اشتعل غضب العراقيين مجددا بسبب الانتهاكات التركية للعراق، بعد أن كررت أنقرة استهداف للأراضي العراقية، التي ترتبط معها بشريط حدودي يمتد لأكثر من ثلاثمئة وستين كيلومترا، ما أدى لسلب حياة عراقيين أبرياء، بينهم أزواج جدد، وطفلة لا يتجاوز عمرها خمسة أعوام، خلال قصف صاروخي طال منتجعا سياحيا في قرية “برخ” بمحافظة دهوك شمالي العراق، في العشرين من شهر تموز/يوليو الماضي.

وعلى الرغم من الموقف الرسمي للدولة العراقية، وتصعيدها ملف الانتهاكات التركية للعراق أمام مجلس الأمن الدولي، الذي عقد جلسة طارئة في السادس والعشرين من تموز/يوليو، إلا أن الضبابية والصمت يخيمان على موقف بعض الأحزاب السياسية العراقية. ما يثير كثيرا من الأسئلة عن سبب هذا الصمت.

الصفقة التي “يسّرت الانتهاكات التركية”!

مراقبون ومحللون كشفوا لـ”الحل نت” ما سموه “خبايا صفقات واتفاقات، أبرمها قادة سياسيون عراقيون، ممن يحملون الجنسية التركية، مع أنقرة، تجبرهم على غض الطرف عن الانتهاكات التركية للعراق”.

ففي الفترة، التي سبقت انتخابات تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بلغ الصراع السياسي أشده بين قيادات سياسية سنية، خاصة محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان العراقي، وخميس الخنجر، رئيس “تحالف عزم” سابقا. ووصل الصراع إلى كيل الاتهامات والتراشق الإعلامي المتبادل، وهو ما يسمى في العراق بـ”التسقيط السياسي”، الذي يزداد دائما قبل الانتخابات.

إلا أن اتفاقا أُبرم في العاصمة التركية أنقرة أوقف كل ذلك. وتكشف مصادر مطلعة على حيثيات الاتفاق أن “الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رعى اتفاقا بين طرفي الصراع داخل البيت السياسي السني، أطفأ بموجبه الحرب الإعلامية والانتخابية بينهما”.

وتضيف المصادرُ أن “الاتفاق لم يكن مجانيا، بل قدم هذان التحالفان ما اعتُبر (شيكا على بياض) للجانب التركي، للاستثمار والاستحواذ على أغلب المشاريع الكبرى في المدن العراقية المحررة، بدءا من الموصل وصولا إلى الأنبار وصلاح الدين، مقابل ضمانة الرئيس أردوغان بالتزام التحالفين ببنود الاتفاق، الذي يقضي بتحاصص الوزارات والمناصب في المحافظات المحررة والهيئات المستقلة والوكالات والسفارات، خلال الفترة التي تسبق وتعقب تشكيل الحكومة العراقية”.

وكان وزير التجارة العراقي علاء الجبوري قد أعلن من اسطنبول في العام الماضي أن “هنالك إجراءات جديدة مع تركيا، تسهّل دخول المستثمرين ورجال الأعمال من القطاع الخاص بين البلدين”.

وكشف الوزير أن “حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا، منذ العام 2016 ولغاية شهر أيلول/سبتمبر من العام 2021، بلغ ثلاثة وسبعين مليار دولار أمريكي، وذلك رغم الظروف الاقتصادية العالمية، التي تأثرت بشكل سلبي جرّاء جائحة كورونا”.

ويؤكد كثير من المراقبين أن الصراع الداخلي على عائدات هذه الاستثمارات الضخمة قد يكون أحد أهم أسباب السكوت عن الانتهاكات التركية للعراق.

مطار الأنبار الدولي والقادم “أدسم”

وتلفت مصادر “الحل نت” إلى أن “مشروع مطار الأنبار الدولي، والبالغ قيمته أربعمائة وخمسين مليار دينار عراقي، كان على رأس قائمة المشاريع الاستثمارية الممنوحة لشركات تركية، إلى جانب مشاريع المستشفيات والطرق والجسور والبنى التحتية الأخرى، التي مُنحت لشركات تركية في الموصل”.

وتردف المصادر أن “مطار الموصل، وعلى الرغم من إحالته للتنفيذ بقرض فرنسي بقيمة ثلاثمئة مليون دولار، إلا أن التلكؤ الحاصل في إنجازه يعود لخلاف بشأن الشركة المنفذة، بالتزامن مع دخول شركات تركية على الخط، ومحاولات أطراف سياسية تجيير مشروع المطار لصالح تلك الشركات”.

وتُطرح تساؤلات كثيرة عن كيفية مواجهة الانتهاكات التركية للعراق، في الوقت الذي تشرف فيه أنقرة على بناء بنى تحتية بأهمية المطارات في المحافظات العراقية المحررة.

“لا أساس اقتصادي وسياسي لمواجهة الانتهاكات التركية للعراق”

وفي هذا السياق، يقول علي أغوان، أستاذ العلاقات الدولية، لـ موقع”الحل نت”، إن “تركيا تريد استمرار تبعية العراق الاقتصادية لها، والهيمنة على قطاعات الزراعة والصناعة، بحجة وذريعة مواجهة حزب العمال الكردستاني وورقة المياه، لا سيما وأن الميزان التجاري بين العراق وتركيا يبلغ أكثر من عشرين مليار دولار. وكل هذا يجعل مواجهة الانتهاكات التركية للعراق دون أساس اقتصادي”.

من جانبه، يرى أحمد الصوفي، النائب عن “تحالف دولة القانون” الموالي لإيران في البرلمان العراقي، أن “أحزابا سياسية بارزة متواطئة مع الجانب التركي، وتلوذ بالصمت عن الانتهاكات التركية للعراق، والقصف المتكرر للأراضي العراقية”.

 ويضيف، في اتصال هاتفي مع موقع “الحل نت”، أن “تبعية تلك الأحزاب يقوّض قدرة الحكومة العراقية على الرد والتصعيد، إزاء ما يقوم به الجيش التركي شمالي العراق”.

في المقابل، يؤكد الباحث والأكاديمي عقيل عباس، في اتصال مع “الحل نت”، أن “العراق لا يملك سياسة خارجية موحّدة، ولا حتى استراتيجية واضحة للتعاطي مع أي قضية أمنية حساسة، سواء الانتهاكات التركية للعراق، أو التعامل مع قوات حزب العمال الكردستاني الموجودة على أراضيه، والذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية. في الوقت الذي نرى فيه أجزاء من الدولة العراقية تتعاطى وتتحالف مع هذه المنظمة، وأخرى تتعاطف مع أنقرة”.

ويردف عباس أن “التفكك السياسي، وعدم وجود دولة قادرة على فرض قراراتها على جميع الأحزاب السياسية، أدى الى ضعف الموقف الخارجي تجاه الانتهاكات التركية للعراق”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.