قطاع التعليم في سوريا يعاني من تدهور كبير على صعيد المستوى التعليمي الحكومي بعد هجرة الكثير من الكوادر، ما جعل من التعليم الخاص ابتداء من الروضة وحتى الجامعة بديلا عنه، لكنه يعتبر بديلا مُرهق على الصعيد المالي، وهو الأمر الذي جعله يبدو أقرب إلى التجارة منه إلى التعليم.

التعليم تجارة؟

تقرير لصحيفة “البعث” المحلية، يوم الأربعاء الفائت، أشار إلى أن العملية التعليمية والتدريسية مصدر قلق مستمر للأهالي، بالنظر إلى الكلف المتزايدة المرهقة مع بدء كل موسم دراسي جديد.

وتحدث التقرير عن انحراف منظومة التعليم الخاصة في سوريا، والمكونة من معاهد ومدارس وجامعات، بعد أن كانت رديفا للتعليم الحكومي، إذ تحولت إلى تجارة أكثر رواجا وربحا من غيرها، ونمت وازدهرت مؤخرا تحت ضرورات الشراكة والاشتغال على ماضي وتاريخ عريق لمدارس أهلية، لكن دخول بعضها بل جلها في عملية الكسب والربح لا أكثر أثر سلبا على هذه المنظومة، والدليل أن العدد الأكبر من المتفوقين والحاصلين على المجموع العام على مستوى المحافظات وعلى مستوى القطر هم من المدارس الحكومية، ما يؤكد أن التعليم الحكومي وبالرغم من كل الصعوبات يسير في الاتجاه الصحيح.

ولفت التقرير إلى أن التعليم الخاص، دخل مرحلة متقدمة من الاستغلال والممارسات التي تضرّ بسمعة ومكانة وقيمة المُعلّم والذي بات سلعة ضمن بورصة المدارس والمعاهد الخاصة المرخصة وغير المرخصة لترغيب الأهالي والطلاب من كافة المراحل الدراسية، مقابل مبالغ مالية وتسعيرة شهدت خلال هذه الفترة التحضيرية لشهادتي الثانوي والتعليم الأساسي ارتفاعا كبيرا وبصورة غير مألوفة فاقت قدرة الأهالي على التحمل في ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة، إذ تجاوز رسم التسجيل في إحدى المدارس الخاصة للموسم الدراسي الجديد مبلغ 3 ملايين ليرة، وهو ما ينسحب على المعاهد المتخصصة بالدورات التعليمية.

وأضاف التقرير أن هناك تواطؤ بعض الإدارات والمدرّسين ببيع الجلاءات المدرسية ووثائق التسجيل الدراسية وغيرها من الأمور المتعلقة بالمسألة التعليمية، والتي تخضع لرسوم مالية عالية تُضاف في المحصلة إلى المبالغ التي تتقاضاها المدارس والمعاهد الخاصة من الطلاب والأهالي.

قد يهمك:التعليم المجاني في سوريا.. الكتب المدرسية بنصف الراتب الحكومي

الأقساط مرتفعة بمختلف المراحل الدراسية

تقرير سابق لـ”الحل نت”، أشار إلى ارتفاع قسط التعليم في المدارس الخاصة في عدد من المدارس الخاصة من 2 إلى 5 ملايين ليرة وسطيا، وقسط رياض الأطفال، من 600 ألف إلى أكثر من 1.5 مليون ليرة.

ومع قرار وزارة التربية توزيع الأقساط وفق النقاط للمدارس، ورياض الأطفال الخاصة، أصبح الناس يدخلون في دوامة الأسعار غير المفهومة، واختيار المدرسة وفق السمعة وعلى التجريب، والكثير من الطلاب تحولوا من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية، بحسب التقرير.

لا تختلف الجامعات الخاصة من الناحية المادية عن المدارس الخاصة، إذ نقل تقرير سابق لـ”الحل نت”، عن معاون وزير التعليم العالي الدكتور عبد اللطيف هنانو، في وقت سابق أن هناك إمكانية لرفع أقساط الجامعات مع بداية العام الدراسي الجديد، حيث تتقدم لجنة الجامعات الخاصة بمقترح لتعديل الأقساط ويقر من قبل مجلس التعليم العالي، أما الخدمات التي تقدمها الجامعات فالوزارة هي جهة مراقبة لها فقط، منوها إلى أن الرفع يكون للحفاظ على جودة التعليم والخدمات التي تقدمها هذه الجامعات وتعويض ما تتحمله من تكاليف.

وحسب متابعة “الحل نت”، ففي نظام التسجيل في الجامعات الخاصة، وإمكانية زيادة الرسوم، فأنه يُسمح للجامعات السورية الخاصة برفع الرسوم المفروضة على الطلاب “الجدد” لمواجهة التضخم جزئيا، ولكن بمجرد تسجيل الطالب، لا يعود في الإمكان زيادة الرسوم في السنوات التالية.

من جهة ثانية، وفيما يتعلق بالكتب المدرسية في المرحلة الثانوية، والتي تعتبر مجانية، فقد رفعت المؤسسة العامة للطباعة في سوريا، أسعار الكتب المدرسية لمرحلة التعليم الثانوي والمهني، إذ فاقت أسعار الكتب نصف الحد الأدنى لرواتب للموظفين (تقدر بنحو 92 ألف ليرة سورية).

وبررت المؤسسة هذا الارتفاع، بأنه ناتج عن قلة المحروقات وانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة خلال اليوم، ما دفع أصحاب المطابع لشراء المازوت من السوق الحر، فضلا عن قلة الورق والكرتون اللازم لإنتاج الكتاب المدرسي، إضافة إلى ارتفاع أجور النقل والطباعة.

إقرأ:أزمة تدريسية في الجامعات السورية

أزمة تدريسية وتدني المستوى التعليمي الجامعي

أعداد المقبولين في مفاضلات الدراسات العليا في الجامعات السورية، تشهد نقصا ملحوظا، حتى وصل العدد إلى 5 طلاب لكل تخصص في الماجستير كحد أقصى، بسبب النقص في عدد الأساتذة وأعضاء الهيئة التدريسية، والظروف التي خلقتها الأزمة والإمكانيات والبنى التحتية في الجامعات وفي كل قسم في الكلية المعنية، حسب وزارة التعليم العالي.

حيث اطلع “الحل نت” في وقت سابق، على الكثير من الشكاوى الطلابية التي وصلت إلى وزارة التعليم العالي، طالبت بالتدقيق في نسبة الـ 30 بالمئة المخصصة في كل مفاضلة للجامعات الخاصة والتعليم المفتوح، وخريجي الجامعة الافتراضية، وسط انتقادات طالت عددا من الجامعات تؤكد أن التفاضل تم حسب المعدل، وهو ما يشكل مخالفة لقرار التعليم العالي رقم 48 لعام 2020، الذي نص على أن التفاضل ضمن هذه الشريحة يكون نسبة وتناسباً حسب أعداد المتقدمين من كل شريحة.

وفي سياق متصل، أشار تقرير سابق لـ”الحل نت”، إلى أن نظام التعليم العالي في سوريا بات في مستويات منخفضة، إذ تكافح الجامعات السورية من أجل البقاء، بحسب أكاديميين وخبراء تعليم سوريين.

وأشارت تقارير بتراجع مستوى الجامعات بشكل كبيرة، وحسب تصنيف “ويبو ميتركس” لعام 2022، وهو نظام تصنيف يعتمد على تواجد الجامعة على الويب، ووضوح الرؤية والوصول إلى الويب. يقيس نظام التصنيف هذا مدى تواجد الجامعة على شبكة الإنترنت من خلال مجال الويب الخاص بها والصفحات الفرعية والملفات الغنية والمقالات العلمية وما إلى ذلك.

فقد احتلت جامعة دمشق المرتبة 3310 عالميا، وجاءت جامعة تشرين في محافظة اللاذقية بالمرتبة 4539، أما جامعة حلب التي احتلت المرتبة 4973. أما جامعة البعث قد جاءت في المرتبة 5804 عالميا. أما المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا بدمشق قد جاء 4911.

قد يهمك:جامعة حلب: مشاريع بقيمة 1.5 مليار ليرة.. والجامعات في مستويات متدنية

معوقات التعليم الأساسي

بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، تداول مجلس الوزراء في شباط/فبراير الماضي موضوع ما أسماه الدعم الحكومي لقطاع التربية، حيث تم بحث دعم الحكومة لقطاع التعليم والمليارات التي تتكبدها عليه، حيث أن أكثر من 3.6 ملايين تلميذ، وطالب يتلقون التعليم المجاني في مدارس، ومعاهد وزارة التربية بمختلف المحافظات، موزعين على 13660 روضة ومدرسة ومعهدا.

ما تم نقاش تكاليف طباعة الكتب التي يتجاوز عددها 40 مليون كتاب سنويا، بالإضافة للخدمات الصحية والإدارية والتعليمية المجانية المقدمة للطلاب.

بيان مجلس الوزراء في ذلك الوقت، جاء بعد يوم واحد على قرار رفع الدعم، ما أثار العديد من المخاوف من رفع الدعم عن قطاع التعليم الحكومي، وفي هذا السياق، توقع خبراء وحقوقيون، أن يكون بيان مجلس الوزراء، هو أحد احتمالين، إما التمهيد لرفع الدعم عن هذا القطاع بطريقة ما، كأن يصبح ثمن الكتاب المدرسي والجامعي فلكيا، أو التمهيد لفرض رسوم دراسية باهظة على أبناء الفئات التي رُفع عنها الدعم الحكومي.

ويواجه التعليم في سوريا العديد من العوائق، فقد أكد مركز “حقوق الطفل العالمي”، في نهاية عام 2021، أن النزاع أثر سلبا على جميع جوانب حياة الأطفال السوريين. بما في ذلك تعليمهم. حيث أصيب التعليم في سوريا بالشلل بسبب تضرر المدارس، أو تدميرها. وقتل أو جرح أطفال ومعلمون أجبر بعض منهم على الفرار، فضلا عن تغيير المناهج الدراسية لملايين الأطفال.

إقرأ:رفع أقساط الجامعات الخاصة في سوريا

وبحسب منظمات دولية، فإن هناك نحو 2.5 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و 17 عاما – ثلث السكان في سن الدراسة – خارج المدرسة. وهم غير قادرين على ممارسة حقهم الأساسي في التعليم على النحو المنصوص عليه في اتفاقية حقوق الطفل عام 1989.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.