محاولة أخرى، ضمن جهود الاتحاد الأوروبي، بغية إعادة إحياء الملف النووي الإيراني المستعصي حتى بعد انتقال مقره من فيينا إلى الدوحة، قدم وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، مسودة تسوية بشأن البرنامج النووي الإيراني، وذلك لتجنب “أزمة خطيرة”، حيث إن جمود المفاوضات على مدار فترات أطول، سوف يؤدي إلى امتلاك إيران لقنبلة نووية، التي أصلا باتت على مقربه منه.

لذلك يجدر التساؤل عن إمكانية نجاح وقبول الأطراف المتفاوضة بشكل غير مباشر (إيران وأميركا) للمقترحات المقدمة، وعن مدى إمكانية نجاحها إذا قوبلت بإيجابية، وخطورة فشلها، خاصة بالنسبة للمنطقة.

عدم جدوى الحل الوسط

مقترحات بوريل، تتمثل في رفع العقوبات المفروضة على إيران والتدابير النووية اللازمة لإحياء الاتفاق النووي، كما ويتناول كل العناصر الأساسية، ويتضمن تسويات استحصلت عليها جميع الأطراف بصعوبة، إلى جانب تحذيره من أنه في حالة الرفض “فنحن نجازف بحدوث أزمة نووية خطيرة”.

بدوره، كتب المفاوض الإيراني علي باقري، الثلاثاء، في تغريدة على منصة “تويتر“: “المنسق (جوزيف بوريل) شارك أفكاره بشأن إتمام المفاوضات. نحن أيضا لدينا أفكارنا الخاصة، سواء من حيث الجوهر أو الشكل، لإتمام المفاوضات”.

ضمن هذا السياق، لا يعتقد الكاتب والمحلل المتخصص بالشأن الإيراني، مصطفى النعيمي، أن “هنالك جدوى من عملية التفاوض مع إيران في ظل انتهاكاتها المستمرة لضوابط عملية العودة إلى التفاوض، بدءا بإطفاء الكاميرات التي وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية وصولا إلى إنتاج أجهزة الطرد المركزي IR6 والتي بموجبها تم رفع مستوى تخصيب اليورانيوم بنسب تجاوزت 80 بالمئة وفقا للإعلام الرسمي الإيراني”.

ووفق تقدير المتخصص بالشأن الإيراني، الذي تحدث لـ”الحل نت”، “هذا بحد ذاته يعتبر انتهاك خطير فكيف سيستقيم مسار التفاوض في ظل انتهاك الاتفاقيات الدولية، إضافة إلى إطلاق التهديدات المستمرة بأنها باتت على مقربة من إنتاج القنبلة النووية، إضافة إلى عمليات تهريب السلاح إلى أذرعها المنتشرة في الشرق الأوسط والتي تستخدمهم كمصدات أمنية متقدمة للضغط على الولايات المتحدة وحلفائها، إضافة إلى إرباك خطوط الملاحة البحرية في مياه الخليج العربي وبحر العرب، ومنه إلى البحر الأحمر وصولا إلى الأبيض المتوسط”.

قد يهمك: الاتفاق النووي الإيراني.. لماذا انتقل مقر المفاوضات من النمسا إلى قطر؟

خطورة فشل المقترحات

في إطار خطورة فشل المقترحات، أضاف النعيمي، “لا أرى بأنه وفقا للمنظور الحالي، نجاح أية تفاهمات في ظل الانتهاكات الإيرانية لكن في حال الفشل وهو السيناريو الأخطر، فما زال الجانب الإسرائيلي يهدد وعلى لسان مسؤوليه بأنهم سيعملون منفردين في حال لم ينجح مسار الملف التفاوضي، واستمرار إيران في عبثيتها المستمرة ومماطلتها في الانصياع إلى تحقيق الالتزامات المبرمة معها، لما يخص البرنامج النووي إضافة إلى الباليستي وصولا إلى ملف المسيرات، الذي بات يرهق المنطقة بشكل كبير”.

وأشار النعيمي، أنه ربما قد يهدد خطوط الملاحة البحرية في المضائق البحرية وذلك نظرا لما تتمتع به ميليشيا طهران من قدرة وسرعة على المناورة البحرية من خلال ذراعها “الحرس الثوري”.

ورغم كافة الضربات الإسرائيلية، وفق النعيمي، وانتقال الرؤية العسكرية الإسرائيلية من سياسة جز العشب إلى الحرب السيبرانية، ومن ثم استخدام سياسة حرب الظل بالوكالة، والتي أتاحت لها الوصول إلى حرب الظل المباشرة في العمق الإيراني، وكان آخرها اعتقال “يد الله خدمتي” مساعد “اللواء علي أصغر نيروزي”، المتهم بتهريب الأسلحة، والمسيرات إلى الأذرع الإيرانية في الشرق الأوسط.

إلى جانب إجراء تحقيق معه من قبل عناصر الموساد الإسرائيلي وتوصل الموساد من خلال التحقيقات، إلى تحديد العديد من نقاط تخزين السلاح في سوريا وتحديد شركة “قشم آير” التابعة “للحرس الثوري الإيراني” في عملية نقلها للأسلحة الدقيقة إلى الميليشيات العاملة في سوريا ولبنان عبر 3 مطارات “مطار دمشق الدولي – مطار تي فور – مطار حماة”، والتي منحت إسرائيل مروحة أهداف جديدة تضاف إلى بنك الأهداف الذي يتم رصده بشكل حثيث من قبل سرب الطائرات “جولف ستريم نحشون” الإسرائيلي المختص بعمليات الاستخبارات الإسرائيلية، على حد تعبير النعيمي.

ووفق مراقبين، فإن الملف النووي الإيراني يراوح مكانه بسبب عدة أزمات ووجود قضايا ما تزال عالقة ومرتبطة بالسياسي والإقليمي، إلى جانب الجوانب الفنية داخل النووي الإيراني، لكن، هناك محاولة أوروبية الآن لإيجاد بوابة آمنة للخروج من تلك الأزمة والعبور من الانسداد، وربما مسودة بوريل والمعروفة بـ”مسودة التفاهم” محاولة ضمن محاولات عديدة، لإنهاء صيغة مرضية بشأن إحياء خطة العمل المشتركة.

لكن، ثمة مخاوف عديدة من أن تؤدي تصاعد العمليات الاستخبارية بين إسرائيل وإيران إلى توتير الأوضاع، ومن ثم تعيق الأزمة النووية خاصة أن طهران عاجزة عن الرد حتى الآن وتواصل أنشطتها التوسعية إقليميا، كما هو الحال في اليمن واستهداف الحوثي للرياض وشركة “أرامكو” النفطية، وبالتالي هناك ضرورة سياسية لوضع حد لهذا التّفلت، وإنهاء إحياء اتفاق 2015.

وذكر بوريل، في مقال نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز”، إن الاتفاق المبرم عام 2015 “ليس مثاليا”، لكنه “يمثل أفضل اتفاق أعتبره ممكنا، بصفتي وسيطا في المفاوضات”.

وكتب في المقال إن “استعادة التنفيذ الكامل للاتفاق الآن” يمكن أن يحقق الفوائد السابقة منه، بما في ذلك “القيود الصارمة على قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، والمراقبة الدقيقة للوكالة الدولية للطاقة الذرية.. ومكاسب اقتصادية ومالية كبيرة بالإضافة إلى تعزيز الأمن الإقليمي والعالمي. إن رفضها يضمن خسارة في كلا الحسابين من يدري إلى متى”.

مراوغة إيران

في سياق متصل، أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، إلى أن الأمر يعود لإيران لتوضيح ما إذا كانت “مستعدة للانخراط بشكل بنّاء، وأن تضع جانبا القضايا الغريبة، والتحدث بنية حسنة بشأن الاتفاق النووي الموجود على الطاولة منذ بعض الوقت”.

وأضاف برايس، لموقع “الحرة” قائلا: “نحن مستعدون للدخول مجددا في خطة العمل الشاملة المشتركة على قاعدة العودة المتبادلة، ولكن متبادلة تعني من قبل الطرفين، وعلى الإيرانيين أن يفعلوا نفس الشيء، ولم نرَ بعد حتى اليوم الإيرانيين يشيرون إلى أنهم مستعدون للقيام بذلك”.

ووفق الخبراء الذين تحدثوا في وقت سابق لموقع “الحل نت”، فإن إيران “تلجأ في الظروف الضاغطة لها عادة إلى استخدام سياسة الخداع والتّستر لكسب الوقت. وبالفعل فقد سرّبت مؤخرا أنباء عن استعدادها للتراجع عن مطالبتها بسحب “الحرس الثوري الإيراني” من قائمة الإرهاب، ولكن، فإن الهدف وراء كل هذا هو محاولة الالتفاف على هذه الموجة بالإيحاء، بأن إيران مستعدة لتقديم تنازلات، حيث تم استخدام نفس السياسة عدة مرات بسبب سياسة التهدئة والاسترضاء المتّبعة من جانب الغرب”.

من جانبها، ذكرت وكالة “تسنيم” الإيرانية، يوم الاثنين الفائت، نقلا عن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، أن طهران لن تشغل كاميرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أزالتها في حزيران/يونيو حتى يتم إحياء الاتفاق.

وأبلغت طهران، الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها أزالت معدات تابعة لها، من بينها 27 كاميرا تم تركيبها بموجب الاتفاق، بعد أن مررت الوكالة قرارا ينتقد طهران في حزيران/يونيو.

على طرف آخر، تحذر قوى غربية من أن إيران تقترب من صنع قنبلة نووية بينما تنفي إيران رغبتها في ذلك، وتعثرت المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، بشأن إحياء اتفاق 2015 منذ آذار/مارس الماضي.

وعليه، لن تتنازل إيران عن شروطها التي رفضتها واشنطن سابقا، فلا غرض لها أو هدف سوى خداع المجتمع الدولي بأساليبها المعتادة، وكسب الوقت من الضجة التي أحدثتها بشأن استعدادها لاستئناف المفاوضات في قطر. فحقيقة الأمر، إذا كانت طهران جادة في مفاوضاتها، فلماذا لم تتفاوض منذ سنوات عديدة. لذلك، وبحسب مراقبون، فمن المرجح أن يتم مماطلة المفاوضات أكثر مما هي عليه من قبل طهران، وبالوقت نفسه ستكون طهران، قد كسبت المزيد من الوقت في إطار استكمال ومتابعة قنبلتها النووية، وبالتالي حدوث تصعيد وتوترات أكثر في المنطقة، خصوصا من إسرائيل التي استهدفت إيران منذ فترة من عدة جبهات، سواء كانت تستهدف نقاط نفوذها في سوريا أو سلسلة الاغتيالات الأخيرة في قلب العاصمة الإيرانية.

قد يهمك: بعد أولى جولات “المفاوضات النووية الإيرانية” في قطر.. ما الجديد؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.