بعد إعلان وزارة التجارة في سوريا، عن خطط لترشيد الاستهلاك من خلال طرح شراء المواد المدعومة حكوميا عبر “البطاقة الذكية”، أثار هذا الاختيار نقاشا وسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن تجدد النقاش حول الأزمة المالية، وارتفاع تكاليف المعيشة في البلاد.

لكن ما رصده السوريون منذ إطلاق برنامج “البطاقة الذكية” عام 2020، هو أن كل مادة جديدة تضاف إليها من شأنها أن ترفع الأسعار مرة أخرى في الأسواق السورية، وهذا ما يحدث فعليا في ظل الارتفاع غير المسبوق للأسعار في السوق السورية، ويقابله فشل حكومة دمشق وتحديدا وزارة التموين في إيجاد آلية ناجحة لضبط الأسعار، خصوصا وأن نسبة كبيرة من الشعب تَعتبر هذه التصرفات دليلا على عدم قدرة الحكومة على توفير الضروريات الأساسية، فضلا عن العبء الذي تفرضه هذه الإجراءات على المواطنين من أجل تلبية احتياجاتهم اليومية، وانتشار الفساد والاتجار في هذه السلع عبر “البطاقات الذكية”، ما يؤدي إلى زيادة المعاناة.

قرارات غير مدروسة؟

في إطار إدخال مواد غذائية جديدة على “البطاقة الذكية”، أفاد وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عمرو سالم، أمس السبت أن هناك توجها لتأمين مواد جديدة لإضافتها عبر البطاقة، وهي مادة “البرغل” التي ستباع بسعر مدعوم، وهناك سعي لتأمين البقوليات، والتونة، والسردين، والمعكرونة.

القرار الجديد قوبل برفض شعبي لعدة أسباب ذكرها الصحفي الاقتصادي، حازم عوض، أولها أن “خبر إضافة المواد الجديدة يتم تصديره كدعاية لإنجاز جديد، علما أن هنالك حقائق عم ترفض الحكومة إقرارها، لا يجوز القول نريد إدخال مواد جديدة، وأنت القديمة لست قادر على توزعيها وتأمينها مثل الرز، والسكر، والزيت”.

وأشار عوض، إلى أن المواد التي تدرج ضمن “البطاقة الذكية”، تعتبر نادرة التوفر سواء في مراكز المؤسسات التي تعتمدها دمشق للبيع بموجب البطاقة، أو حتى في الأسواق المحلية.

كما لفت عوض، أن وزارة التجارة الداخلية، لم تستطع حتى اليوم تأمين أي مادة عبر البطاقة بتواتر زمني واضح، والتوزيع يتم بأوقات متفاوتة، وهذا يقود إلى أن التوزيع بسعر الكلفة فقد جدواه وليس له أهمية تذكر، مضيفا أن الاعتماد على سحب المواد من السوق لبيعها عبر البطاقة، ساهمت بتفاقم الأزمات.

حذف مواد لمعالجة تأخر التسليم

الوزير سالم، زعم خلال تصريحاته أمس السبت، أن “سوريا تتأثر بارتفاع الأسعار العالمية بالنسبة للمواد المستوردة، وحتى المنتجات المحلية من لحوم وفروج، والمنتجات الزراعية لأن معظم الأعلاف، والسماد، والمبيدات مستوردة وتتغير بتغير أسعارها، وأجور شحنها والتأمين عليها”، إلا أن التقارير السابقة تظهر عكس ذلك.

فمنذ شهر أغسطس/آب 2021، اعتمدت “المؤسسة السورية للتجارة”، فصل رسائل تسلّم مادة السكر عن مادة الأرز عبر “البطاقة الذكية”، حيث أوضح معاون مدير عام المؤسسة، إلياس ماشطة، حينها أن سبب الفصل بين المادتين يعود إلى ضعف التوريدات، وعدم وصولها إلى صالات المؤسسة بنفس الوقت، بحسب حديثه إلى إذاعة “نينار إف إم” المحلية.

ويؤدي تأخير وصول إحدى تلك المواد إلى تأخير تسليم الواحدة منهما على حساب الأخرى التي لم تصل بعد، موضحا أيضا عن دراسة جديدة لإدراج بعض المواد الإضافية على “البطاقة الذكية”، كالشاي والزيت، اللتين سبق أن أزالتهما المؤسسة في وقت سابق بعد إدراجهما لأشهر قليلة.

وكان وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عمرو سالم، أرجع أسباب تأخر تسلّم مادتي السكر والأرز، إلى عدم إرسال الرسالة إلا عند توفر المادتين معا، بحسب ما نشره عبر صفحته الشخصية في “فيسبوك“.

في 18 من كانون الأول/ديسمبر 2020، أعلنت “السورية للتجارة” عن إضافة مادة الزيت النباتي إلى قائمة المواد التموينية المدرجة للبيع بالسعر “المدعوم” عبر “البطاقة”، لكن مدير عام المؤسسة تحدث، في شباط/فبراير الماضي، عن صعوبات تواجهها في تأمين مادة الزيت، بسبب توقف المورد عن تزويد المادة، بعد إبرام عقد للحصول عليها.

“حل للمشكلة” أم “استغلال تجاري”؟

بحسب مصادر حكومية، كان الهدف من قرار “البطاقة الذكية”، هو تحديد كمية الاستهلاك و”الاستمرار بتوفير المواد الغذائية ومنع الاحتكار”، خاصة في ظل العقوبات الاقتصادية التي تفرضها أمريكا ودول أوروبية عديدة، كما تدعي دمشق، رغم التوضيحات التي صدرت سابقا عن واشنطن، ودول الاتحاد الأوروبي، بأن العقوبات لا تشمل المواد الغذائية والطبية.

القرار الحكومي، الذي يخص إدراج المواد الغذائية تباعا على البطاقة الذكية، وحتى اليوم لا يزال يستقبل بسخط من قبل السوريين، إذ اعتبره كثيرون تكرارا لتجربة ترشيد استهلاك الوقود التي فاقمته، إذ أسفرت عن ارتفاع ضخم في أسعاره، وطوابير طويلة للحصول على كميات قليلة منه.

إضافة المزيد من المنتجات لنظام “البطاقة الذكية” المدعوم من الحكومة، يعود بحسب ما رصده “الحل نت”، إلى قلة المواد، وصعوبة الاستيراد وغياب الحركة الصناعية الثقيلة من البلاد، في حين أن أسواق دمشق تعيش حالة من الاحتكار وانفلات الأسعار، إذ تختلف الأسعار بين ليلة وضحاها، ما دفع أصحاب المحال، وبسطات الخضار لإزالة يافطات الأسعار عن بضائعهم ومحتويات بسطاتهم من الخضار والفواكه، والتحكم بالسعر وفقا لرغباتهم دون حسيب ولا رقيب.

نظام “البطاقة الذكية”

الحكومة السورية، كانت قد أصدرت “البطاقة الذكية”، قبل نحو عامين للعائلات في سوريا ولبعض القطاعات الخدمية العامة والخاصة، لتوفير بعض المواد الخدمية، والغذائية بسعر حكومي مدعم.

الأمر الذي أثار جدلا كبيرا، ووجهت انتقادات واسعة للحكومة السورية، حيث اعتبر هذا الإجراء من جهة تعبير عن عجز الحكومة توفير مستلزمات الحياة، ومن جهة أخرى دليل على تأزم اقتصاد البلاد بشكل كبير، فضلا عن إرهاق المواطنين بمثل هكذا أساليب للحصول على الاحتياجات اليومية.

وتدعي الحكومة أن مشروع “البطاقة الذكية”، الخاص بها يهدف إلى أتمتة توزيع المشتقات النفطية وغيرها من المواد، والخدمات على العائلات، من أجل منع تهريب هذه المواد والاتجار بها، مع العلم أن الفساد والاتجار بهذه المواد، بات يحدث أكثر من قبل إصدار ما يسمى “البطاقة الذكية”.

وتخصص الحكومة كمية محددة لبعض المواد مثل الوقود، ومادة التدفئة (المازوت)، ومواد غذائية مثل السكر، والأرز، والشاي بالسعر المدعوم لحاملي البطاقات الذكية. أما في حال احتاج المواطن للمزيد من هذه المواد، فبمقدوره شراؤها بسعر التكلفة الحر من السوق السوداء، والذي يبلغ قيمته لضعف السعر المدعم. وفي كثير من الأحيان المواد غير متوفرة في المؤسسات الحكومية والمعتمدة، وبالتالي يضطر المواطن للشراء من السوق السوداء بأضعاف سعره.

يشار إلى أنه مطلع شهر شباط/فبراير الماضي، أصدرت حكومة دمشق قرارا استبعدت فيه نحو 600 ألف عائلة، من الدعم الحكومي المقدم سابقا، وبيعها بعض المواد الغذائية الأساسية، والمشتقات النفطية بأسعار محررة وغير مدعومة، وهو ما أثار استياء، ورفضا واسعين لدى السوريين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.