وافق مجلس الأمن الدولي على تمديد إدخال المساعدات الإنسانية من تركيا لنحو أربعة ملايين شخص في شمال غرب سوريا، لمدة ستة أشهر، بعد خلافات هددت بتعليق المشروع. وقد توصّل المجلس إلى هذه النتيجة عقب ثلاث محاولات للتمديد، إثر انتهاء التفويض الخاص بالمساعدات العابرة للحدود في شهر تموز/يوليو الحالي.

واعتبر كثير من المراقبين، أن مجلس الأمن رضخ للضغط الروسي، فبعد أن كانت مدة تمديد إيصال المساعدات الإنسانية المقترحة سنة كاملة، لم يستطع المجلس سوى إقرار التمديد حتى العاشر من كانون الثاني/ يناير القادم.

فما انعكاسات خفض مدة التمديد على الشمال السوري؟ وما الذي تريده روسيا من موقفها الصارم ضد إدخال المساعدات الإنسانية من معبر باب الهوى، على الحدود التركية-السورية؟

ملف المساعدات الإنسانية وسياسة “التعافي المبكر”

يستبعد الباحث السياسي سعد الشارع، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “يكون مجلس الأمن قد رضخ لروسيا. فمطالب موسكو كانت لا تقتصر على عدم تمديد إدخال المساعدات الإنسانية، بل كانت تريد إدخال ملف الكهرباء في المساعدات، ضمن ما يسمى بمشروع التعافي المبكر، وهو المصطلح الذي اعتمدته روسيا منذ عام، أثناء تفاهماتها مع الولايات المتحدة الأميركية. لكن مجلس الأمن رفض هذا المطلب الروسي، والنتيجة كانت نوعا من التسوية، إذ سحبت روسيا حق النقض (الفيتو) على مشروع قرار تمديد إدخال المساعدات الإنسانية، مقابل أن يمدد القرار المهلة لستة أشهر بدلا من سنة؛ ومن ناحية أخرى تم تجاهل مطالب روسيا حول مشاريع التعافي المبكر”.

وكان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد عرّف “التعافي المبكر” بالشكل التالي: “نهج يُلبي حاجات التعافي في مرحلة الاستجابة الإنسانية للطوارئ. أي استعادة الخدمات الأساسية الرئيسة، التي تُمكّن المتضررين منَ الاعتماد على أنفسهم اعتمادا أكـثر استدامة، بدلا من الاتكال المستمر على منظمات الإغاثة في تلبية احتياجاتهم الأساسية”.

وبحسب دراسة لـ”مركز السياسات وبحوث العمليات” فإن التعافي المبكر يختلف عن إعادة الإعمار بثلاث نقاط أساسية: “الأولى أن وضع خططِ إعادة الإعمار وتـنفيذها يقع على عاتق الدولة، بينما يتم تخطيط وتـنفيذ التـعافي المبكر من قبل منظمات الإغاثة، سواء كانت مركزية، تأتمر بأمر هيئة إدارية واحدة، كالأمم المتحدة مثلا، أو منظمات فردية؛ والفارق الثاني، هو أن التعافي المبكر شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، أما إعادة الإعمار فليست كذلك؛ إذ يمكن أن تأتـي على هيئة قروض ميـسرة من منظمات منفردة، أو متعددة الأطراف، كصندوق النقد الدولي أو البنك الدولي؛ أما الفارق الثالث والأخير، فيتلـخص في أن التعافي المبكر يتم ترتيب أولوِياته تبعا للاحتـياجات الإنسانية، حاله في ذلك حال أشكال المساعدات الإنسانية الأخرى، أما إعادة الإعمار فليست كذلك بالضرورة”.

وتخلص الدراسة إلى أن “مساعدات التـعافي المبكر نشاط يقـع بين النهج السائد اليوم، والمتـمحور حول المساعدات الإنسانية الأساسية، كالغذاء والمأوى وخدمات المياه والصرف الصِّحي والنظافة، من جهة؛ وإعادة الإعمار من جهة أخرى”.

وسبق للولايات المتحدة وروسيا، أن اتفقتا على أن “الأنشطة الإنسانية أوسع من مجرد تلـبية الاحتياجات الفورية للسكان المتـضررين، ويجب أن تشمل دعم الخدمات الأساسية، من خلال مشاريعِ التعافي المبكر للمياه والصرف الصحي والصحة والتعليم والإيواء”. فيما اعتبره كثيرون تنازلا من الولايات المتحدة لروسيا، مقابل تمديد إدخال المساعدات الإنسانية.

وترى دراسة “مركز السياسات وبحوث العمليات” أن “صنّاع السياسة في واشنطن يسعون إلى ضمان عدم تحول برامج التعافي المبكر إلى إعادة إعمار شاملة، قبل إحراز تـقدم ملموس على الجبهة السياسية”، وقد يكون هذا هو سبب تجاهل الطلب الروسي حول ملف الكهرباء، أثناء إعداد مشروع قرار تمديد إدخال المساعدات الإنسانية.

لا حلول بديلة لإدخال المساعدات

الباحث سعد الشارع لا يعتقد بإمكانية وجود حلول أخرى، بخصوص تمديد إدخال المساعدات الإنسانية، بسبب الفيتو الروسي الذي تسانده الصين.

مؤكدا أن “الخطأ أساسا أن تكون هذه القضايا الإنسانية مطروحة للتصويت، والرفض أو القبول، إذ يجب أن تكون فوق تفاوضية، وهذا ما حصل سابقا في كثير من الملفات الإنسانية السورية، التي تم تداولها ضمن السياق السياسي بين الدول”.

وحذر الباحث السوري، من أن “الحالة غير الصحية للتجاذبات الدولية تهدد بكارثة إنسانية في الشمال السوري في منتصف الشتاء، في حال عدم تمديد إدخال المساعدات الإنسانية بعد شهر كانون الثاني/ يناير، إذ يوجد في إدلب ما يقارب ثلاثة ملايين نسمة، بحاجة لمساعدات، ضمن برامج الأغذية والصحة والتعليم”.

ويستبعد الشارع، أن “يكون قرار تمديد إدخال المساعدات الإنسانية الحالي خدمة من روسيا للحكومة السورية، بل هو مجرد نتيجة لتفاوض صعب، انتهى بإبقاء الوضع على ما هو عليه. ويجب أن تقوم مؤسسات المعارضة والمنظمات الدولية، التي تعمل على إيصال المساعدات إلى الشمال، بالبحث فورا عن بدائل منطقية، وإلا سوف نشهد كارثة إنسانية، في حال لم توافق روسيا على التمديد مجددا”.

تمديد إدخال المساعدات خاضع لابتزاز روسي

أسامة الحسيني، رئيس مجلس إدارة إحدى المنظمات في إدلب، يرى أن “فترة تمديد إدخال المساعدات الإنسانية غير كافية، سواء كانت عام أم ستة أشهر”، ويعتبر أن “الموضوع هو ابتزاز سياسي روسي بحق المجتمع الدولي”.

ويؤكد الحسني، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “روسيا وضعت شرط تحويل جزء من المبالغ المخصصة للمساعدات لإعادة تشغيل محطات الكهرباء في مناطق سيطرة حكومة دمشق، فيما يسمى التعافي المبكر، وهذه عملية مراوغة سياسية، لجعل المساعدات لمصلحة الحكومة السورية، حليفة روسيا، وليس لتحسين أوضاع الناس في الشمال السوري”.

مسترسلا بالقول: “تقوم مبادئ العمل في الأمم المتحدة على الحياد، والوصول إلى كل مناطق الصراع، أما اليوم فتخضع تلك المبادئ لعملية الابتزاز السياسي، الذي تمارسه روسيا منذ عام 2014 وحتى اليوم”.

 وحول ما إذا كانت أميركا بحاجة إلى موافقة روسيا، لتمديد إدخال المساعدات الإنسانية، يجيب الحسيني بأن “هناك أكثر من آلية قانونية لإدخال المساعدات، من ضمنها إحالة موضوع عبورها عبر الحدود إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وليس إلى مجلس الأمن. ما يساهم في استبعاد تأثير روسيا الحاسم عن هذا الملف المهم”.

وكان المنتدى الإقليمي الدولي للمنظمات غير الحكومية العاملة في سوريا، ومنتدى المنظمات غير الحكومية في شمال غربي سوريا، قد أصدرا بيانا مشتركا، أكدا فيه “إن تمديد تفويض إدخال المساعدات الإنسانية لمدة ستة أشهر فقط يمثّل خطرا كبيرا على المساعدة الإنسانية المستمرة والمتوقعة لملايين المحتاجين”.

ونبه بيان المنظمات إلى أن “تخفيض الإطار الزمني، لترخيص عبور المساعدات، وعدم اليقين بشأن تمديده في كانون الثاني/يناير المقبل، سيكون له آثار ضارة كبيرة على الاستجابة الإنسانية”.

ولفت البيان إلى أن “التصويت المقبل في مجلس الأمن، على تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية، سيكون في كانون الثاني/يناير 2023، في وقت يكون فيه سكان شمال غرب سوريا معرضين بشكل خاص لأشهر الشتاء القاسية، ودرجات الحرارة المتجمدة، والفيضانات”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.