استعراض القوة الأرعن الذي قامت به الصين خلال الأيام القليلة الماضية بمحاصرتها لتايوان وإجراءاتها لتدريبات عسكرية في مختلف محاور الجزيرة، يُعبّر عن فشل سياسي واضح لبكين، حيث سعت بكين لإظهار تلك التحركات على أنها تصعيد لترهيب الجزيرة، إلا أنه في حقيقة الأمر يوضح تزايد إحباط بكين من تلاشي مطامعها في إحكام سيطرتها على تايوان.

بحسب تقرير لمجلة “ذا سبيكتيتور” البريطانية؛ اطلع عليه موقع “الحل نت”، فإنه من المرجح أن يظهر الرئيس الصيني، شي جين بينغ، باعتباره الخاسر الأكبر من نوبة الغضب العسكرية الصينية حول تايوان؛ حيث يمكن للأزمات أن توضح الأحداث، ولا يمكن أن تؤدي هذه الأزمة إلا إلى تعزيز العزيمة التايوانية، كما أنها ستزيد من الوعي العالمي بأهمية الجزيرة والطموحات العدوانية للحزب الشيوعي الصيني، والتي تتجاوز مضيق تايوان.

وبينت المجلة أن السفن والطائرات الصينية عبرت مرارا وتكرارا الخط الفاصل في مضيق تايوان، ولعبت السفن الحربية الصينية والتايوانية لعبة القط والفأر؛ حيث أوقف جيش التحرير الشعبي الصيني المناورات بعد أربعة أيام بهدف استئناف المزيد من التدريبات المحدودة، مما يشير إلى أنهم سيبقون على نفس الوتيرة على الأقل خلال الأسابيع المقبلة.

من المرجح أن يكون هدف الحزب الشيوعي الصيني من هذه المناورات هو إظهار قدرته على حصار تايوان وليس إجراء تدريب كامل على الغزو الذي يتطلب قوة تصل إلى مليوني جندي. ومع ذلك؛ كان الاضطراب الذي أصاب عمليات الشحن وشركات الخطوط الجوية طفيفا، في الوقت الذي يشكك فيه مراقبين في قدرة الجيش الصيني على تحمل مثل هذا الضغط.

تقرير المجلة بيّن بأنه “لا يمكن للبلطجة الصينية إلا أن تلفت الانتباه العالمي إلى الفجوة السياسية الآخذة في الاتساع التي تفصل بين جانبي مضيق تايوان، ويمكن القول إن تايوان هي أكثر ديمقراطيات العالم نجاحا”.

وأشارت المجلة إلى أن الوعي بالدور المحوري الذي تلعبه تايوان في اقتصاد التكنولوجيا الفائقة العالمي يتزايد؛ فهي تهيمن على إنتاج المعالجات الدقيقة الضرورية لحياتنا الرقمية، وتحتل مركز الصدارة في كل شيء من السيارات والهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة إلى الطائرات وأنظمة الأسلحة.

ولفتت المجلة إلى أن الترهيب الذي مارسته بكين مؤخرا سيؤدي إلى تسريع إعادة التفكير في تايوان في الدفاع عن نفسها، ولقد تأثر هذا الأمر بالفعل بالغزو الروسي لأوكرانيا، والذي أظهر كيف يمكن لدولة مستضعفة ذكية وحازمة أن تحبط طموحات خصم أكبر وأقوى بكثير، وتسمي تايبيه (عاصمة تايوان) هذا السياسة بـ “إستراتيجية النيص” المبنية على أنظمة أسلحة صغيرة ومتحركة وفتاكة للغاية، مثل الطائرات بدون طيار والألغام الذكية وأنظمة الصواريخ المصممة لزيادة تكلفة غزو صيني للجزيرة.

إقرأ:غزو صيني لـ تايوان.. ما الاحتمالات؟

استراتيجية المغامرة

مجلة “ذا سبيكتيتور” البريطانية، توضح أن الصين ستكون الخاسر الأكبر نتيجة نوبة الغضب العسكرية التي أصابتها تجاه تايوان، فهذه الأزمة ستجعل تايوان تتجه لتعزيز قدراتها للدفاع عن نفسها، وقد أظهرت التجارب أن دولا صغيرة قادرة على وضع حد للدول الكبيرة في مغامراتها غير المحسوبة كما في الغزو الروسي لأوكرانيا، لذا يبدو أن الصين تحذو حذو روسيا في مغامرة أيضا.

ومن الواضح أن الصين، تسعى لتوسيع نفوذها مستغلة الأوضاع الدولية والإقليمية الحالية، ولكن قد لا يدور في حسابات المسؤولين الصينيين أن هناك العديد من العوائق التي تقف في وجه طموحاتهم، خاصة بالنسبة لتايوان التي تلعب دورا محوريا في اقتصاد التكنولوجيا الفائقة العالمي المتزايد؛ فهي تهيمن على إنتاج المعالجات الدقيقة الضرورية للحياة الرقمية، وتحتل مركز الصدارة في كل شيء من السيارات والهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة إلى الطائرات وأنظمة الأسلحة.

وفي هذا السياق، يرى أستاذ العلاقات الدولية، د.سمير صالحة، خلال حديثه لـ”الحل نت”، إن استراتيجية التحرك الصيني ضد تايوان مرتبطة بلعبة التوازنات الإقليمية الحاصلة في المنطقة وفي آسيا ككل، والطرح الصيني في التعامل مع الملفات الإقليمية والدولية المرتبطة بخطة الصين للتوسع والانتشار بأكثر من بقعة جغرافية.

وأضاف صالحة، أنه لا يمكن فصل التصعيد الصيني عن التطورات الحاصلة في المناطق الأخرى، المرتبطة بالسياسة الروسية تحديدا، والذي سيؤدي نتائج غير محسوبة قد تنعكس سلبا على الصين.

ولفت صالحة، إلى أن هذا التنسيق الصيني الروسي الأخير، هو الذي يدفع الصين إلى هذه المغامرة على هذا النحو مع ملف تايوان، والذي لن تتمكن الصين من التحكم به كما تتخيل.

قد يهمك:مناورات عسكرية للصين قرب تايوان.. مقدمة لعمل عسكري؟

التفاف على الأزمة الداخلية؟

على عكس ما تحاول الصين إظهاره، من قوة اقتصادية تتمثل في الاقتصاد العابر للقارات، والتماسك الاجتماعي والسياسي، إلا أن هناك ضعفا في البنية الاقتصادية الداخلية والتي يعاني منها الشعب الصيني، أدت إلى وجود فوارق اجتماعية، وسخط سياسي من سيطرة الحزب الشيوعي على السلطة بالكامل، وهذا ما تعمل الصين على إخفائه مستغلة أي فرصة ممكنة لذلك.

وفي هذا السياق، يرى سمير صالحة، أن هناك نقطة مهمة جدا، وهي أن هذا التحرك الصيني لا يمكن فصله عن التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الداخل الصيني نفسه، حيث كان هناك أكثر من انفجار شعبي داخل المدن الصينية وهو مرتبط بهذه المسائل.

وهذا التصعيد التي تقوم به الصين بمواجهة تايوان، هو محاولة للالتفاف على أزمان الداخل ومحاولة لدفع الشارع الصيني للاصطفاف خلف قيادته السياسية عبر الترويج لأزمة أكبر في العلاقات مع الغرب وخاصة مع الولايات المتحدة، أي أن التهديدات الصينية لا يمكنها أن تتعدى الكلام بأحسن الأحوال.

إقرأ:تهديدات نووية عالمية بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا

مصير كارثي للصين

تقرير سابق لـ”الحل نت”، أشار إلى أن الصين لن تشن هجوما على تايوان لمجرد أن الصين لا تستطيع مواجهة الولايات المتحدة، لأنها ستواجه أيضا عقوبات أميركية وغربية مثلما فُرضت على روسيا أثناء غزوها لأوكرانيا، حسبما أوضح الكاتب والمحلل السياسي ميّار شحادة، خلال حديثه لـ”الحل نت”.

وبحسب تقدير شحادة، فإن الصين ستواجه مصيرا كارثيا في حال غزت تايوان، لا سيما أن الصين لديها استثمارات بقيمة تريليونات الدولارات في أميركا، وبالتالي إذا عوقبت الصين، مثلما عوقبت روسيا، فإنه من الممكن إعادة الصين إلى فترة ما قبل السبعينيات، لذا تدرس الصين التاريخ جيدا، خاصة فترة الاتحاد السوفيتي الذي كان يهدد سابقا بنقل الصواريخ إلى كوبا قبالة الساحل الأميركي، وتحديدا فلوريدا، ومن ثم هددت بنقل الأسلحة النووية إلى بحر الصين الجنوبي، حيث كان هناك العديد من الإشكاليات حينذاك، ولكن في النهاية انهار الاتحاد السوفيتي وانتصرت الولايات المتحدة، الآن الصين تقرأ كل هذا، ووفق اعتقاد شحادة، أنه لن يكون للصين رد فعل غوغائي أو عسكري، فهي الآن بحسب تقديره تدرس خطواتها بعناية، وتعلم أن أدواتها ليست قوية أو قادرة على مواجهة الولايات المتحدة.

وعليه، فإن هناك شرطا لاحتمالية أن تغزو الصين تايوان، والذي يتمثل بسحب التمويل والاستثمارات الصينية في أميركا، وقد لا يحدث هذا في الفترة المتوقعة لأنها تقدر بالتريليونات، فضلا عن وجود تداخلات استثمارية بين الصين وأوروبا، وبالتالي فإن الصين تعلم جيدا أنه إذا ما سحبت استثماراتها، فسوف يسحب الغرب استثماراته تبعا، ومن هنا يمكن القول إن الصين ستكون منهكة اقتصاديا إذا ما غزت تايوان، وبالتالي لا يمكن للصين أن تتحدى الولايات المتحدة، وفق تعبير شحادة.

وأيضا كان الرئيس جو بايدن، أكد التزام واشنطن تجاه تايوان في مطلع العام الحالي، وفي أيار/مايو الماضي اعتبر الرئيس الأميركي أن الصين “تلعب بالنار” في مسألة تايوان، وتعهد بالتدخل عسكريا لحماية الجزيرة إذا تعرضت لهجوم.

جاء ذلك خلال كلمة ألقاها أثناء زيارته لليابان، بدا بايدن على خلاف مع سياسة الولايات المتحدة المتبعة على مدى عقود في هذا الشأن، على الرغم من إصرار البيت الأبيض على عدم وجود أي تغيير؛ إذ شبّه الرئيس الأميركي أي غزو صيني لتايوان بغزو روسيا لأوكرانيا، الأمر الذي أثار انتقادات غاضبة من بكين.

قد يهمك:مخاطر عودة التسلح النووي في العالم.. آثار كارثية؟

من الواضح أن التهديدات الصينية لتايوان، ستأتي بنتائج عكسية وسلبية على الصين، حتى قبل أن تقدم الصين على أي تحرك عسكري من غير المتوقع أن يحدث، خاصة إذا ما نظرت الصين إلى نتائج الغزو الروسي لأوكرانيا، وما جلبه على روسيا من تدهور اقتصادي وقطيعة في العلاقات الدولية، ما سيجعلها تنظر في إعادة تفكيرها الاستراتيجي بالتعامل مع ملف تايوان وغيره من الملفات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.