لم يبقى مجال للشك حول هوية الفاعل، لاسيما بعد تبني الحكومة العراقية للرواية التي تؤكد وقوف تركيا خلف القصف المدفعي الذي طال مصيف قرية برخ في ناحية دركار التابعة لقضاء زاخو في محافظة دهوك بكردستان العراق.

وعلى الرغم من استمرار تداعيات الاعتداء الذي راح ضحيته 9 قتلى و23 جريحا يوم الأربعاء الماضي، من ردود فعل شعبية وحكومية، فتحت الحادثة باب السؤال فيما إذا كان الحادثة تحمل نوايا تركية لضرب قطاع السياحة في الإقليم الذي يشهد انتعاشا واسعا مع ارتفاع درجات الحرارة، ورفع الجانب التركي لرسوم فيزا الدخول للعراقيين الراغبين بالسفر إلى تركيا. 

لاسيما وأن تركيا تعتمد بشكل كبير على القطاع السياحي الذي تمثل فيه الجالية العراقية نسبة كبيرة، في وقت يشهد فيه القطاع السياحي في إقليم كردستان العراق انتعاشا كبيرا، خصوصا في محافظة دهوك. 

حيث شهدت دهوك لوحدها ارتفاعا كبيرا في أعداد السائحين خلال مناسبة عيد الأضحى الماضي، لتصل إلى أكثر من 100 ألف سائح، بيتهم 5000 سائح أجنبي، في وقت أدخلت فيه الحافظة 20 موقعا سياحيا حيز الخدمة.

جاء ذلك على لسان مدير سياحة زاخو جيا أمين، الذي توقع أن ترتفع الأرقام إلى 270 ألف سائح مع نهاية العام الحالي، في حين تفكر إدارة المنطقة لرفع الأرقام إلى 500-600 ألف سائح. 

انتعاش سياحي لم تؤثر فيه الاحداث الأمنية في المناطق الحدودية كما أنها لم تعيق حركة السفر إلى المواقع السياحية في المدينة، بحسب تصريحات صحفية سابقة لمدير عام السياحة في دهوك، خيري علي، الذي أكد أيضا أن، الحركة الاقتصادية نشطت خلال العيد لتوافد أعداد كبيرة من السائحين إلى دهوك.

وهذا ما أثار التكهنات حول ما إذا كانت هناك أي نويا لاستهداف القطاع السياحي الذي قد يشهد تراجعا من أعداد الوافدين العراقيين إلى تركيا بسبب الرسوم المرتفعة، مقابل انتعاشه أكثر في الإقليم، لاسيما وأن الموقع الذي تم استهداف والذي ما تزال تركيا تنفي علاقتها فيه، بأنه لا يشهد أي تواجدا لعناصر “حزب العمال الكردستاني” الذي تشن تركيا منذ السنوات الماضية عمليات عسكرية ضدهم داخل الحدود العراقية. 

اقرأ/ي أيضا: الاعتداء التركي على دهوك يؤجج غضباً شعبياً وحكومياً.. هل تلجم بغداد تجاوزات أنقرة؟

انتعاش السياحة في دهوك

إضافة إلى لعدم وجود أي تواجد عسكري بالقرب من المصيف المستهدف سوى نقاط عسكرية تركية، ولما أكده صاحب الموقع السياحي والسياح، بأن المكان الذي تم استهداف يشهد منذ أسابيع توافد آلاف السياح، كما أنه كان هادئا تماما في لحظة الاستهداف حيث كان يضم بين 1000 الى 1200 سائح.

وهذا ما أكده بيان صدر يوم أمس، من قبل حزب العمال، الذي أكد من خلاله عدم تواجد عناصره في الموقع الذي تم استهداف، وهذا ما أكدته عدة مصادر من داخل إقليم كردستان، بأنه لا يوجد نشاط لحزب العمال منذ مدة في المنطقة المستهدفة، خاصة أنها قريبة من الحدود التركية ومحاطة بنقاط أمنية تركية.

من جهته، يرى المهتم في الشأن السياسي العراقي، عاصم الكبيسي، أنه “لا شك أن القصف التركي الذي تعرض له مصيف برخ قد قضى على السياحة هناك بشكل فعلي”، مشيرا إلى أنه “لا يعني في المصيف الذي تم استهداف فقط بل في المحافظة بأكملها”.

الكبيسي قال في حديث لموقع “الحل نت”، إن “الحركة السياحية والاقتصادية حساسة جدا، وإذا ما أردنا الحديث عن ذلك يمكننا النظر إلى أحدثه القصف الحوثي على المرافق الحيوية في الامارات التي تعد مركزا سياحيا وتجارية في المنطقة ومدى تأثرها بتلك العمليات، فضلا عن تفجير مدينة الكرادة في العام 2016، الذي حول من المدينة الأكثر حيوية في بغداد إلى مدينة أشباح ولم تستعد عافيتها إلا بعد سنوات، ومع ذلك لم تعد كما كانت”.

بالتالي أنه “مؤكدا جدا أن القطاع السياحي سيتضرر في الإقليم بشكل عام”، مبينا أنه “قد يمثل محاولة تركية للضغط على السلطات الكردية في التعاون معها على انتهاء وجود عناصر الحزب الذي تعتقد فيه تركيا أنه يمثل تهديدا لأمنها القومي”.

الكبيسي أوضح أن “الحادث قد لا يكون بذات القصد الذي نتحدث عنه، فقد يكون فعلا خطا تركيا، أو أي من ما يتم الحديث عنه في الإعلام، لكنه في النهاية سيخدم ضمنيا مصالح تركيا التي تعلم جيدا أن القطاع السياحي في إقليم كردستان يمثل أحد شرايين الاقتصاد، بالتالي ما سيجبر الإقليم للتعاون مع الجانب التركي، لاسيما ،أنه يمر في أزمة مالية حادة نتيجة التضيق الذي تمارسه ضده بغداد في إطار الصراع السياسي حول تشكيل الحكومة”.

واختتم، أنه “كما أسلفنا الحادث سواء كان مقصود أو غير مقصود لهذه الأجندات لكنه سيحققها بشكل أو بأخر، بسبب الظروف التي تحيطه، لكنه قد ينعكس بشكل أكثر تأثيرا على تركيا في حال لجأت بغداد لقطع العلاقات التجارية مع أنقرة التي تعتمد في صادراتها بشكل كبير على العراق”.

يشار إلى أن، الحكومة العراقية كانت قد أصدرت الأربعاء الماضي 8 قرارات بعد اجتماع طارئ للمجلس الوزاري للأمن الوطني، برئاسة رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي.

اقرأ/ي أيضا: اعتداء تركي يوقع عشرات القتلى والجرحى في دهوك

قرارات عراقية

طالب العـراق من خلالها الحكومة التركية بسحب قواتها كافة من الأراضي العراقية، والاعتذار رسميا و”تعويض ذويّ الشهداء والجرحى”.

وجاءت قرارات المجلس الوزاري للأمن الوطني كالتالي:

  • أولا: وجه المجلس وزارة الخارجية بإعداد ملف متكامل بالاعتداءات التركية المتكررة على السيادة العراقية وأمن العراقيين، وتقديم شكوى عاجلة بهذا الشأن إلى “مجلس الأمن” الدولي و”الأمم المتحدة”.
  • ثانيا: توجيه وزارة الخارجية باستدعاء السفير التركي لدى العراق وإبلاغه الإدانة.
  • ثالثا: استقدام القائم بالأعمال العراقي من أنقرة؛ لغرض المشاورة، وإيقاف إجراءات إرسال سفير جديد إلى تركيا.
  • رابعا: توجيه قيادة العمليات المشتركة بتقديم تقرير بشأن الحالة على الحدود العراقية التركية، واتخاذ كل الخطوات اللازمة للدفاع عن النفس.
  • خامسا: متابعة أحوال جرحى الاعتداء وعائلات “الشهداء” وتعويضهم.
  • سادسا: التنسيق مع حكومة إقليم كردستان العراق، بشأن أخذ إجراءات حاسمة لمنع الانتهاكات التركية.
  • سابعا: مطالبة تركيا بتقديم اعتذار رسمي، وسحب قواتها العسكرية من جميع الأراضي العراقية.
  • ثامنا: جدد المجلس رفضه أن تكون أرض العراق منطلقا للاعتداء على أي دولة، وأن تكون ساحة لتصفية الحسابات، ورفضه بشدة تواجد أي تنظيم إرهابي أو جماعة مسلحة على أراضيه.

بعد تلك القرارات، استدعت وزارة الخارجية العراقية، عصر اليوم الخميس، السفير التركي لدى العراق علي رضا، وسلّمته مذكرة احتجاج “شديدة اللهجة”، حسب بيان لها.

المذكرة تضمّنت، إدانة الحكومة العراقية لـ “الجريمـة النكراء” التـي أرتكبتهـا القوات التركيّة والتي “مثّلـت قمة لاعتـداءاتها المُستمرة علـى سيادة العــراق وحرمـة أراضـيه، وأخذت طابعا استفزازيا جديدا لا يمكن السكوت عنه”.

وزير الخارجية العراقية، فؤاد حسين الذي أرسله الكاظمي، أمس الخميس، على رأس وفد أمني لمكان الاعتداء التركي، أكد في تصريحات صحفية، أن الجانب التركي وراء الاعتداء.

حسين قال، إن خبراء عسكريين عراقيين أثبتوا أن القصف الذي استهدف دهوك من الجانب التركي، مشيرا إلى أنه “خلال القصف كان بين 500-600 سائح في مصيف برخ، أكثرهم من بغداد وجنوب العراق”.

في السياق، دعت وزارة الثقافة العراقية، في بيان لها، الخميس، العراقيين إلى عدم السفر إلى تركيا، للحفاظ على أمنهم، وردا على الاعتداء التركي “الغاشم”.

من جانب آخر، قرر البرلمان العراقي، عقد جلسة طارئة، يوم السبت المقبل، بحضور رئيس اركان الجيش ووزير الدفاع جمعة عناد، وزير الخارجية فؤاد حسين، لمناقشة تداعيات الاعتداء التركي على دهوك.

اقرأ/ي أيضا: التسريب الكامل المنسوب للمالكي يكشف حجم الفساد داخل “الحشد الشعبي” 

إيقاف إصدار الفيزا

بالمقابل، السفارة التركية في العراق، قررت يوم أمس الخميس، إيقاف إصدار “الفيزا” للمسافرين العراقيين وغيرهم بعموم مدن العراق، وحتى إشعار آخر، نتيجة الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها مقار إصدار “الفيزا” ومقر السفارة الذي تم إنزال العلم التركي منها وإحراقه. 

جدير بالذكر أن، الاعتداء التركي لم يكن الأول من نوعه، فهو يآتي ضمن أحدث عملياتها العسكرية التي أطلقتها في 18 نيسان/ أبريل الماضي، باسم “مخلب القفل”، حيث أنزلت مروحيات تركية وقوات خاصة، وأقامت نقاط أمنية بالأراضي العراقية وإقليم كردستان، رغم التنديد والرفض الإقليمي والدولي.

وفق الذرائع التركية، يدفع العراق جزءا من سيادته ثمنا على مر الصراع الطويل لأنقرة “حزب العمال الكردستاني” المتواجد في شمال العراق، حيث شهدت الأعوام الماضية عمليات عسكرية متكررة يشنها الجيش التركي في أراضي إقليم كردستان العراق.

في 2018 طالبت منظمات حقوقية بإجراء تحقيق في عمليات عسكرية “سرية” نفذتها تركيا ضد “العمال الكردستاني” في شمال العراق وأراضي إقليم كردستان، معتبرة أنها تنتهك قوانين الحرب المرعية دوليا.

في عام 2019 تجددت الهجمات التركية على أراضي إقليم كردستان، لتبدأ أنقرة الإعلان عن كل عملية في أسلوب جديد للحرب ضد عناصر “حزب العمال”، وذلك في انتهاك متعمد لسيادة العراق، بحسب مراقبين.

وعلى هذا النحو، أطلقت القوات التركية عملية “المخلب” في أيار/ مايو 2019، واستخدمت قذائف المدفعية، وهجمات جوية ضد مسلحي “العمال الكردستاني” في شمال العراق.

وما أن مر عام تقريبا، وتحديدا في حزيران/ يونيو 2020، أطلقت تركيا عملية جوية وبرية أخرى أسمتها “مخلب النسر”، قبل أن تستهل العام 2021 بعدة عمليات ضد “حزب العمال”، إذ نفذت في شهر شباط/ فبراير من ذات العام، عملية أطلق عليها اسم “مخلب النسر-2″، عبر ضربات جوية، ونشر جنود أتراك جرى حملهم بالمروحيات، ما أثار ردود فعل سياسية واسعة باعتباره انتهاكا للسيادة العراقية.

يذكر أن العمليات العسكرية التركية، تسببت -ولا تزال- بسقوط العشرات من القتلى والجرحى المدنيين من سكان المناطق الحدودية العراقية، فضلا عن إحداث أضرار كبيرة بالممتلكات العامة والخاصة.

اقرأ/ي أيضا: أنقرة مُطالبَة باعتذار لبغداد وشكوى عراقية لدى “مجلس الأمن”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.