لا تزال قضية تسجيلات المالكي المسربة تثير جدلا كبيرا في الشارع العراقي. فقد نشر الإعلامي العراقي علي فاضل تسجيلات صوتية، على صفحته الشخصية في تويتر، زعم أنها لنوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي الأسبق، وزعيم ائتلاف دولة القانون، المنضوي في الإطار التنسيقي.

وتناولت تسجيلات المالكي المسربة، وعددها أربع تسجيلات، تفاصيل حساسة، ومنها اتهام مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، بالفساد، عبر القول: “الصدر وأتباعه سرقوا أموال الناس والدولة، وقتلوا أبناء الشعب”. فضلا عن وصفهم أكثر من مرة بـ”الجبناء”.

كما تهجّم المالكي، في التسجيلات المنسوبة إليه، على حلفاء الصدر من السنة والكرد، واتهمهم بـ”الحقد عليه شخصيا، بسبب رغبتهم بإسقاط حكم الشيعة، بدعم بريطاني”.

هادي العامري، حليف المالكي في الإطار التنسيقي، وزعيم منظمة بدر، الذي أعلن عدم مشاركته في الحكومة المقبلة، لم يكن بعيدا عن مرمى الاتهام في تسجيلات المالكي المسربة، التي أكدت أنه “قام باستلام رواتب أربعين ألف جندي فضائي”. والفضائيين وصف يطلق على الأسماء الوهمية، المؤرشفة ضمن موازنة الحكومة العراقية المالية.

المالكي نفسه ليس بريئا من شبهة الفساد، فقد رُفعت ضده قضايا في المحكمة الاتحادية العراقية، تتهمه بإخفاء أكثر من ثلاثمئة مليار دولار من الموازنة العراقية، خلال سنوات حكمه الثمانية.

الإعلامي علي فاضل، أكد أن تسجيلات المالكي المسربة على صفحته، هي جزء من تسجيل أطول، مدته ثمان وأربعون دقيقة، سينشره لاحقا. ويرد فيه تهجّم المالكي على مرجعية النجف الدينية وقيادات الحشد الشعبي.

ما صحة تسجيلات المالكي المسربة؟

تسجيلات المالكي المسربة طالتها كثير من التأويلات، إذ يرى البعض أنها صحيحة، ولكنها “تمت وفق سيناريو أعده المقربون من المالكي، لإبراز دوره بوصفه المرشح الأقوى للمرحلة القادمة”، بحسب مصدر في الإطار التنسيقي، اشترط عدم كشف هويته.

ويقول المصدر، في تصريحه لـ”الحل نت”، إن “الهدف من هذا السيناريو، هو استهداف منافسي المالكي، بغض النظر عن ولاءاتهم، وإثارة التعاطف الشعبي معه، بوصفه مضطهدا بسبب وطينته، وهو ما أدى إلى نتائج عكسية، وفي النهاية بات المالكي مجبرا على نفي علاقته بهذه التسجيلات”.

يُذكر أن المالكي نشر بيانا، على صفحته الشخصية في موقع تويتر، نفى فيه صحة التسجيلات، واعتبرها محاولة لإثارة الفتنة.

 فيما دعا مكتبه الإعلامي إلى “عدم الانسياق خلف الشائعات، التي تبثها القنوات المشبوهة”.

الإعلامي علي فاضل، رد بدوره على الاتهامات الموجهة له، عبر فيديو نشره على صفحته في تويتر، نفى فيه “محاولته ابتزاز المالكي، أو تعاونه مع خصومه”. وبرر نشره لتسجيلات المالكي المسربة برغبته في “زلزلة النظام السياسي الهش وإزالته”.

ما علاقة التسجيلات المسربة بصلاة الجمعة الموحدة؟

تأتي تسجيلات المالكي المسربة في مرحلة سياسية حرجة، إذ ما زالت القوى السياسية العراقية عاجزة عن التوافق حول تشكيل الحكومة الجديدة، وانتخاب رئيس الجمهورية. كما أنها نشرت قبل يومين من صلاة الجمعة الموحدة، التي دعا لها مقتدى الصدر.

يذكر أن الصدر، هو الوحيد الذي رد على التسريبات بشكل غير مباشر، إذ نشر، يوم الخميس الرابع عشر تموز/يوليو الحالي، وقبل يوم من صلاة الجمعة الموحدة، تغريدة قال فيها إن “صوت الجمعة أعلى من أي احتجاج أخر”، مؤكدا “امتناعه عن الخوض في محاولات الفتنة”.

ورغم أن الصدر لم يشارك في صلاة الجمعة الموحدة، التي أقيمت في الخامس عشر تموز/يوليو الحالي، في شارع الفلاح بمدينة الصدر شرقي بغداد، إلا أنها شهدت إقبالا شعبيا كبيرا، وهو ما اعتبر بمثابة تهديد مباشر لخصوم الصدر، بعد أن أثبت مرونته في تحريك أتباعه.

وحول رأي التيار الصدري بتسجيلات المالكي المسربة يؤكد مصدر في التيار لموقع “الحل نت” أنها “تهدف إلى زعزعة جماهير التيار، وإبعادها عن زعيمها، من خلال الاتهامات التي حملتها”. إلا أنه يؤكد “أن التسجيلات فشلت في ذلك”، مستشهدا بـ”الحضور الشعبي في صلاة الجمعة الماضية، والتي عزم الصدر فيها على جس نبض أتباعه، وشعبيته بينهم، بعد انسحابه من البرلمان”.

وفيما يخص الاتهامات، التي تضمنتها تسجيلات المالكي المسربة، بتلقي الصدر دعما من إيران في عام 2008، إبان حملة المالكي العسكرية ضده، يلفت المصدر، الذي رفض كشف هويته، صحة تلك الادعاءات، ويشير الى أن “سلاح التيار الصدري هو من بقايا الأسلحة، التي استولى عليها التيار بعد احتلال العراق عام 2003، إضافة الى بعض الصناعات العسكرية المحلية”.

وبدوره يتهم المصدر المالكي والإطار التنسيقي بـ”تلقي الدعم العسكري من إيران”، مشيرا إلى “الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، التي استخدمتها الجهات التي تصف نفسها بالمقاومة، خلال استهدافها للمقرات الأميركية”.

وكانت تسجيلات المالكي المسربة قد أفادت صراحة بتدخل إيران في الشأن العراقي، محذرة حلفاء الصدر من “العبث في البلد، وجعله مجالا لأمن إيران القومي”.

ما بين المالكي والحشد الشعبي

التسجيل الرابع ضمن تسجيلات المالكي المسربة قد يغير شكل التوافقات السياسية الحالية، إذ وصف المالكي فيه قوات الحشد الشعبي بـ”أمة الجبناء“، معتقدا أن “المرحلة القادمة ستكون مرحلة قتال بين كافة الأطراف”، وأكد أنه “يحاول حاليا تشكيل ما بين عشرة إلى خمسة عشر فصيلا، استعداد للهجوم على النجف، ضد المرجعية الدينية والصدر”.

أنصار الحشد الشعبي أظهروا احتجاجاهم على تسجيلات المالكي المسربة، من خلال إغلاق مقرات حزبه في محافظات مختلفة، والكتابة على جدرانها “مغلق بأمر الحشد”.

“تسجيلات المالكي المسربة فرّقت حلفاءه من حوله تباعا، وستبعده عن حلم تولي رئاسة الوزراء، الذي لن ينجح فيه بغض النظر عن خطوته القادمة”، بحسب أستاذ العلوم السياسية المتقاعد عثمان الموصلي.

ويضيف الموصلي، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “اعتراض السنة والأكراد على تولي المالكي للمنصب كان يعرقل مساعيه سابقا، ولكنه كان يستطيع تجاهل ذلك الاعتراض، من خلال توافقاته السياسية مع حلفائه. ولكن خسر الآن دعمهم بعد التسريبات، الأمر الذي يبدو واضح من عدم حضور العامري لاجتماعات الإطار التنسيقي، بحجة إصابته بوباء كورونا”.

وتاليا فمن المتوقع أن الأزمة السياسية العراقية ستصل إلى أوجها بعد تسجيلات المالكي المسربة، إذ أنها أدت إلى بث الخلاف بين الأحزاب السياسية، والميليشيات الولائية، المندرجة في الإطار التنسيقي، وهي القوة التي كانت تستعد لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة. ما يجعل المستقبل مفتوحا على كل الاحتمالات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.