فيما يواصل البنك المركزي السوري رفع سعر الفائدة منذ نحو ثلاثة أشهر ليسجل مستويات عالية، في وقت يعاني فيه الاقتصاد السوري من تضخم وتكاليف كبيرة، يرى خبراء الاقتصاد أن حل هذه المشكلة يمر عبر زيادة كبيرة وجديدة في أسعار الفائدة، وهو ما اعتبره آخرون غير مفيد في الحالة السورية، إذ إن المتابع للاقتصاد العالمي، يرى أن ما يجري الآن أكثر من مجرد محاولة لاحتواء التضخم.

رفع الفائدة بحدود

في ظل الإجراءات التي يتخذها البنك الفيدرالي الأميركي، برفع أسعار الفائدة من أجل مكافحة التضخم، أوصى الخبير الاقتصادي، الدكتور حسين القاضي، إدارة البنك المركزي السوري، برفع سعر الفائدة بعد قراءة ظاهرة التضخم وارتباطها بمعدل الفائدة.

وقال القاضي، في حديثه لصحيفة “تشرين” المحلية، اليوم الاثنين، إنه من أجل توسيع قاعدة الاستثمار وحماية أصول البنوك، يجب وضع حد أقصى لإجمالي القروض التي قد تحصل عليها شركة واحدة أو مستثمر واحد.

ويرى الخبير الاقتصادي، أن رفع أسعار الفائدة من شأنه أن يعمل على تهدئة الضغوط التضخمية وتعزيز الثقة بين المودعين المحليين والقطاع المصرفي، مؤكدا أن الإبقاء على أسعار الفائدة المنخفضة في مواجهة ارتفاع التضخم، يعني أن المشكلة ستتفاقم نتيجة لهروب العملة المحلية وتحويلها إلى العملات الأجنبية.

ووفقا للقاضي، فإن معالجة كل هذه القضايا تتطلب رفع أسعار الفائدة المحلية. بيد أنه حذر من أن هذه العملية لها حدود، لأن رفع أسعار الفائدة على الودائع يستتبع رفع أسعار الفائدة على القروض أيضا، وعندما تنخفض فائدة القروض الممنوحة للمستثمرين ينخفض الطلب على الاستثمار.

وأضاف القاضي، “إن أحد أهداف الاقتصاد والنظام المصرفي هو تحفيز الاستثمار، وهذا يأتي من خلال دفع القروض للمستثمرين وبخاصة صغار المستثمرين، لأن القروض تساهم في إنعاش الاقتصاد وإقامة مشاريع جديدة وإمكانيات وفرص عمل جديدة”.

توقف لعجلة الاستثمار؟

وجود مشكلة التضخم في سوريا، يشير بحسب حديث المحلل الاقتصادي، ماجد الحمصي، إلى استمرار ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة المحلية وقوة شراءها، مبينا أن الاقتصاد السوري بأمس الحاجة لإطلاق عملية إنتاجية بمختلف المجالات بعد تراجع كافة المؤشرات الاقتصادية، وما يتطلبه هذا الإطلاق من تفعيل القروض وضخ الكتلة المالية بتوجيه دقيق للإنتاج وبتكلفة أقل.

وبحسب حديث الحمصي، لـ”الحل نت”، فإن رفع أسعار الفائدة في سوريا يمكن أن تؤدي إلى رفع الأسعار داخل البلاد، وإلى أضرار بعيدة المدى بعدة طرق، أولها إبطاء عجلة الاقتصاد السوري، لأن رفع الفائدة سيقلل من شهية المستهلكين لشراء السلع، ويجبر التجار على إغلاق أعمالهم وإيداع الأموال في البنوك.

ويؤكد الحمصي، أن هذا الإجراء إذا ما أقر بنسبة عالية، سيؤثر على الاستثمار في سوريا، فمع ارتفاع أسعار الفائدة سيتوجه رجال الأعمال لشراء سندات الحكومة التي تعد الأكثر أمانا في ظل التضخم الحالي، وبدورها ستؤدي هذه التحولات إلى ارتفاع تدفع العملات الأجنبية إلى البنوك وحينها ستدفع العملة المحلية إلى الانخفاض بشكل أكبر.

وبالتالي وللدفاع عن عملته المتدهورة، من المرجح أن يعود البنوك المركزي السوري لرفع سعر الفائدة مرة أخرى، ويمكن أن يتسبب ذلك في أضرار اقتصادية خطيرة، لأنه سيبطئ النمو العام، ويزيد نسبة البطالة، ويضغط على المقترضين التجاريين. كما أنه سيجبر الحكومة على إنفاق المزيد من ميزانياتها.

سلاح ذو حدين

مع رفع سعر الفائدة، ووفقا للقاضي فإنه سيؤدي للمحافظة على العملات المحلية المودعة في البنوك، إلا أنه ومن ناحية أخرى، سيؤدي لتراجع الطلب على القروض من البنوك في سوريا، لأنها تفتقر لما لدى معظم الدول، والتي لها سلطات نقدية منفصلة عن فروعها التنفيذية من أجل الحفاظ على توازن نقدي طويل الأجل يدعم اقتصادها.

وذكر القاضي، أن أصحاب الودائع الذي يودعون أموالهم بالعملة المحلية سيحاولون تهريبها واستبدالها بعملات أكثر قوة، لأن التضخم الذي يعانيه اليورو واليوان والدولار يختلف عن التضخم الذي تشهده العملات الأخرى ومن بينها السورية.

وعلاوة على ذلك، عندما تنشأ ضغوط تضخمية على أي زيادة في العملة، فإن الناس سوف يرغبون في مقايضة عملتهم المحلية بعملات أخرى، أو بعقارات، أو سلع لا تتعرض لانخفاض سعر بل تستفيد من انخفاض الأسعار.

وبحسب تقرير المكتب، الذي نشرت تفاصيله صحيفة “الوطن” المحلية، وصلت نسبة التضخم السنوي خلال عام 2020 إلى نحو 163.1 بالمئة مقارنة بنسبتها عام 2019، كما وصلت نسبة التضخم السنوي للأغذية إلى 169.5 بالمئة.

نسب التضخم في سوريا

بحسب تقرير المكتب المركزي للإحصاء في سوريا، والذي صدر في أيار/مايو الفائت، فإن نسبة التضخم في قطاع المطاعم والفنادق كانت الأعلى، إذ وصلت إلى 526.2 بالمئة، تلتها المياه المعدنية، والمشروبات المرطبة، وأنواع عصير الفواكه، بتضخم سنوي وصل إلى 249.4 بالمئة.

كما ارتفعت نسبة التضخم بالسلع والخدمات المستعملة في عمليات الصيانة المنزلية إلى 230.3 بالمئة، ثم المشروبات غير الكحولية بنسبة 224.9 بالمئة، والتبغ بنسبة 223.1 بالمئة، والمشروبات الكحولية بنسبة 220.4 بالمئة.

بينما وصلت نسبة التضخم في أسعار البن والشاي والكاكاو إلى 217.9 بالمئة، والفواكه إلى 205.4 بالمئة، ثم اللبن والجبن والبيض بتضخم سنوي 199.7 بالمئة، تليها الزيوت والدهون بنسبة 198 بالمئة.

كما بلغت نسبة التضخم السنوي للتجهيزات والمعدات المنزلية وأعمال الصيانة الاعتيادية للبيوت 194.6 بالمئة، يليه الخبز والحبوب بتضخم سنوي 178.0 بالمئة، وللأسماك والأغذية البحرية بلغ 143.2، وللبقول والخضر140.5، وللحوم 139.2، وللصحة 132.9، وللنقل 103.4، والسكن، والمياه، والكهرباء، والغاز، وأنواع الوقود الأخرى 46.7 بالمئة، وللتعليم 42.8، والاتصالات 39.5، وإيجارات السكن الفعلية والمحتسبة 13.2 بالمئة، وبلغ التضخم السنوي للأغذية 169.5 بالمئة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.