يثير ملف تركيا والمعارضة السورية كثيرا من الجدل مؤخرا. إذ لم تمر تصريحات وزير خارجية تركيا مولود تشاوش أوغلو الأخيرة، التي دعا فيها إلى مصالحة بين دمشق والمعارضة السورية، لتحقيق ما أسماه “سلام دائم”، مرور الكرام لدى المعارضين للحكومة السورية، سواء في المناطق الخاضعة للنفوذ التركي، أو في الداخل التركي ودول اللجوء الأخرى.

وفي المناطق السورية الخاضعة لسيطرة تركيا خرج مئات من المتظاهرين، للتعبير عن سخطهم  من تصريح الوزير التركي. في حين تفاعل الائتلاف السوري المعارض، الذي يتخذ من إسطنبول مقرا له منذ العام 2011، مع تصريحات أوغلو. مؤكدا ما سماه “التزامه بقيم الثورة”، ورافضا، في الوقت ذاته، إحراق العلم التركي من قبل المتظاهرين في الشمال السوري.

وعلى وقع الصدمة، والقلق والجدل الكبير الذي لم يهدأ بعد، بسبب موقف تركيا من المعارضة السورية، أصدرت الخارجية التركية بيانا قالت فيه إنها “ستواصل المساهمة في تهيئة الظروف للعودة الطوعية والآمنة للاجئين، ولإيجاد حل للنزاع السوري، وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.

بالنسبة لمتابعي الملف السوري، وتحديدا اللاجئين في تركيا، لم تكن التصريحات التركية صادمة أو مفاجئة، فقد كانت هنالك عدة بوادر لانقلاب الموقف التركي تجاه المعارضة السورية.

ففي شهر نيسان/أبريل من العام الجاري تحدثت صحيفة “حرييت” التركية عن “مناقشات تركية، كانت تُجرى للشروع في حوار مع الحكومة السورية. والتباحث في إمكانية إحياء عمليات التطبيع مع الأسد. والحكومة التركية تريد إنجاز هذا الملف، وبحث خياراتها، قبل حلول عام 2023، موعد الانتخابات الرئاسية التركية”.

ولم تستبعد المصادر، وفقا للصحيفة، أن “يتجه الجانب التركي إلى إحداث بعض التعديلات في سياسته تجاه الملف السوري”.

السؤال الذي طرحه عدد من الناشطين السوريين، عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، عقب تصريح أغلو: هل قصد بـ”المصالحة” مع دمشق حلحلة ملف النازحين السوريين في تركيا والتخلّص منهم؟  أم أن الأولوية حاليا لملف الكرد، والنزاع التركي مع قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا؟

تغيير سياسة دمشق تجاه تركيا

مصدر أمني، برتبة عقيد سابق في القوات النظامية، ومقرّب من السلطات في دمشق، أكد لموقع “الحل نت” أن “القصر الرئاسي  السوري أعطى توجيهاته منذ أسبوع بتخفيف الحملات الإعلامية ضد الأتراك، على أن تكون الأخبار المتعلقة بتركيا صادرة حصرا من القصر. وعدم نشر أي خبر فيه هجوم أو نقد أو إساءة لتركيا، وينطبق ذلك أيضا على نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي داخل سوريا”.

ووفق المصدر فقد “شدد المكتب الإعلامي للرئاسة على جميع الصحف والمواقع والقنوات السورية بعدم تناول الملف التركي من الآن وصاعدا، إلا من خلال تعليمات القصر الجمهوري حصرا. وعليه تمت إعادة ترتيب الأوراق في الإعلام السوري”.

ويضيف: “من الواضح أن هناك ضغطا روسيا لفرض نوع من تخفيف التوتر بين أنقرة ودمشق، وهناك توجيهات بالتركيز أكثر على الكُرد قبل أي ملف آخر. وحسب معلوماتي فإن ملف اللاجئين في تركيا يحتاج إلى وقت أطول كي يتم البت فيه. لكن الحكومة السورية ليس لديها أي مانع في عودة اللاجئين دون أية مشاكل، في حال لم يكن هناك بحقهم جرائم كبيرة”.

تبدد الأحلام التركية للمعارضة

عاش المعارضون السوريون، داخل تركيا تحديدا، عقدا من الأمل في التخلص من نظام بشار الأسد. وبعضهم كان يطمح ويسعى للحصول على الجنسية التركية، كي لا يضطر للعودة إلى سوريا.  

 لكن مع التصريحات الأخيرة، والتوتر بين تركيا وقسم من المعارضة السورية، بات لدى كثير من السوريين مخاوف من توقف عملية تجنيسهم، وايضا ترحيل قسم كبير منهم، إلا من كانت لديه استثمارات أو عقارات، أو مقيم بهدف الدراسة داخل تركيا. لا سيّما بعد ارتفاع العنصرية في الفترات الأخيرة تجاه السوريين، ومطالبة كثير من الأتراك بترحيلهم.

ويعيش حوالي أربعة ملايين لاجئ سوري في عدد من المدن التركية، في مقدمتها إسطنبول، وفق إحصاء للمديرية العامة لإدارة الهجرة التركية، عن شهر نيسان/إبريل 2022.

ويبدو أن هنالك ميلا، لدى الحكومة والمعارضة التركية، لاستخدام ملف اللاجئين السوريين ورقة انتخابية في الاستحقاق الرئاسي المقبل في تركيا. وهذا يزيد من سوء موقف المعارضة السورية، التي راهنت دائما على تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان.

موقف المعارضة السورية من التصريحات التركية

لكن ما موقف المعارضة السورية الأكثر جذرية تجاه تبدل موقف تركيا؟

أحمد رحال، العميد ركن المتقاعد، والمحلل العسكري السوري، قال لموقع “الحل نت” إنّه “من حق تركيا عقد صفاقات واتفاقات مع أي دولة تشاء، سواء إيران أو سوريا وغيرهما، لحماية مصالحها، وهذا شأنها وحقها الداخلي، لا نتدخل فيه بوصفنا معارضين مقيمين على أرضها. لكن ما لا يحق لتركيا أن تعتبر أنها وصية على الشعب السوري والثورة، وأنها صاحبة قرار الفصل بهذا الملف”.

ويضيف، في تعبير واضح عن الأزمة بين تركيا والمعارضة السورية: “من أعطى الحق لأوغلو بالحديث باسم المعارضة السورية، وأن بلاده تسعى لمصالحة مع نظام الأسد؟! وكأن تركيا تجرنا إلى مخرجات اتفاق أستانة، الذي يصبّ في مصلحة الأسد وروسيا وإيران”.

ويختم رحال حديثه بالقول: “تصريح أوغلو هو جرس إنذار للتنبيه بأن القيادة السياسية والعسكرية الحالية للثورة السورية لم تعد قادرة على متابعة الطريق، وهي أصلا لم تكن مؤهلة لحمل الراية. وبالتالي يجب أن تكون هناك قيادة عسكرية جديدة لإعادة صياغة العلاقة مع الجانب التركي، على أنها علاقة تقاطع مصالح وليست علاقة تبعية، فنحن لا نتبع لأحد، أيا كان، سواء كان دولة عربية أو إسلامية أو أوروبية”.

لماذا غيرت تركيا موقفها من المعارضة السورية؟

د.نواف إبراهيم، الباحث السوري في العلاقات الدولية، المقيم في موسكو، يرى أن “تغيير تركيا لتعاطيها مع الحكومة السورية، وإبداء مرونة تجاهها، قد يتيح لأنقرة فرصا سياسية مهمة. فالانفتاح على الأسد  سيحقق مزيدا من التقارب بين موسكو وأنقرة، خاصة ان روسيا تسعى منذ زمن، وبشكل مستمر ومكثف، لتطبيع علاقات حكومة دمشق عربيا ودوليا. وهذا التقارب التركي الروسي قد ينعكس إيجابيا في ملف مكافحة ما تسميه تركيا تنظيمات إرهابية، وعلى رأسها وحدات حماية الشعب في سوريا”.

ويتابع إبراهيم، في حديثه لـ”الحل نت”: “يولي  بوتين أهمية كبيرة  للعلاقة مع تركيا، لكونها دولة إقليمية مهمة، وعضوا في حلف الناتو، ناهيك عن ثقلها السياسي العسكري؛ ويعمل على دعم أردوغان، والاستفادة منه، قبل الانتخابات المصيرية التي ستجرى في تركيا في حزيران/ يونيو 2023. لا سيما أن بوتين يظن أن الغرب، وتحديدا واشنطن، يريد الإطاحة بأردوغان، من خلال تقديم الدعم المباشر والعلني لتحالف الأحزاب، التي تشكل جبهة المعارضة ضده”.

ويشير الباحث السوري إلى أن “إيران تسير مع موسكو في الاتجاه والمسار نفسه، فالعلاقة الاقتصادية والاستراتيجية بين طهران وأنقرة تتطور بشكل مطرد”.

وبما يتعلق بموضوع اللاجئين السوريين في تركيا يقول إبراهيم: “ملف اللاجئين يعتبر كابوسا بالنسبة لأردوغان، وتحوّل مع الوقت من ورقة بيده، لاستثماره سياسيا ومعنويا ودينيا، إلى ورقة ضاغطة عليه. والمنطق يقول إن أي معالجة لهذا الملف تتطلب حوارا مع دمشق، وهي نصيحة روسية إماراتية لأردوغان، لحل المشكلة بأسرع وقت ممكن، كي يكسب رضى الناخبين، على أمل الفوز بالانتخابات. لذا فإن إعادة فتح الأبواب المغلقة بين أنقرة ودمشق يأتي لمصلحة الحكومتين، وربما لا يمكن حل المسائل العالقة بمجرد اتصال هاتفي بين الطرفين، بل قد نشهد أيضا زيارة للرئيس التركي إلى دمشق”.

وأمام هذه المعطيات يبدو موقف المعارضة السورية شديد الحرج. كثيرون يتحدثون عن نهاية قريبة لمؤسسات المعارضة، فيما يرى آخرون أنه قد يتم إعادة ادماجها في بنية النظام الحاكم في سوريا. ويبدو أن الأيام القادمة ستغير كثيرا في الملف السوري بكل تفاصيله.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.