في خضم الوضع المأزوم سياسيا وإقليميا؛ لاسيما تلك المتعلقة بالملف النووي الإيراني، واستعصاء مفاوضات فيينا، نتيجة فشل الأطراف في التوصل إلى صيغة مشتركة. إلى جانب الوضع الاقتصادي المنهار في إيران، والاحتجاجات الشعبية إزاءه، وكذلك الاستهدافات الأخيرة التي طالت قادة “الحرس الثوري الإيراني” من قبل إسرائيل، واستمرار التهديدات المحتملة ضدها من قبل إسرائيل وأميركا وبعض دول المنطقة، خاصة مع طرح فكرة مشروع “ناتو شرق أوسطي” مؤخرا؛ يبدو أن إيران اتجهت إلى سياسة، أو ربما حل بديل، وهو طلب وساطة من دولة قطر، عبر نقل المفاوضات النووية الإيرانية من فيينا إلى الدوحة.

لكن، مع هذا التغيير غير المسبوق ثمة تساؤلات حول سبب نقل مقر المفاوضات النووية الإيرانية من فيينا (النمسا) إلى الدوحة (قطر)، وأثر ذلك على سير المفاوضات، والتبعات المتوقعة على مسار، ونتائج المفاوضات.

بطلب إيراني دون وساطة

بعد أشهر من التوقف في مفاوضات فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، أكد محمد مرندي، المستشار الإعلامي لفريق التفاوض الإيراني في فيينا، أنباء اختيار قطر مقرا جديدا للمفاوضات، لاسيما المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن.

وأضاف مرندي، يوم أمس الإثنين، أن “إيران اختارت قطر لتكون الدولة المضيفة للمحادثات لأنها صديقتنا”. وتابع أن “استئناف المحادثات النووية لا يعني الاقتراب من إحياء الاتفاق النووي”، وأن “الأميركيين لم يتخذوا القرارات اللازمة حتى الآن”.

ونقلت “رويترز” عن مصادر مطلعة قولها إن المبعوث الأميركي الخاص بإيران، روبرت مالي، وصل الدوحة 27 حزيران/يونيو الجاري، وأن علي باقري كني، كبير المفاوضين الإيرانيين سيكون في العاصمة القطرية يوم 28 حزيران/يونيو الجاري، أي اليوم الثلاثاء.

ضمن الإطار ذاته، يعتقد الباحث في الشأن الإيراني، ناجي أبو فاروق، أن “إيران طلبت الوساطة من قطر للتفاوض المباشر مع أميركا من دون أي وساطة أوروبية”.

وأردف الباحث في الشأن الإيراني لـ”الحل نت”، “برأيي بعد بعض تحركات أميركا، والدول الغربية، لا سيما التي تمثّلت في طرح ابن رضا شاه ملك إيران السابق كبديل للنظام الحالي، ودعمه بالإعلام الإيراني، والتلويح بتكوين معارضة قوية، وسط الزيارات المتكررة لبعض المسؤولين الأميركيين لمخيم مجاهدين خلق في ألبانيا، فضلا عن اغتيالات ضباط كبار في الحرس الثوري، مما أدى إلى تغيير رئيس جهاز استخبارات الحرس، وأيضا تغيير المتحدث باسم الخارجية يوم أمس الاثنين، وكذلك الوضع الاقتصادي المتدهور وهبوط الريال الإيراني مقابل الدولار على نحو غير مسبوق، وكذلك الاحتجاجات الشعبية اليومية، والمستمرة في إيران لعدة شهور، واستياء الشعوب المختلفة في جغرافيا إيران، كلها ستساهم في شعورها بالخطر إذا ما استمرت بإصرارها على موقفها”.

كذلك يرى الكاتب والمحلل السياسي ميّار شحادة، بأنه من حيث المبدأ تجمدت المفاوضات في فيينا بسبب الطلبات الإيرانية الصعبة، لكن بامتلاك طهران قدرات نووية بدون قوة اقتصادية، وما إلى ذلك ستكون عديمة الجدوى، وبالتالي ونتيجة للمطالب الإيرانية التي لم يتفق عليها الجانب الأميركي، تعثرت المفاوضات في عدة جولات، وتوقفت بشكل شبه كامل.

ومن أبرز المطالب الإيرانية، وفق المحلل السياسي الذي تحدث لـ”الحل نت”، شطب “الحرس الثوري الإيراني” من قائمة الإرهاب الأميركية، وبالتالي في حال موافقة أميركا على هذا الطلب، فإن ذلك سيسهل تحركات “الحرس الثوري”، لكن هذا سيجعلهم في مرمى الاستهدافات الإسرائيلية، خاصة وأن الأخيرة قامت باستهداف عدة قادة من الحرس، وقادة مقربين من الخامنئي نفسه، مؤخرا.

لذلك، تم رفض هذا الطلب من جهة، ومن جهة أخرى ليس فقط لأن الإدارة الأميركية الحالية بقيادة جو بايدن (الحزب الديمقراطي) ترفض عزل “الحرس الثوري”، ولكن هناك جمهوريون ينتظرون انتخابات التجديد النصفي الأميركية للكونغرس، وبالتالي لن يوافق مجلس الشيوخ الأميركي على هذا الطلب، لأن الكونغرس نصفهم من “الحزب الجمهوري”.

أما المطالب الأميركية، وفق المحلل السياسي، فكانت وقف الدعم للميليشيات الإيرانية الموجودة في المنطقة، وقد قوبل ذلك أيضا برفض إيراني، وأدى هذا الأمر إلى تدخل إسرائيلي مباشر، “رأينا كيف قصفت إسرائيل مؤخرا عدة مناطق في سوريا وأهمها مطار دمشق الدولي، وأعلنت إسرائيل علنا تهديدها لإيران، خاصة عندما هددت باستهداف القصر الرئاسي السوري”.

لذلك، أصبحت المفاوضات في وضع حرج، وفق شحادة. وبالتزامن مع انشغال واشنطن بالحرب الأوكرانية، بدأت إسرائيل هنا بالتحرك، عندما قامت بزيارات عديدة، وطرح فكرة مشروع “ناتو شرق أوسطي” لردع النفوذ الإيراني.

وبحسب اعتقاد شحادة، فإن “قطر ربما لديها فكرة قريبة من عمان، وبالتالي قد تتفاوض مع إسرائيل بشكل فردي. كما أن قطر لديها علاقات جيدة مع طهران، نتيجة المقاطعة الخليجية التي أوجدت هذا التقارب القطري الإيراني. ومن هنا إيران طلبت من قطر التوسط في المفاوضات على أساس، أن علاقة قطر مع الأميركيين قوية، لا سيما الديمقراطيون إدارة بايدن الحالية، لذا تحاول إيران الاستفادة من علاقات قطر”.

قد يهمك: تطور جديد في المحادثات الدبلوماسية بين إيران والسعودية

مسار المفاوضات وتبعاتها

تم اختيار قطر الحاضنة الجديدة للمحادثات النووية، يأتي بعد أيام على زيارة مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، إلى طهران.كما ورفض مرندي التعليق على أسباب رضوخ إيران لاستئناف المحادثات، ولكنه قال: “الأميركيون، وكذلك الأوروبيون، يعرفون أن وضعهم أصبح أكثر صعوبة بسبب حرب أوكرانيا، لذا فإن التوصل إلى اتفاق يصب في مصلحة أميركا”.

وبالعودة إلى المحلل السياسي، شحادة، يرى أن “زيارة بوريل، إلى إيران كانت لأهداف أخرى، وليس فقط لإعادة تنشيط المفاوضات النووية، وإنما لإعادة إيران إلى سوق النفط وباتفاقية جديدة، خاصة أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى المشتقات النفطية قبل بداية فصل الشتاء البارد، وبالتالي الاتحاد الأوروبي وأميركا يريدون تخفيف سعر النفط عبر اتفاقية جديدة مع إيران وحتى فنزويلا”.

وعن المفاوضات التي ستنتقل إلى قطر، أردف شحادة لـ “الحل نت”: “أتوقع أن تكون على غرار الاتفاقيات المؤقتة الصغيرة، والمؤقتة على المستوى الاقتصادي من حيث الطاقة، لأن واشنطن ستدخل المفاوضات بنفس أقوى، إذا جرت هذه المفاوضات في الدوحة، لأن زيارة بايدن المرتقبة للمنطقة، مطروح فكرة تشكيل ناتو شرق أوسطي لردع إيران، وبالتالي ستدخل واشنطن بأدوات قوية أمام إيران للتفاوض”.

الرأي ذاته اتفق عليه الباحث في الشأن الإيراني، أبو فاروق، مضيفا أن “الظروف الصعبة التي تمر بها إيران، تجبرها على قبول شروط أميركا، بشرط بقاء النظام الإيراني الحاكم في السلطة ،وتسليم أمواله المجمدة. والمتوقع هو أن إيران ستتخلى عن التخصيب، ولا تشترط خروج الحرس من قائمة الإرهاب كما كان في السابق”.

في غضون ذلك، دعت فرنسا، يوم أمس الاثنين، على هامش قمة مجموعة السبع في ألمانيا، الدول المنتجة للنفط مثل إيران، وفنزويلا إلى زيادة الإنتاج “بشكل استثنائي” لاحتواء ارتفاع أسعار النفط بعد حرب أوكرانيا.

ومن جهته، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، يوم أمس الإثنين، إن بلاده ستتعاون مع القوى العالمية للتأثير على أي اتفاق قد يتم التوصل إليه في المحادثات النووية الإيرانية.

قد يهمك: قمة جديدة لـ”الناتو”.. ما أهدافها؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.