حراك مستمر تقوم به بعض الدول الإقليمية خلال الفترة الحالية، فكانت تلك الحراكات التي سبقت انعقاد “قمة جدّة للأمن والتنمية” وأفرزت مسارات علاقات متجددة بين دول المنطقة، والتي اعتبرها مراقبون، بأنها ستكون محطة جديدة مهمة على طريق رسم خارطة تفاهمات مختلفة عن الفترة الماضية، في حين كانت “قمة جدّة” محركا بارزا لاستقراءات سياسية، تفيد بعودة النشاط الديبلوماسي والسياسي لدول المنطقة. ومن هذا المنطلق تثار التساؤلات حول معاني وأسباب زيارة الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، إلى ألمانيا وفرنسا على التوالي، يوم أمس الإثنين.

تأثير تلك الزيارات، لا بد أنه سيصب في إطار تطوير الحضور العربي لدى قادة الدول الأوروبية، لاسيما في ظل آثار سلبية تعانيها القارة بسبب الابتزاز الاقتصادي الروسي لها بعد غزو أوكرانيا، لاسيما فيما يتعلق بقطاع الغاز الروسي المنقول إلى أوروبا، وعليه يبدو أن ملفات الطاقة قد تكون أبرز الملفات المتباحثة خلال هذه الزيارات.

أزمة شح الطاقة

رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وصل الاثنين، إلى قصر الإليزيه في العاصمة الفرنسية باريس، والتقى بالرئيس إيمانويل ماكرون، في زيارة هي الأولى منذ توليه منصبه في أيار/مايو الماضي.

وبحث الرئيس الإماراتي خلال الزيارة مع نظيره الفرنسي، علاقات الصداقة وآفاق التعاون والعمل المشترك في مختلف الجوانب، خاصة في مجالات طاقة المستقبل وتغير المناخ والتكنولوجيا المتقدمة، إلى جانب مناقشة سبل تعزيز التعاون في قطاعات التعليم والثقافة والفضاء، في ضوء الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تجمع دولة الإمارات وفرنسا، حسبما أفادت وكالة الأنباء الإماراتية “وام”.

وحول أسباب زيارة الرئيس الإماراتي لباريس، يرى الأكاديمي الإماراتي والأستاذ في كلية الدفاع الوطني في دولة الإمارات، البدر الشاطري، أن “الإمارات تربطها علاقات فريدة مع فرنسا منذ نشأة الدولة. وقد قدّر الشيخ زايد هذه العلاقة تقديرا كبيرا، والسبب في ذلك أن فرنسا تفتح أبواب التعاون في كافة المجالات مع دولة الإمارات، ولا شك أن رؤية الراحل الشيخ خليفة لقضية التسليح وتنويع مصادره له الأثر الأكبر في تعزيز العلاقات بين البلدين”.

ويشير الأكاديمي الإماراتي خلال حديثه لـ”الحل نت” إلى أن علاقات التعاون بين الإمارات وفرنسا لا تنحصر في التسليح والدفاع فحسب، ولكن هناك تعاون في المجال التعليمي والثقافي. “أبوظبي العاصمة تحتضن مؤسسات فرنسية مهمة مثل جامعة السوربون” ومتحف اللوفر. هناك مدارس فرنسية تعلّم بالمنهاج الفرنسي مثل لويس ماسونيون. كما أن هناك عدد لا بأس به من طلاب الإمارات يدرسون ويتلقون التدريب في فرنسا وفي مجالات عدة”.

وبالنسبة لتوقيت الزيارة فإنها أتت بمناسبة تولي الشيخ محمد بن زايد مقاليد الرئاسة، ولعل باريس أرادت أن تكون أول بلد يستقبل الرئيس الجديد. كما أن شح الطاقة في الأسواق العالمية بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية أعطت الزيارة أهمية كبيرة لفرنسا، على حد تعبيره.

يشار إلى أنه على الصعيد الاقتصادي، سجلت الصادرات الفرنسية إلى دولة الإمارات 3.1 مليار يورو في عام 2020، فيما بلغت الواردات الفرنسية من الإمارات 750 مليون يورو في العام نفسه، بحسب وكالة “وام”. وتعد الإمارات ثالث أكبر دولة على صعيد التبادل التجاري مع فرنسا بقيمة “2.4 مليار يورو” بعد المملكة المتحدة وسنغافورة.

وعلى طرف آخر، تستضيف الإمارات معظم الشركات الفرنسية في الشرق الأوسط وعددها “600 شركة توظف 30 ألف شخص” يزداد عددها سنويا بواقع 10 بالمئة. كما وتعد فرنسا أحد المستثمرين الأجانب الرئيسيين في الإمارات، حيث بلغت الاستثمارات الفرنسية المباشرة في الإمارات 2.5 مليار يورو في نهاية عام 2020، وتستضيف الإمارات أكبر جالية فرنسية في منطقة الخليج تقدر بـ 25000 مواطن فرنسي.

قد يهمك: حرب الطيران المسيّر من أوكرانيا إلى سوريا.. ما تأثيرها؟

المناخ يمثل تهديدا وجوديا

أعمال “حوار بطرسبرغ للمناخ” الذي تنظمه ألمانيا ومصر في برلين، انطلقت، الإثنين، بمشاركة ممثلين عن 40 دولة؛ لبحث عدة ملفات بينها “كيفية المضي قدما في مكافحة التغير المناخي وكذلك مشاكل إمدادات الطاقة ونقص الغذاء”.

وتتشارك ألمانيا ومصر في تنظيم المنتدى، الذي يهدف أيضا إلى تحديد مسار مؤتمر المناخ العالمي “كوب 27” المقرر عقده في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر في مدينة شرم الشيخ الساحلية المصرية.

وخلال كلمة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بجلسة “حوار بطرسبرغ للمناخ” في ألمانيا، والتي سبقها مباحثات رئاسية مع نظيره الألماني، فرانك شتاينماير، في عدة قضايا إقليمية، حذر السيسي، من أن “تغير المناخ بات يمثل تهديدا وجوديا للعالم”، وكان السيسي قد وصل إلى ألمانيا الأحد في زيارة تستمر يومين.

وفيما يتعلق بطبيعة الزيارة المصرية لألمانيا، وأهميتها للقاهرة ونتائجها، يرى أستاذ القانون الدولي وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن أنشطة “حوار بطرسبرغ للمناخ” في ألمانيا خطوة تحضيرية مهمة للغاية، بل بالأحرى هي من المحطات المهمة قبل الدورة القادمة لقمة المناخ العالمية في شرم الشيخ في مصر.

جاءت زيارة الرئيس المصري لألمانيا والمشاركة في هذا الحدث التشاوري بدعوة من المستشار الألماني أولاف شولتز، وهذا الحدث انطلاقا من موقعه يؤكد على أهمية كونه فرصة لتبادل الآراء والتشاور بين قيادات الدول التي ستشارك لاحقا في مناخ شرم الشيخ العالمي في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، بحسب ما صرح به سلامة لموقع “الحل نت”.

وتأتي هذه الزيارة أيضا، بحسب سلامة، على هامش العلاقة المتميزة والوطيدة بين مصر وألمانيا في الآونة الأخيرة، “هذه الزيارة من شأنها تعميق تعزيز العلاقات المصرية الألمانية، وهي علاقة تطمح إليها مصر تحديدا على الصعيدين الاقتصادي والتجاري؛ لما تمثله الاستثمارات الألمانية في مصر من حيز ومساحة وفعالية مع الجانب المصري”.

في حين كان أشار السيسي، إلى الجهود المتعلقة بالتغير المناخي وآثاره، حيث لفت إلى أن مصر اتخذت خطوات جادة لرفع مستوى الطاقة المتجددة، وتقوم مصر حاليا بإعداد استراتيجية شاملة للهيدروجين، كما تعكف مصر في الوقت الراهن بالفعل بتنفيذ خطط طموحة للربط الكهربائي مع دول المنطقة، مما يجعل مصر مركزا للطاقة المتجددة، ويقلل أيضا من انبعاثات الكربون والميثان، وفق حديث الأكاديمي المصري.

مصر تزود أوروبا بالغاز؟

في المقابل، يدور “حوار بطرسبرغ” حول الخطوات التي يمكن أن تحصل ردا على أزمات شديدة التعقيد، لاسيما حول مشاكل إمدادات الطاقة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، ونقص الغذاء في مناطق حول العالم، حيث تسبب أزمات الديون في بعض الدول النامية عاملا إضافيا في إعاقة قدرة هذه الدول على التعامل مع هذه الأزمات.

وبالعودة لعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أيمن سلامة، فإن ألمانيا تساهم مؤسساتها التنموية في أولويات التنمية المستدامة في مصر على مختلف الأصعدة، لكن الحرب الأوكرانية وتداعياتها الكارثية على القارة الأوروبية، تبرز مثل هكذا مشاورات بين الرئيس المصري والرئيس الألماني والمستشار الألماني كذلك.

لذلك، فإن حديث السيسي عن استعداد مصر لتوريد احتياجات الغاز لكل من ألمانيا وأوروبا يأتي في إطار الحاجة الألمانية والأوروبية الملحة للغاز، والتي لم تواجه أوروبا مثيلها منذ الحرب العالمية الثانية، على حد تعبير سلامة لـ”الحل نت”.

المتحدث الرسمي باسم السيسي، قال تعليقا على الزيارة المصرية الألمانية إن القارة الأفريقية لم تغيب عن بال السيسي، حيث ركز على ضرورة بذل الجهود لتمكين القارة الأفريقية؛ الاستفادة من مواردها الطبيعية، وما يمثله أيضا من تغيير المناخ من تهديد وجودي مباشر للقارة الأفريقية، بحسب سلامة.

وتأتي زيارة السيسي بعد نحو 24 ساعة من انتهاء قمة جدّة التي عقدت في السعودية، والتقى بالعديد من قادة الدول وأجرى عدة محادثات بينها، وبالتالي فمن المؤكد أن المحادثات التي دارت في القمة الخليجية، ستكون على طاولة المشاورات بين السيسي وشولتز، وفق اعتقاد سلامة.

وعليه، يبدو أن زيارة الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، إلى ألمانيا وفرنسا على التوالي، تأتي في إطار مناقشة أبرز الملفات إلحاحا؛ موارد الطاقة وأزمة الغذاء التي باتت تلوح في الأفق، نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى جانب أزمة المناخ الي تمثل الآن أكبر مشكلة أمنية للعالم أجمع.

وبالتالي، يبدو أنه سيكون هناك عدد من اللقاءات الدولية والإقليمية، وربما تشكيل تحالفات جديدة على الساحة الإقليمية بالحد الأدنى، خلال الفترة المقبلة.

قد يهمك: ما النتائج المتوقعة من قمة جدّة للأمن والتنمية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.