اليوم، هو اليوم الدولي للشعوب الأصلية، ويعد العراق من بين أهم الدول في العالم المعنية بهذه المناسبة، كونه البلد الأقدم حضارة، وشعوبه الأصلية تعاني حاليا من خطر اندثارها وتلاشيها.

في 23 كانون الأول/ ديسمبر 1994، اعتمدت “الجمعية العامة للأمم المتحدة”، تاريخ 9 آب/ أغسطس من كل عام، يوما دوليا للشعوب الأصلية، وتكمن أهميته بالحفاظ على الشعوب الأصلية والأقليات في كل دولة.

اليوم يكاد العراق يفقد ثيمة التنوع التي تميزه، فأعداد الآشوريين والكلدان الذين هم من الشعوب الأصلية لبلاد ما بين النهرين، باتت تتلاشى لحد إمكانية فقدانها كليا في المستقبل القريب، ناهيك عن القلق السائد من إمكانية فقدان الأقليات في البلاد.

هناك نحو 16 طائفة وأقلية دينية وعرقية في العراق، لكن معظمها بدأت تتلاشى أمام الأغلبية، ولعل الأرقام التي سنوردها في الأسفل، خير مثال على شبه اضمحلال ثيمة التنوع الذي يميز بلاد الرافدين.

أرقام

المسيحيون في العراق تراجع عددهم من مليون ونصف قبل 2003، إلى 250 ألف نسمة اليوم، بضمنهم الآشوريين والكلدان.

الكاكائيون يتضاءل عددهم بشكل متسارع، فبعد أن كانوا 200 ألف نسمة في 2016، تراجع عددهم اليوم إلى 120 ألف نسمة.

الإيزيديون تراجع عددهم من 550 ألف نسمة منذ الإبادة الجماعية على يد تنظيم “داعش”، صيف عام 2014، إلى 325 ألف نسمة اليوم.

المندائيون الصابئة تراجع عددهم من 60 ألف نسمة في التسعينيات إلى 10 آلاف نسمة اليوم، وهم أكثر من يواجهون خطر اندثارهم كليا من العراق.

الزرادشتيون، ديانة اختفت بشكل كلي قبل 800 عام، قبل أن تعود منذ 7 أعوام للعلن في كردستان العراق، وعددهم 300 ألف نسمة، لكنهم يواجهون عدم الاعتراف بهم رسميا في العراق الاتحادي.

البهائيون تراجع عددهم بشكل كبير وتلاشيهن شبه سيتحقق، فلا يوجد منهم سوى بضع مئات لا يصلون إلى ألف شخص، ولا يعترف بهم رسميا، رغم أن البهائية كانت ديانة معترف بها إبان ااحكم الملكي للعراق.

تعسف وتطرف

“الحل نت” تواصل مع مدير “معهد دراسات التنوع في العراق”، والباحث بشؤون الأقليات، الأكاديمي سعد سلوم، لمعرفة أسباب هذا التراجع المريب في أعداد الأقليات والشعوب الأصلية في العراق.

يقول سلوم، إن السياسات التعسفية التي تتبعها الحكومات العراقية المتعاقبة هي وراء تراجع وجود الشعوب الأصلية والأقليات في العراق، يضاف لها التطرف والإرهاب ضد ديانات وأقليات بعينها.

سلوم يبين، أن الاضطهاد يصل لمستوى رسمي عند العراق، فدستوره لا يعترف سوى بـ 4 ديانات رسمية،، هي الإسلام والمسيحية والمندائية والإيزيدية، فيما يتجاهل بقية الأقليات الدينية والعرقية.

الدستور العراقي الدائم لعام 2005، لا يتضمن تسمية للأقليات والشعوب الأصلية، إنما يحتوي على مصطلح “مكونات”، وهو مصطلح عائم، لا يضمن الحقوق اللازمة للأقليات ولا يحافظ على التنوع من اندثاره، بحسب سلوم.

الحل لبقاء الأقليات؟

سلوم يردف، أن هناك ديانات تواجه إلى اليوم تعسفا رسميا، فالبهائية قام “حزب البعث” الحاكم آنذاك بحظرها في قانون رسمي عام 1970، ولا يزال القانون ساريا إلى اليوم، ومن كان يولد بهائيا بزمن “البعث”، يتم تسجيله مسلما في الهوية الرسمية.

ليست البهائية وحدها من تعاني من التعسف الحكومي، فالزرادشتية التي كان يعترف بها في دستور عام 1936 بأنها أقلية دينية، لا يعترف بها اليوم، وهي تنتشر في إقليم كردستان فقط؛ خشية من تبعات القانون العراقي بحقها، كما يقول سلوم، الباحث بشؤون التنوع الديني في العراق.

ويلفت سلوم، إلى أن الأقليات المعترف بها رسميا، واجهت التطرف والإرهاب بدل التعسف السلطوي، فأبناء الأقلية المسيحية هُجّروا قسريا إبان سنوات ما بين 2004 و2011، من خلال استهدافهم عبر جهات متطرفة وتنظيم “القاعدة” الإرهابي، وتفجير كنائسهم، الأمر الذي دفعهم للهجرة بشكل واسع.

ويوضح، أن الإيزيدية هي أحدث نموذج للتطرف من قبل “داعش” الذي ارتكب بحق أهلها إبادة جماعية بهدف إنهاء هذه الديانة، ورغم طرد “داعش”، إلا أن مئات الآلاف من الإيزيديين يرفضون العودة لبلدهم، خاصة وأن الحكومة لم تؤمن لهم أبسط الخدمات للعودة.

في النهاية، يقول سلوم، إن تلاشي شعوب العراق الأصلية وأقلياته مسألة وقت لا غير؛ إن لم يتغير المزاج الحكومي، وتكون هناك حكومة علمانية متفتحة على كل الطيف العراقي، وتضمن له حقوقه بقوانين تنصفه وفي دستور معدل يشملها، وتبعث برسائل طمأنة حقيقية لهم؛ لأنه لا قيمة للعراق من دون تنوعه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.