مرحلة حرجة يمر بها العالم على مستوى التحول في العلاقات الدولية والإقليمية، وكذلك على مستوى التوازنات السياسية الدولية، هذا فضلا عن الوضع الاقتصادي الذي بات يشكل أمرا ضاغطا على رسم العلاقات والسياسات الخارجية، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن هذه الأمور مجتمعة ربما، هي التي دفعت الرئيس الأميركي جو بايدن لحضور قمة جدة للأمن والتنمية، حيث إن المملكة العربية السعودية حجر أساس واستقرار للمنطقة على المستويين؛ السياسي والاقتصادي، ومن باب وضع أطر تنسيقية مع السعودية، وكذلك الأمر مع دول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب كل من مصر والأردن والعراق، ما يعني أن المنطقة أمام مرحلة جديدة من العلاقات والتحالفات، وإعادة ترتيب الأولويات.

ونتيجة للأزمات التي حلت على العالم أجمع، أبرزها جائحة كورونا والأزمة الأوكرانية الأخيرة وتداعياتها على الأمن الغذائي العالمي، تشكلت قوى جديدة في المنطقة، حيث أخذ العالم شكلا جديدا، مما يستدعي بشكل ملح، إعادة رسم وفهم السياسة، والتوازنات الدولية والإقليمية لهذا العالم المختلف عما قبله قبل عقدا من الزمن.

لذا، يبدو أن قمة جدة، قد تحمل معها نتائج وتطورات جديدة لمواجهة هذا العالم المغاير والجديد اليوم، ومواجهة التهديدات التي تواجه المنطقة والأمن الغذائي ككل، لذا يمكن فهم أن هناك تفاهمات رُسمت خلف الأفنية لما يتم الإعلان عنه علنا، في الإطار الدولي والإقليمي وعلى المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، ضمن إطار السيطرة أو الإمساك بزمام مسار التوازن الدولي والإقليمي. وهذه القمة يمكن عنونتها، بأنها مرحلة جديدة من العلاقات الشرق أوسطية-الأميركية.

ربط الشرق الأوسط بأوروبا

البيان الخليجي الأميركي، أكد على أهمية الشراكة الاستراتيجية بين الدول الخليجية والولايات المتحدة، وذلك في ختام قمة جدة، للأمن والتنمية بالسعودية التي شارك فيها بايدن، وبحضور قادة دول الخليج والأردن ومصر والعراق.

وأشار قادة مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، في بيان مشترك على هامش قمة جدة للتنمية والأمن، التزامهم بحفظ أمن المنطقة واستقرارها، كما أكد بايدن للزعماء العرب، أن واشنطن لن تتخلى عن الشرق الأوسط، ولن تترك فراغا لتملأه الصين أو روسيا أو إيران.

من جانبهم، رحب زعماء الدول العربية بالتزام الولايات المتحدة الدائم بأمن شركائها، والدفاع عن أراضيهم، كما وجددوا دعوتهم لإيران، من أجل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

في سياق النتائج المتوقعة التي ستحدث في المنطقة بعد انتهاء قمة جدة للأمن والتنمية، والآثار المتوقعة من هذه القمة على المستويين السياسي والاقتصادي، يرى الأكاديمي السياسي والمراقب الدولي السابق لدى “الأمم المتحدة”، كمال الزغول، أن النتائج الاقتصادية لقمة جدة ستكون ضمن خطة خمسية، لأن البنية التحتية تحتاج إلى وقت معين، خاصة فيما يتعلق بربط أوروبا بالشرق الأوسط برا وبحرا.

وبحسب تقدير الزغول، الذي تحدث لـ “الحل نت”، فإن بعض هذه المشاريع ستساعد في تسريع العملية، بما في ذلك البنية التحتية لمشروع “نيوم” السعودي، وكذلك رفع يد “الأمم المتحدة” عن جزيرتي تيران وصنافير، اللتان ستساهمان في تعزيز هذا المشروع وربطه بالمتوسط ومن ثم أوروبا، باعتبار أن المشروع يحتوي بنية تحتية كبيرة من مطارات وفنادق وشركات استثمارية.

وأردف الزغول، أن هناك خطوط أنابيب غاز ستأتي من مصر والعراق عبر الأردن إلى فلسطين ثم إلى أوروبا ولبنان، بالإضافة إلى تشجيع الزراعة في حوض البحر الأبيض المتوسط، لتعويض سلاسل التوريد، في إطار دعم الأمن الغذائي.

وضمن ختام البيان الخليجي الأميركي، شدد القادة العرب عزمهم على تطوير التعاون والتكامل الإقليمي، والمشاريع المشتركة بين دولهم بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة، والتصدي المشترك لتحديات المناخ من خلال تسريع الطموحات البيئية، ودعم الابتكار والشراكات، بما فيها باستخدام نهج الاقتصاد الدائري للكربون وتطوير مصادر متجددة للطاقة.

قد يهمك: ما نتائج زيارة جو بايدن إلى “إسرائيل”؟

تأثير الاقتصاد على السياسة

شدد المشاركون من خلال البيان الختامي لقمة جدة، على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، و منع انتشار الأسلحة النووية في المنطقة. إلى جانب الترحيب بالهدنة في اليمن، معبرين عن أملهم في التوصل إلى حل سياسي وفقا لمرجعيات المبادرة الخليجية. فضلا عن تجديد دعمهم الكامل لسيادة العراق وأمنه واستقراره، كما أكد القادة ضرورة تكثيف الجهود للتوصل لحل سياسي للملف السوري، بما يحفظ وحدة سوريا وسيادتها، ويلبى تطلعات شعبها، بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254.

وبالعودة إلى الأكاديمي السياسي والمراقب الدولي السابق لدى “الأمم المتحدة”، كمال الزغول، يضيف أن جميع المشاريع الاقتصادية المذكورة أعلاه، إن تمت، فستؤثر حتما على القرار السياسي لدول المنطقة، بما في ذلك إسرائيل، ولذلك إذا ازدهرت المنطقة وحفاظا على ما سيتم إنجازه ستكون هناك خرائط لسبل التفاوض في كل من سوريا وفلسطين ولبنان واليمن، وسيتوقف مصيرها على حجم إنجاز كل دولة وتأثرها اقتصاديا حيال ذلك. لكن هذا قد يكون على المدى الطويل وليس على المدى القصير أو المتوسط ، كما أنه يعتمد أكثر على تطور الأحداث الأمنية في المنطقة، والمتعلقة بالتحركات الإيرانية وإسرائيل ومستوى المواجهة بينهما.

وخلُص الزغول حديثه بالقول: “من الناحية السياسية أيضا، دخلت المنطقة فعليا مرحلة تحول جديدة، من باب إعادة التوازنات في العلاقات الدولية، وهذا سيؤثر حتما على القرارات السيادية للدول ككل”.

وبحسب مراقبون، حملت قمة جدة رسائل سياسية إلى إيران، كما وقد تتغير التزامات أميركا تجاه المنطقة مع تغيير الإدارة الأميركية أو أعضاء جدد في “الكونغرس” لاحقا.

تاليا، لم تكن زيارة بايدن للمنطقة بسبب النفط وزيادة إنتاجيته كما رُجّح له بشكل كثيف، إنما ليقف الشرق الأوسط إلى صف أوكرانيا، بالإضافة إلى التركيز على قضية المعابر المائية، وأبرزها مضيق “هرمز” و”باب المندب”، التي تهم الأزمة الغذائية العالمية وحركة سلاسل التوريد، أيضا ولوضع حجر الأساس لمشاريع الاستثمار والتنمية، والشراكة مع الولايات المتحدة على المدى المتوسط والطويل ربما لاحقا، وكل هذا لمواجهة كل من الصين التي تتجه شرقا، ومن ثم إغلاق الباب أمام روسيا لأي تنسيق، أو تفاهم مع دول الشرق الأوسط.

قد يهمك: 6 ملفات سياسية واقتصادية على مائدة جدة.. شرق أوسط جديد؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.