تحركات دبلوماسية تشهدها المنطقة العربية مؤخرا، فيما يبدو أنه إعادة إنتاج محاور عربية جديدة مبنية على محاولات لطي السنوات السابقة من قبل بعض الدول بما حملته من خلافات، فيما يتوجه جزء من هذه التحركات نحو دمشق، وسط محاولة الوصول لهدف رئيسي وهو إعادة الأخيرة إلى الجامعة العربية، وإبعادها عن المحور الإيراني.

ويصف خبراء ما يجري من تحركات بأنها غير استراتيجية، فمعظم الدول العربية من جهة ودمشق من جهة أخرى لا يثقون ببعضهم، وبالتالي فإن الحركة الدبلوماسية النشطة لا تعدو كونها استدارة آنية، وليست مصالحات عربية مستدامة، فمنذ زيارة وزير خارجية الإمارات، عبدالله بن زايد لدمشق في نهاية العام الماضي، وما تبعها من زيارات متبادلة مع دمشق وفتح للسفارات، وصولا لزيارة وزير الخارجية الجزائري اليوم لدمشق، لم تتغير مواقف الدول العربية الرئيسية من عودة دمشق للجامعة العربية، كما لا تزال مواقف الولايات المتحدة والدول الغربية ترفض التطبيع مع الأسد، وتستنكر قيام دول عربية بإعادة العلاقات معها، لتبرز تساؤلات حول جدوى هذه العلاقات، وهل ستتوقف عند كونها علاقات ثنائية، أم ستتمكن من إعادة سوريا إلى الحضن العربي.

علاقات ثنائية أم تطبيع؟

وزير خارجية الجزائر، رمطان لعمامرة، وصل ظهر اليوم الأحد، إلى دمشق قادما من بغداد، في زيارة يرافقه فيها وفد رسمي، الزيارة جاءت بعد مرور أقل من شهر على زيارة الوزير المقداد، إلى الجزائر حيث شارك في احتفالات الذكرى الستين للاستقلال، وأجرى لقاءات مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ووزير الخارجية.

وبحسب برنامج الزيارة، فمن المقرر أن يلتقي الوزير الجزائري، بوزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، ثم بالرئيس بشار الأسد، حيث ستتركز المباحثات على القمة العربية المرتقبة في الجزائر، والعلاقات الثنائية بين البلدين.

الكاتب السياسي صدام الجاسر، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن زيارة الوزير الجزائري وغيره من المسؤولين العرب سواء كانت علنية أو سرية، فهي لا تصب في خانة إعادة العلاقات الثنائية التي يجب أن تعود عن طريق الجامعة العربية، التي ترفض دول فيها إعادة العلاقات مع حكومة الأسد، لذلك تسعى هذه الدول لاختراق الجامعة وإقامة علاقات فردية مع دمشق لاستعادتها إلى الحضن العربي كما تعتقد.

وأضاف الجاسر، أن هذه العلاقات لا ترقى لأن تكون علاقات رسمية، إنما هي محاولات للتطبيع مع دمشق في ظل رفض عربي وغربي لهذا التطبيع، ولكن بعض الدول كالجزائر وتونس وموريتانيا تعمل على فك العزلة عن دمشق، بسبب الارتباط التاريخي بينها وبين سوريا، والذي يعود إلى حقبة إنشاء أجهزة مخابرات هذه الدول ودور المخابرات السورية في إنشائها وتدريبها.

إقرأ:دور خليجي خجول في سوريا.. ما أهدافه؟

لا يمكن فصل العلاقة الإيرانية السورية

العلاقات العربية السورية، شهدت خلال السنوات الثلاث الماضية تحولات مختلفة، ففي الوقت الذي أعادت فيه بعض الدول علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، لا تزال تصر دول أخرى على عدم إعادة العلاقات إلا وفق شروط محددة، أبرزها التوصل لحل سياسي للأزمة السورية، وقطع العلاقات السورية مع إيران أو الحد منها.

ولكن خلال هذه السنوات، لم ينتج عن العلاقات التي عادت مع حكومة دمشق أي آثار إيجابية على هذه الدول أو على سوريا، وخاصة الشعب السوري، وعلى الرغم من أن بعض الدول تصر على ترقية علاقاتها مع دمشق كما فعلت البحرين مؤخرا بتعيين سفير فوق العادة لها في دمشق، واليوم زيارة وزير خارجية الجزائر.

وفي هذا السياق، يرى الجاسر، أن التفكير بإبعاد دمشق عن طهران تفكير عقيم، فقد حاولت عدة دول عربية قبل الجزائر ومنها مصر ودول خليجية فك ارتباط دمشق بطهران، إلا أنها فشلت فشلا ذريعا، حيث تبين أن الارتباط بينهما هو ارتباط وجودي، والتحالف بينهما عميق وقديم يعود إلى ثمانينات القرن الماضي، أي لا يمكن فصل مساريهما.

وأوضح الجاسر، أن طهران تعلم بأن فك ارتباطها بدمشق يعني انتهاء مشروعها الإقليمي، لذلك تعمل بشكل كبير على السيطرة على القرار السياسي والاقتصادي والعسكري في سوريا، ومن جهة ثانية، تعلم حكومة دمشق، أن فك ارتباطها بطهران يعني السقوط الحتمي لها، لذلك لن تستطيع الدول العربية فك الارتباط، أو حتى تحديده بين الطرفين، وبالنظر إلى الواقع، فالعلاقات بين دمشق وطهران تتطور بشكل كبير وإيران تزيد من تغلغلها في سوريا حتى اجتماعيا وثقافيا.

وفي حديث سابق لـ”الحل نت”، أوضح الكاتب السياسي، حسان الأسود، أن ما تقوم به الدول العربية، هو جزء من الإجراءات أو الخطة التي تقوم على مقاربة خليجية ومصرية وأردنية، لاحتواء حكومة الأسد، ومحاولة إبعادها عن إيران.

وأوضح الأسود، أن هذه المحاولة ستبوء بالفشل، لأن ارتباط دمشق بطهران ارتباط بنيوي، ولا يوجد هناك أي مغريات تدفع الأسد للتخلي عن هذا الحلف الاستراتيجي، فالأسد يلعب على التناقضات بين روسيا وإيران، ومصالحهما بالدرجة الأولى، ويبتز الخليج ودول المنطقة بأكملها من خلال الوجود الإيراني في سوريا، فهو لديه ورقة ضغط قوية لا يمكنه التنازل عنها.

وكان الرئيس السوري بشار الأسد، كشف خلال لقاء أجرته معه مؤخر قناة “روسيا اليوم”، عن استمرار العلاقات مع دول عربية عديدة بعد العام 2011، من بينها دول سحبت بعثاتها الدبلوماسية من دمشق، مشيرا إلى أن بعض شركاتها تشارك الآن في “عملية إعادة الإعمار” رغم العقوبات الغربية.

وحول علاقته مع إيران، شدد الأسد، على أن علاقته مع إيران “لا يمكن أن تحددها أي دولة”، مضيفا أن “الدول التي تطلب قطع علاقتنا مع إيران هي نفسها اليوم تحاور إيران”.

قد يهمك:دور خليجي جديد في سوريا.. ما التوقعات؟

العلاقات العربية السورية إلى أين مع القمة المقبلة؟

منذ تموز/يوليو 2021 ، خطوات تطبيع دول عربية مع دمشق بدأت بالتسارع، لا سيما من جانب الأردن والإمارات ومصر وعُمان، والجزائر، متمثلة في لقاءات متبادلة، واتفاقات وتفاهمات اقتصادية.

وتعتبر الإمارات، أول دولة عربية تطبع علاقاتها الدبلوماسية مع حكومة دمشق، وتفتح سفارتها في العاصمة السورية عام 2018، بعد إغلاق استمر سبع سنوات.

ومن المقرر أن تُعقد القمة العربية القادمة في الجزائر، في 1 و2 من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وستكون القمة الأولى منذ العام 2019، حيث تم تأجيلها عامي 2020 و2021 بسبب انتشار جائحة “كورونا”، وسط توقعات بغياب دمشق عنها، ومحاولات عربية لحضورها.

فعلى هامش لقاء تشاوري لوزراء الخارجية العرب، جرى في بيروت مطلع الشهر الجاري، أكد وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، على أن بلاده “لا تمانع في عودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، ولا مشكلة لديها في ذلك”.

ويرى صدام الجاسر، أن مستقبل العلاقات العربية السورية، سيكون على قسمين، قسم يحاول فك العزلة عن دمشق، والآخر رافض لذلك، مبيّنا أنه ستكون هناك علاقات بين دمشق والجزائر وتونس وموريتانيا، إلا أن دول الخليج والسعودية ترفض عودة هذه العلاقات حاليا وفي المستقبل المنظور.

وأوضح الجاسر، أنه لا يمكن لدمشق حضور القمة العربية في ظل الرفض من قبل دول كبرى كمصر والسعودية وغيرها، وإن حصل ذلك فلا بد أن يكون الثمن الذي ستدفعه دمشق باهظا، وهو فك الارتباط مع طهران، أو تقديم تنازلات كبيرة بهذا الشأن لن يكون بمقدور حكومة دمشق تقديمها.

إقرأ:مصانع إيرانية جديدة في سوريا.. ماذا بعد ذلك؟

محاولات عربية إنعاشية لبث الروح بالعلاقات مع دمشق، في ظل تبدل وتطور في العلاقات في المنطقة والعالم، لكن دمشق حتى الآن لم تبد أي بادرة لتطوير علاقاتها مع العرب، في مقابل إصرارها على البقاء في ما يعرف بحلف المقاومة الإيراني، في حين يبقى السوريون ضحية هذه السياسات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.