شهدت تحركات الجيش الأردني على الحدود مع سوريا تصاعدا كبيرا في الفترة الماضية، إذ تم تعزيز الإجراءات الأمنية على طول الحدود، وتكثيف تواجد الدوريات العسكرية، القادرة على اتخاذ رد فعل سريع، لدى رصد أي محاولة لاجتياز للحدود، في ظل استمرار عمليات تهريب المخدرات نحو العمق الأردني.

وعند الحدود الشمالية مع سوريا، أحرق الجيش الأردني الغطاء النباتي في وادي اليرموك، بهدف تأمين رؤية أكثر وضوحا، ومنع مهربي المخدرات من الاختباء وسطها.

ووفق “تجمع أحرار حوران” فإن “الجيش الأردني، خلال الأيام الماضية، أشعل النيران، بواسطة القنابل والرصاص، في الأحراش على الجهة المقابلة لحوض اليرموك على الحدود السورية-الأردنية، بهدف تأمين رصد دقيق لتحركات المهربين، ومواجهتها بشكل أسهل”.

وقال المتحدث باسم التجمع أيمن أبو نقطة لـ”الحل نت” إن “كل تحركات الجيش الأردني عند الحدود تشير إلى تغيير قواعد الاشتباك”. مؤكدا أن “الجيش الأردني يرصد طرق التهريب التقليدية والثغرات، ويسعى إلى معرفة الخبايا التي تساعد الميليشيات المدعومة إيرانيا على اجتياز الحدود نحو العمق الأردني”.

ومدللا على ما سبق، أشار أبو نقطة إلى “الزيادة الملحوظة في أعداد القتلى بين المهربين”، لافتا إلى أن “التجمع رصد، منذ مطلع العام الحالي مقتل أربعة وأربعين مهربا”.

سياسيا، رفعت المملكة الأردنية سقف تصريحاتها، وهو ما ظهر جليا من خلال تلويح الملك الأردني عبد الله الثاني بتصعيد محتمل على الحدود السورية، وتأكيده تزايد المشاكل التي تواجهها بلاده، بسبب تصاعد عمليات تهريب المخدرات والأسلحة، واتهامه بشكل صريح “الميليشيات الشيعية” بالوقوف خلف عمليات التهريب.

هل سينفذ الجيش الأردني عمليات داخل سوريا؟

وتشي تحركات الجيش الأردني بأن عمّان تخوض ما يشبه الحرب الحقيقية ضد المهربين، ما يثير تساؤلات عن احتمالية قيام القوات الأردنية بتنفيذ عمليات خاطفة داخل الأراضي السورية، تستهدف مستودعات المهربين، خاصة بعد إحباط عمليات تهريب أسلحة إلى الأردن.

صلاح ملكاوي، الباحث الأردني المختص بالشأن السوري، يستبعد أن تُقدم بلاده في المدى القريب على أي تغيير بقواعد الاشتباك المطبّقة حاليا، مبينا أن “تحركات الجيش الأردني تقوم على التعامل بالنار مع أي جسم متحرك من العمق السوري باتجاه الحدود الأردنية، قبل وصوله إلى حرم الحدود، وإطلاق النار يكون قاتلا”.

ويشدد، في حديثه لـ”الحل نت”، على أن “الأردن ليس بوارد التحرك العسكري في الأراضي السورية”، مرجعا ذلك إلى أن “لدى بلاده خططا، تم وضعها مع الدول العربية والإقليمية، القادرة على التعامل مع الموقف على الأرض”.

ويؤكد الباحث أن الأردن ليست المستهدف الوحيد من عمليات التهريب، ولذلك فإن “الدول الخليجية شريكة للمملكة في التصدي لعمليات تهريب المخدرات”، حسب قوله.

تطوير تحركات الجيش الأردني للتعامل مع التهريب

وفي السياق ذاته، كشف ملكاوي عن وجود تطورات في عمليات تهريب المخدرات والأسلحة نحو الأردن، مشيرا إلى “حديث المسؤولين في المملكة عن ضرورة إيجاد صيغة جديدة للتعامل مع التحديات التي تواجهها”. وهو ما قد يفسر تصاعد تحركات الجيش الأردني على الحدود السورية.

وبينما لم يكشف الباحث الأردني مزيدا من التفاصيل بخصوص التكتيكات الجديدة، التي قد يتبعها الجيش الأردني، أشار إلى البيانات الصادرة عن حكومة دمشق مؤخرا، بخصوص التصدي لمساعي عمليات تهريب المخدرات وتصنيعها، وعلّق بالقول: “يبدو أن دمشق تحاول إرسال رسالة للدول العربية، وفي مقدمتها الأردن، مفادها أنها تعمل على الحد من ظاهرة إنتاج وتهريب المخدرات”.

ووضع ملكاوي مشاركة حكومة دمشق الأسبوع الماضي في مؤتمر دولي، استضافته الإمارات، حول التعاون في مجال مكافحة تجارة المخدرات، في الإطار ذاته، أي “إظهار جدية الحكومة السورية في محاربة تهريب المخدرات باتجاه الدول العربية”. مختتما حديثه بالقول: “نراقب إن كانت حكومة دمشق جادة في ضبط المخدرات، أم تسعى لإعطاء انطباعات غير حقيقية”.

المخدرات مصدر تمويل حكومة دمشق

وكانت مشاركة وفد دمشق في مؤتمر مكافحة المخدرات قد ولّدت انتقادات واسعة للإمارات، الدولة المستضيفة، ومكتب “الإنتربول” الإقليمي في الشرق الأوسط، إذ هاجم كثيرون دعوة حكومة دمشق إلى المشاركة في هذا المؤتمر، في الوقت الذي تُتهم فيه بأنها المسؤول المباشر عن انتشار وتوسع ظاهرة تهريب المخدرات في المنطقة.

وشكك أيمن أبو نقطة، المتحدث باسم “تجمع أحرار حوران”، بجدية مزاعم حكومة دمشق حول الحد من تصنيع وتهريب المخدرات. مؤكدا أن “تجارة المخدرات، التي تديرها تشكيلات عسكرية وميليشيات مدعومة إيرانيا، باتت مصدرا أساسيا للتمويل”.

وأشار أبو نقطة إلى “تحركات الجيش الأردني، التي نجحت بإحباط أكثر من محاولة تهريب مخدرات في شهر حزيران/يونيو الماضي. وكان آخرها في الثاني والعشرين من ذلك الشهر، حين أحبطت القوات الأردنية محاولة جديدة لتهريب كمية من المخدرات على حدودها الشمالية، قادمة من الأراضي السورية، ما ينفي جدية حكومة دمشق بمواجهة المهربين”.

ووفق مصادر عسكرية أردنية تم ضبط 678 ألف حبة مخدرة من نوع “كبتاغون”، بعد عمليات بحث مكثفة ودقيقة في المنطقة، الذي حاول من خلالها المهربون الدخول إلى العمق الأردني، من الجهة الشمالية الحدودية.

وكانت صحيفة “دير شبيغل” الألمانية قد أكدت، في تقرير نشرته في حزيران/يونيو الماضي، أن “المحققين الألمان والأوروبيين باتوا مقتنعين بأن جميع صفقات المخدرات في سوريا تخضع لحماية حكومة دمشق”.

وأضافت الصحيفة أن “المحققين وجدوا دليلا على أن الفرقة الرابعة، بقيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، تجني أيضا أموالا من شحنات المخدرات، إذ تحصل على ثلاثمئة ألف دولار أميركي عن كل حاوية يتم شحنها من اللاذقية، مع ستين ألف دولار أخرى، يُفترض أنها تدفع لحرس الحدود على الجانب السوري، كي لا يأخذوا واجبات المراقبة على محمل الجد”.

 وخلصت “دير شبيغل” إلى أن “بشار الأسد بات يموّل حكومته بأموال المخدرات”. وأمام هذه الوقائع فقد تكون تحركات الجيش الأردني على الحدود السورية محاولة للضغط المباشر على حكومة دمشق، لدفعها لكبح جماح المهربين، الذين ينتهكون الحدود الأردنية، ما يجعل تطور هذه التحركات نحو أشكال من العمل العسكري شبه المباشر أمرا محتملا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.