لكن كل ذلك انتهى تلقائيا، بسبب الوعي الوطني العالي لدى غالية أبناء المحافظة، على الرغم من استهداف النازحين بعمليات الخطف، وتعرّض من سكنوا في المعسكرات منهم لظلم كبير من قبل السلطة وعصاباتها”.

لماذا الضغط على العائلات النازحة إلى السويداء؟

وعن الأسباب التي تدفع السلطات للتضييق على العائلات النازحة إلى السويداء يقول الناشط “معين.ج”: “الغايات من تفريغ معسكر الطلائع كثيرة، منها المعلن، مثل الادعاء أن الحرب انتهت، وحاجة أطفال المحافظة، من المنتسبين إلى منظمة طلائع البعث، لاستعمال المعسكر. إلا أن هذا غير صحيح، فالأسباب الفعلية هي استخدام المعسكر لأغراض سياسية وعسكرية، مثل إبعاد الميليشيات الموالية للسلطات عن المدن، لما تثيره من توترات اجتماعية، وإرسالها إلى المعسكر، وتحويله لمكان للتدريب والتجميع، خاصة بعد التهديدات الأردنية الأخيرة باجتياح الجنوب، في حال لم يتم كبح جماح الميليشيات”.

ناشط مدني آخر من المنطقة، رفض نشر اسمه لأسباب أمنية، لم يحمّل السلطات وحدها مسؤولية الضغط على العائلات النازحة في السويداء، بل أشار أيضا إلى أن “عددا من الشبان العاملين في الأعمال الحرة، من أبناء المحافظة، يضغطون بطرق شتى لإخلاء السكان من المعسكر، لأن بعضهم يعملون بمهنهم نفسها، ويقبلون بأجور منخفضة”.

ويرى المصدر أن “ضغوطا هائلة تُمارس على العائلات النازحة إلى السويداء، دون وجود أي بادرة لتخفيفها، رغم المناشدات، فالقبضة الأمينة باتت تتحكم بالمحافظة بشكل تام”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.