تعرضت بعض مخيمات النازحين العراقيين لسلسلة من الحرائق، آخرها في شهر نيسان/إبريل الماضي، حين التهمت النيران مئتي خيمة في مخيم “باجد كندالا ” بإقليم كردستان العراق، قرب منطقة فيشخابور الحدودية مع تركيا، ما أسفر عن إصابات بشرية وأضرار مادية.

العائلات المقيمة في مخيمات النازحين العراقيين أكدت أنها “تدفع ثمن الخلافات السياسية منذ ثمانية أعوام وأكثر، فهي تعيش حياة غير كريمة تحت الخيام المتهالكة، وتكافح لتأمين الماء والغذاء. كما أن كثيرا من الأطفال يواجهون الموت، بسبب درجات الحرارة العالية والعواصف الترابية”.

ويعتبر ملف النازحين العراقيين، الذين تركوا مناطقهم نتيجة ممارسات تنظيم داعش، ملفا معلقا نتيجة الأزمة السياسية العراقية المستمرة منذ سنوات، ويتداخل مع ملفات أخرى كثيرة، مثل ملف الميليشيات الموالية لإيران، التي ما تزال تسيطر على مناطق كثيرة في المحافظات المحررة من داعش، وتمنع عودة أهلها إليها؛ وكذلك ملف إعادة الإعمار، وتأهيل المناطق التي غادرها النازحون للحياة من جديد؛ الأمر الذي يرتبط بملفات الفساد في السلطة؛ وكذلك الخلافات بين القوى السياسية على تشكيل الحكومة العراقية المقبلة. فضلا عن خطر عودة تنظيم داعش إلى مناطق النازحين من جديد، ما يفتح ملف إعادة تأهيل القوات العراقية، وقضية انسحاب القوات الأميركية من العراق، التي كانت تؤمّن غطاء جويا، ودعما استخباراتيا للقوات العراقية.
وبالتالي فإن ملف مخيمات النازحين العراقيين ليس مجرد ملف إنساني، بل يقبع في صلب السياسة والدولة العراقية، وعلاقاتها الخارجية والداخلية المعقدة.

سكان مخيمات النازحين: “نحاول كل يوم النجاة بحياتنا”

أبو محمد، أحد النازحين من مدينة سنجار، أكد لموقع “الحل نت ” إن “الحرائق تشتعل بسرعة كبيرة، بسبب الخيام المتهالكة، وعدم توفير شروط السلامة”.

وأضاف أن “الحريق، الذي اندلع في شهر نيسان/إبريل، حدث بسبب ماس كهربائي، ما يدل على تهالك البنى التحتية في مخيمات النازحين العراقيين”.

بدورها قالت أم بشير، إحدى ساكني مخيمات النازحين العراقيين، لموقع “الحل نت”: “منذ ثمانية أعوام، ونحن نعيش بهذه الخيم في حالة يرثى لها. لا ماء، لا كهرباء، لا حطب”.

مضيفة: “كل يوم في هذه المخيمات يمر علينا وكأنه سنة. عشنا أياما صعبة جدا، إذ مات البعض من البرد في فصل الشتاء، أما في الصيف فنواجه الحر القاسي والعواصف الترابية. كانت المساعدات والتبرعات تصل إلينا بشكل مستمر في السنوات الأولى لنزوحنا، وبعدها انقطعت، وبقينا تحت رحمة الله فقط”.

وتناشد أم بشير الحكومة العراقية بالقول: “سكان مخيمات النازحين العراقيين، تحملوا ظرفا قاتلا لمدة ثماني سنوات، فهل من المعقول أن نقضي كل حياتنا تحت هذا العذاب؟”.

 طيبة القيسي، رئيسة “جمعية الطيبة للتنمية والتطوير” بالعراق، أكدت أن “مخيمات النازحين العراقيين تعاني كثيرا من المشاكل الاقتصادية والصحية والاجتماعية والنفسية، وتحديدا بعد أن أصبحت المساعدات الطبية قليلة جدا، في ظل الإهمال الواضح لهذه الشريحة”.

وتضيف القيسي في حديثها لـ”الحل نت “: “لا بد من قيام المنظمات الدولية بإعادة تمويل المنظمات المحلية، لتستمر بالعمل في هذه المخيمات من دون انقطاع وإهمال”.

أما على الصعيد الصحي فبينت القبيسي أن “الحكومة العراقية تمنح لأهالي مخيمات النازحين العراقيين بعض الأدوية، كالمسكنات والمهدئات، من دون متابعة حالة المرضى، لعدم توفّر كادر صحي، يتابع المرضى، ويقدم العلاج المناسب لهم”.

الضعف الحكومي سبب معاناة مخيمات النازحين العراقيين

من جهته أكد ياسر إسماعيل، رئيس “مركز نايا” المهتم بقضايا حقوق الإنسان، أن” هناك قصورا واضحا بشأن ملف مخيمات النازحين العراقيين، سواء من ناحية عودتهم إلى أماكن سكناهم؛ أو من حيث توفير المستلزمات الأساسية داخل المخيمات”.

ويضيف إسماعيل، خلال اتصال هاتفي مع “الحل نت”، أن” أبسط حقوق النازحين العراقيين مسلوبة، كما أن هناك أطفالا يفارقون الحياة لعدم توفر الظروف الملاءمة للعيش”.

ويكشف أن “هناك حالات انتحار، حدثت داخل مخيمات النازحين، بسبب الظروف القاسية التي عاشوها خلال السنوات الماضية، وفقدان الأمل بعودتهم إلى حياتهم السابقة، وممارسة أعمالهم”.

محما خليل، النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، يوجه أصابع الاتهام لوزارة الهجرة والمهجرين في الحكومة العراقية، بسبب “إهمالها وتقصيرها الواضح بحق مخيمات النازحين العراقيين، وتحديدا مخيم باجد كندالا، الذي ينحدر معظم سكانه من قضاء سنجار”.

ويؤكد خليل لـ” الحل نت ” أن “سكان مخيمات النازحين العراقيين راحوا ضحية الصراعات السياسية، فهم منسيون منذ سنين”. مضيفا: “الحكومة العراقية زارت المخيمات، وقطعت وعودا غير حقيقية، ظلت دون تنفيذ حتى هذا اليوم”.

 كاشفا عن “صفقات لجهات حكومية وسياسية، تعقد باسم مخيمات النازحين العراقيين، وتوفير متطلباتها، لكن هذه الصفقات تذهب لجيوب الفاسدين، وسرعان ما تتلاشى، ولا يصل منها شيء لأهالي المخيمات”.

مختتما حديثه بالقول: “هناك ضعف في هيبة الدولة العراقية، وعدم وجود إرادة سياسية حقيقية لتنفيذ اتفاقية سنجار بين بغداد وأربيل، القاضية بإعادة نازحي سنجار إلى ديارهم. إضافة إلى وجود بعض الفصائل المسلحة، المستفيدة من حالة النزوح”.

تبرير حكومي

كريم النوري، وكيل وزارة الهجرة والمهجرين، يؤكد بخصوص مخيمات النازحين العراقيين، أن “عودة النازحين إلى ديارهم، ودمجهم مع المجتمع، باتت قريبة”.

ويوضح النوري، في بيان رسمي تابعه “الحل نت”، أن “هناك لجنة مشتركة، من جهاز الأمن الوطني وغرفة العمليات المشتركة والمخابرات والأحوال المدنية، مسؤولة عن دراسة ملفات سكان مخيمات النازحين العراقيين، والتأكد من عدم وجود أي شخص مطلوب بينهم، ومن ثم إعادتهم تدريجيا إلى ديارهم”.

ويضيف: “تمت إعادة كثير من النازحين إلى مناطق سكنهم، بعد التأكد من عدم وجود أي مؤشر أمني عليهم”.
ورغم عودة عدد من سكان مخيمات النازحين العراقيين إلى ديارهم خلال السنوات الماضية، إلا أن منظمة الهجرة الدولية، قدرت وجود حوالى 1.2 مليون نازح في العراق.

وذكرت المنظمة الدولية، في بيان رسمي لها، أن “أكثر من ستة ملايين عراقي نزحوا من مناطقهم الأصلية، خلال النزاع مع داعش. ومنذ الإعلان رسميا عن انتهاء النزاع، عادت مئات آلاف الأسر إلى مناطقها الأصلية”.

إلا أن التقرير أوضح أن “التقديرات تشير إلى نحو 1.2 مليون شخص ما زالوا في حالة نزوح”، مؤكدا لزوم “تقديم الدعم المستمر لإنهاء النزوح الداخلي، والتوصل إلى حلول دائمة، بما في ذلك العودة الطوعية إلى مناطق الأصل”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.