استهداف أبراج الكهرباء بالعراق، بشكل شامل ودقيق، يجعل المتابعين لهذا الملف يضطرون للاعتراف بـ”منطق المؤامرة”، ولو بدرجة معينة، لا سيما وأن الاعتداءات التي تتعرض لها الشبكة الوطنية للكهرباء لا يمكن تنفيذها من قبل أفراد عاديين.

وبعد مراجعة طبيعة لهذه الاعتداءات استبعد مختصون إمكانية قيام حزب ما أو مجموعة محلية، لا ارتباطات خارجية لها، بهذه العمليات، كون الهجمات تحصل في مناطق مختلفة وبدقة عالية، دون أن تترك خلفها أية آثار.

ويؤكد أحد المختصين، الذي طلب عدم الافصاح عن هويته، حفاظا على أمنه الشخصي، في حديث “للحل نت”، أن هذه “الهجمات يراد منها ضرب القطاع الكهربائي في العراق، والتأثير على تحركات بغداد الرامية الى القيام بربط كهربائي مع دول الخليج، وعدم الاعتماد كليا على الجارة إيران”.

ويعيش العراقيون، قساوة شهر آب/أغسطس، بارتفاع حرارته، وسط انقطاع الكهرباء، الذي يفاقم المعاناة على مناطق الجنوب بشكل خاص، حيث لا جديد في هذا الصيف، فالحال كما هو عليه منذ ما يقارب العقد من الزمن.

وتمتلئ الصفحة الرسمية لوزارة الكهرباء العراقية بتعليقات المواطنين الغاضبين، جرّاء سوء التجهيز الكهربائي، والعوارض الفنية المتتالية، بما يتناقض مع الوعود الكبيرة التي أطلقتها الوزارة بصيف أفضل.

ما دوافع استهداف أبراج الكهرباء بالعراق؟

ضابط عراقي، تحدث لـ”الحل نت” حول طبيعة الجهات التي تقوم باستهداف أبراج الكهرباء بالعراق، شريطة عدم الكشف عن هويته، قائلا إن “المجاميع التي تقوم باستهداف أبراج الكهرباء الوطنية تتكوّن من مواطنين عراقيين، لكنهم يتبعون لفصائل مسلحة، معلومة الولاء لإيران”.

ويضيف، أن “الأجهزة الأمنية في العراق، تمكنت من ضبط بعض تلك المجاميع، وقامت بالتحقيق معها، وتوصلت إلى أن الاستهدافات تأتي بأوامر من قادة ميليشيات، وهؤلاء القادة يأخذون الأوامر من خارج الحدود”.

كما لفت، إلى أن “الأوامر كانت واضحة بتركيز الهجمات خلال هذه الفترة. وذلك لهدفين: الأول يتعلق بضرب حكومة رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، وذلك لوجود خلافات بينه وبين الحلقة الولائية في العراق، من أجل شحن الشارع ضده وحصره في خانة الفشل”.

ويتابع: “أما الهدف الثاني، فهو التأثير على صفقة الربط الكهربائي مع دول الخليج، التي لا ترغب إيران بنجاحها، خشية من خسارتها ملف توريد الغاز للعراق، والذي يدرّ لها ملايين الدولارات. فضلا عن رغبتها بأن يبقى العراق معتمدا عليها فقط، دون محاولة تنويع مصادر طاقته، خصوصا مع الدول العربية”.

وأعلن وزير النفط الإيراني، جواد اوجي، قبل مدة، عن استلام إيران 1.6 مليار دولار، من المستحقات المتأخرة لصادرات الغاز إلى العراق.

وكتب اوجي، في تغريدة على موقع “تويتر”، أنه “في ظل الدبلوماسية النشطة للطاقة، وبعد عدة أشهر من المفاوضات، استلمنا قبل ساعات 1.6 مليار دولار من المستحقات المتأخرة عن أعوام ماضية، لصادرات الغاز إلى العراق”.

وأضاف: “منذ بداية العام الجاري (اعتبارا من الحادي والعشرين من آذار/مارس الماضي حسب التقويم الإيراني)، ازداد حجم صادرات البلاد من الغاز بنسبة خمسة وعشرين بالمئة، كما ازداد استلام عوائد العملة الصعبة المستحصلة منها بنسبة تسعين بالمئة، مقارنة مع الفترة المماثلة من العام الماضي”.

لا حاجة لوزارة بأبراج كهرباء تالفة

السياسي العراقي، غالب الشابندر يؤكد ما ذكر أعلاه، بأن “الجهات التي تدبّر عمليات استهداف أبراج الكهرباء بالعراق، هي على مستوى دول وحكومات”.

ويضيف، أن “المسؤول المباشر، الذي يتحمل وزر هذه القضية، وفق القياسات القانونية والدستورية، هو وزارة الكهرباء”.

داعيا إلى “تفكيك وزارة الكهرباء، من خلال برنامج يوضع من قبل مختصين من خارج الوزارة، وأساتذة في الإدارة”.

“الفساد المستشري في العراق قضم ملف الكهرباء إلى أقصى الحدود، وبالتالي زاد من حجم التراكمات على مدار عقد ونصف، هو ما أثّر على أي مخرجات تقوم بها السلطة التنفيذية”، بحسب الكاتب في الشأن العراقي بسام القزويني.

ويتهم القزويني، في حديثه لـ”الحل نت”، “رجال الأعمال المرتبطين بالكتل السياسية بالتحكّم بملف الكهرباء والنفط، عن طريق المشاريع التي تنفع الكتل السياسية المتنفذة، مما يجعل ملف الكهرباء يتراجع للخلف، ويتأثّر بشكل مباشر”.

كما شدد على “ضرورة وجود إرادة سياسية، لا تتعلق بسلطة تنفيذية فقط، بل تتوجه إلى معالجة وزارة الكهرباء، من خلال مراجعة عقود الشركات الفاسدة، والبحث عن شركات غير متورطة”.

 ويتابع القزويني، أن “المعالجات يجب ان تخضع لرقابة السلطة التنفيذية، ووضع مدة زمنية بالتشاور مع الكتل السياسية، يمكن للعراق أن يحقق خلالها نقلة نوعية، في مدة خمسة إلى ستة أعوام”.

الكهرباء سبب مآسي العراق!

“الاخفاق المستمر من قبل وزارة الكهرباء، تسبب بتصاعد كل الأزمات التي تطفو على الساحة العراقية الآن، من انسداد سياسي وفوضى، واحتجاجات لا تنقطع”، وفقا للمحل السياسي علي البيدر.

ويضيف البيدر، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “تراجع ساعات تجهيز الكهرباء، تسبب باحتجاجات شعبية، انطلقت من محافظة البصرة، المدينة الأعلى حرارة في العالم، وذلك خلال عام 2018، ما أسفر عن مقتل أحد المحتجين، ما أدى إلى غليان الشارع، وتفاقم الاحتجاجات واستمرارها حتى يومنا هذا”.

كما اقترح، أن “يصدر قرار بالاستغناء عن وزارة الكهرباء، كونها أصبحت نقمة على الشعب العراقي، رغم مليارات الدولارات التي تصرف عليها، فضلا عن امتلاكها أكثر من مئة ألف موظف، موزعين على مناطق العراق”.

ودعا البيدر، “الحكومة العراقية إلى محاسبة وزارة الكهرباء، على التصريحات الكاذبة، التي تطلقها بين فترة وأخرى، ووعودها الصفرية التي لم يتحقق أي شيء منها”، معتبرا الأمر “استهتارا تعوّدت عليه وزارة الكهرباء”.

وأجرى موقع “الحل نت”، عدة اتصالات بالجهات المعنية في وزارة الكهرباء، لغرض الرد على هذه الاتهامات، وتوضيح موقف الوزارة من تراجع ساعات التجهيز، رغم الوعود التي أطلقتها في أوقات سابقة؛ وكذلك تعاطيها مع مسألة استهداف أبراج الكهرباء بالعراق، لكن لم يتلق استجابة، رغم المحاولات المتكررة.

وكانت وزارة الكهرباء قد أعلنت، في وقت سابق، وصولها لأعلى إنتاج تحققه المنظومة الكهربائية العراقية، منذ تاريخ تأسيسها، وهو (٢٢٦٨٠) ميغا واط.

 وقالت إنه “من المؤمل، في الأيام القريبة القادمة، تحقيق زيادة أعلى بالإنتاج، بعد دخول عدد من المحطات للعمل، مثل محطة صلاح الدين الحرارية، ومحطة عكاز، ومحطات أخرى”.

لكن بعد أيام خرج المتحدث باسم الوزارة أحمد موسى، وقال إن “هناك إنارة صباحية لا داعي لها، ومن الممكن ترشيد استهلاك الطاقة بإطفاء الأجهزة غير الضرورية، مما سيساعد على تجهيز مناطق أخرى والسيطرة على الأحمال”.

وناشد المواطنين بـ”عدم العبث بمكونات الشبكة الكهربائية، والتجاوز عليها، لأن ذلك يؤدي إلى إضعاف التيار الكهربائي، وانخفاض الفولتيات، ما يتسبب بطاقة غير منتظمة”.

وأشار موسى، إلى أن “ساعات التجهيز لا بأس بها، إلا أن الكهرباء في الوقت الحاضر ليست على غرار الأيام الماضية، بسبب بعض العوارض الفنية، وارتفاع درجات الحرارة، الذي تسبب بنزول كفاءة الوحدة التوليدية، وهذه بدورها تؤثر بالمقطع الطولي والعرضي للخطوط والأسلاك، وخروج وحدات توليدية عن الخدمة”.

وشهدت محافظة ذي قار، ومحافظات جنوبية أخرى، إطفاء تاما للتيار الكهربائي، هو الثالث من نوعه خلال أيام قليلة.

في الأثناء، خرجت محطات كهرباء البصرة عن العمل، وتسبب ذلك بانطفاء تام للتيار في المنطقة الجنوبية.

وخرج العشرات من المواطنين جنوبي العراق، وقاموا بإغلاق الطرق بالإطارات المحترقة، وهددوا بالتصعيد، في حال استمرار وزارة الكهرباء في أسلوبها الحالي بالعمل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.