أقر الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات جديدة على صادرات الذهب الروسي، بعيد اجتماع سفراء الإتحاد الأوروبي في بروكسل، ليدخل حيز التنفيذ بعد مصادقة الحكومات الأوروبية عليه ونشره في الجريدة الرسمية في 21 تموز/يوليو الفائت. وجاء القرار الأوروبي بحظر الواردات الروسية من الذهب على خطى قرار الولايات المتحدة المشابه والصادر بعيد اجتماع مجموعة الدول السبع في ألمانيا في حزيران/يونيو الفائت. حيث اقترحته المفوضية الأوروبية أثناء اجتماع مجموعة السبع كحزمة سابعة على سلسلة العقوبات التي تستهدف روسيا لثنيها وكبح جماح غزوها لأوكرانيا.

ماذا بعد نفاذ الحزمة السابعة من العقوبات الأوروبية على روسيا؟

مسؤول رفيع في الاتحاد الأوروبي أكد أن وقف واردات الذهب من روسيا من الإجراءات التي قدمتها المفوضية للدول الأعضاء كمقترح، وقال: “ليس إجراء رمزيا لأن روسيا مصدر كبير للذهب. سيسمح ذلك بقطع مصدر آخر في تمويل بوتين لحربه في أوكرانيا” وأضاف: “التكتل سيسعى كذلك لتلافي سبل الإفلات من التدابير على الذين التفوا على مجموعات العقوبات الأوروبية السابقة على روسيا”.

وقد كان الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد صرح في وقت سابق وعلى ضوء نتائج اجتماع مجموعة السبع في تغريدة له “إن الولايات المتحدة فرضت تكاليف غير مسبوقة على الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) لحرمانه من الإيرادات التي يحتاج إليها لتمويل حربه ضد أوكرانيا”. وأضاف، “ستعلن مجموعة السبع معا أننا سنحظر استيراد الذهب الروسي، وهو تصدير رئيسي يُدرّ عشرات المليارات من الدولارات لروسيا”.

أما رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، فقد قال: “إن الحظر الجديد سيؤثر بشدة على الرئيس الروسي. وإن الإجراءات الأخيرة التي تم الإعلان عنها سوف تضرب بشكل مباشر القلة الروسية، وستضرب قلب آلة بوتين الحربية”.
وكشف بيان لمجموعة السبع عن أنه تم تعليق تجارة لندن بالفعل بما يخص استيراد الذهب الروسي. كما أشار إلى أن العقوبات سيكون لها أثر كبير على قدرة بوتين في الحصول على نقد أجنبي وأموال. وأوضح أن حظر الاستيراد سيطبق على الذهب المستخرج أو المكرر حديثا، لكنها لا تؤثر على الذهب المستخرج في روسيا، والذي سبق تصديره من البلاد، في إشارة للعقود المبرمة سابقا.

وتشير الأرقام إلى أن صادرات الذهب الروسي للمملكة المتحدة لعام 2021 بلغ 290 طن بقيمة 16.9 مليار دولار أميركي تقريبا، ومجمل صادرتها الأخرى تصل لما يقارب 15 مليار دولار أميركي وفق بيانات الجمارك الروسية. مما يعني أن أي حظر على الذهب الروسي سيكبد روسيا خسائر فادحة في الصادرات، وبالأخص مع انضمام اليابان وكندا واستراليا إلى الدول التي تحظر استيراد الذهب الروسي.

العقوبات على صادرات الذهب الروسي وانعكاسها في سوريا

الهيمنة الروسية على سوريا، والاجتياح الروسي لأوكرانيا يتشابهان من حيث آلة الحرب التي يدفع بها الرئيس بوتين للسيطرة على منافذ ومناطق استراتيجية متقدمة حول العالم. ولكن الدفع بالآلة العسكرية كان له تكلفة اقتصادية باهظة على روسيا، وانعكس بشكل أزمة اقتصادية على التجارة والاقتصاد العالمي. فهل كان لسلسلة العقوبات الأوروبية أثر على آلة الحرب الروسية في سوريا وأوكرانيا بالفعل.

المختصة السابقة في سوق الأوراق المالية في دمشق رزان منصور تقول لـ”الحل نت”: “في الجانب الاقتصادي أستطيع الجزم أن الاقتصاد السوري هو تابع بشكل مباشر للاقتصاد الروسي، وأي أزمة أو هزة تطال روسيا ستنعكس بشكل مباشر على الاقتصاد السوري. لكن فيما يخص العقوبات الاقتصادية على روسيا لن نرى انعكاساتها في سوريا في الأجل القريب، مازال تدفق البضائع الروسية الى سوريا مستمر، والتبادل التجاري بين البلدين مستمر، فيما يخص الذهب ارتفع سعره في الأسواق العالمية بما يقارب (0.5 بالمئة) وهذا ارتفاع طبيعي في ظل نقص العرض. لكن روسيا تعتمد على كلا من الصين والهند في تصدير ذهبها، وهاتان الدولتان هما المستوردان الأكبر للذهب حول العالم، ويمكنهما تعويض روسيا عن الخسائر الناجمة عن العقوبات الغربية”.

أما حول الانعكاس المباشر للعقوبات الجديدة على الاقتصاد السوري فتقول: “الاقتصاد السوري كما أسلفت هو تابع للاقتصاد الروسي، لكنه لن يتأثر بالتأكيد بالعقوبات ولا بإرتفاع أسعار الذهب حول العالم، كل ما يمكن حدوثه نتيجة العقوبات، هو تراجع طفيف للاستثمارات الروسية في سوريا، لكن هناك استثمارات مستجدة عربية قد تعوض هذا التراجع”.

وتذكر مصادر لـ”الحل نت” أن الحزمة السابعة من العقوبات الأوروبية الجديدة تشمل ثمانية كيانات قانونية و47 فردا معظمهم من العسكريين والسياسيين الروس، والأشخاص الداعمين لروسيا في أوكرانيا، كذلك أقارب شخصيات من الأوليغارشية الروسية التي كانت تخضع للعقوبات في السابق، وتحظر اللائحة أنشطة شركات الشحن والأسلحة “يونارمية”، ومؤسسة “روسكي مير”، كما تطال العقوبات نادي الدراجات النارية الروسي وقادته بوضعهم على القائمة السوداء، بالإضافة إلى إدراج الرئيس التنفيذي لشركة “يورال ميننغ أند ميتالغيكال كومباني”، “أندري كوزيتسين” على هذه اللائحة، وكوزيتسين مرتبطا بالقطاعات الاقتصادية التي توفر مصدر دخل مهما للحكومة الروسية، بالإضافة إلى ذلك سيتم إدراج عمدة موسكو سيرغي سوبيانين، والممثلين سيرغي بيزروكوف، و فلاديمير مشكوف، وكذلك رئيس “روستيك” سيرغي تشيميزوف، في حزمة عقوبات الاتحاد الأوروبي الجديدة. كما قام الاتحاد الأوروبي بتشديد نظام العقوبات ضد “سبير بنك”، وتجميد أصوله بالكامل في الدول الغربية ومنع إمكانية إجراء معاملات المالية هناك.

الأمن الغذائي وأمن الطاقة الدوليين

تهدف حزم العقوبات المفروضة على روسيا، الحد من قدرة القيادة الروسية في الحصول على المال اللازم في تمويل حربها في أوكرانيا، وبشكل ثانوي يتوقع مراقبون أن تحد من قدرتها على الاستمرار في سوريا.

ووفق حديث الباحث السياسي سعيد المصري، لـ”الحل نت” فإن وضع روسيا في سوريا يختلف تماما عن وضعها في أوكرانيا، ففي سوريا، الأمر مستتب لها، وهناك استقرار نوعا ما للوجود الروسي في سوريا، وهي ليست بحاجة تمويل عمليات حربية على أرض سوريا، “نستطيع القول هي من تستنزف الاقتصاد السوري وليس العكس، فالصادرات الروسية لسوريا من مواد غذائية وحبوب وغيرها مستمر، وكذلك استثمار الفوسفات والغاز السوري والسياحة بيد شركات ومستثمرين روس، وهو ما يدر دخلا إضافيا على روسيا. أما في أوكرانيا فروسيا تمول عمليات حربية تستنزف من طاقتها ومن قدرتها على الحصول على تقنيات متقدمة حربية أو مواد أولية وقطع تبديل للآلة الحربية الروسية وحتى ساهم في عجزها عن تمويل مشاريع اقتصادية كبيرة، ورأينا ذلك في عجزها عن استبدال عنفة ضخ (توربين) نوردستريم1”.

ووفق اللائحة الجديدة فقد تم إلغاء تجميد الموارد الاقتصادية لعدد من البنوك الروسية المتعلقة بمعاملات تجارة الغذاء والسماد الروسي. وحسب اللائحة سيتم فك تجميد الأموال بعد تحديد أن هذه الأموال أو الموارد الاقتصادية ضرورية لشراء أو استيراد أو نقل المنتجات الزراعية والغذائية بما في ذلك القمح والأسمدة.

تبقى العقوبات الاقتصادية محدودة الأثر في كبح جماح الغزو الروسي لأوكرانيا، وكذلك في الحد من الهيمنة الروسية على سوريا، حيث مازالت العمليات الروسية عسكرية كانت أم اقتصادية مستمرة في كل منهما، ولم تثني موسكو عن قراراتها وتعنتها، على عكس ما هدفت له هذه العقوبات بسلالها السبع، والتي يقل أثرها في ظل لجوء روسيا لاستبدال التقنيات الغربية بأخرى محلية أو من دول حليفة لها مثل إيران والصين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.