ساعتين يوميا تقضيها عُلا ياسين، بالتجول في الأسواق بحثا عن المواد الأرخص، وهي التي تواجه صعوبة في التوفيق بين راتبها الشهري، ومصاريف الغذاء، بعدما شمل ارتفاع الأسعار جميع المواد الأساسية التي كانت تعتمد عليها في الطعام كالفروج والاندومي وبعض البقوليات.

دهشة وحيرة في الأسواق

في جولة على الأسواق السورية تلاحظ عُلا (اسم مستعار لسيدة سورية تقيم في دمشق، وهي ربة منزل، زوجها متوفي، تبلغ من العمر 40 عاماً، ولديها 4 أطفال) أن معظم الزبائن يأتون للمحال التجارية للسؤال عن الأسعار الجديدة، وسط دهشة يومية في كل مرة يتلقى فيها السوري صدمة جديدة بارتفاع الأسعار، فتفشل خطة الشراء التي لم تعد مناسبة لدخل الشهر الفائت.

“حتى الإندومي ارتفعت أسعارها وقد نفقدها” تقول عُلا في اتصال هاتفي مع “الحل نت”، وهي تُعبر عن استيائها من موجات الغلاء المتكررة في سوريا، مؤكدة أن المخصصات التي تحصل عليها من أختها المقيمة في مصر لم تعد تكفيها، لا سيما وأنها لا تستطيع العمل بسبب دراستها وواجباتها في العناية بأمها وأخواتها الصغار إلى جانب أطفالها.

الإندومي التي كانت تعتمد عليها عُلا كوجبة سريعة ورخيصة نوعا ما، أصبح المعمل المنتج لها مهددا بالإغلاق، حيث نقلت صفحة “أخبار الصناعة السورية“، يوم أمس الخميس، أنباء تتحدث عن تراجع الكميات الموزعة وفقدانها من بعض المناطق، في ظل احتمالية إغلاق المعمل المنتج، في حين أرجع مراقبون هذا الإغلاق لارتفاع التكاليف في إنتاج الاندومي (شعيرية سريعة التحضير، تباع معبأة في ظروف بنكهات متعددة).

أنباء إغلاق معمل الإندومي تأتي تزامنا مع ارتفاع أسعار هذه الأكلة الشعبية المنتشرة في سوريا، وعن ذلك تضيف عُلا في اتصال مع “الحل نت“: “قبل أسابيع قليلة فقط كنت أشتري الإندومي بـ1500 ليرة، وأشتري كميات تكفي لشهر باعتبارها وجبة سريعة التحضير وسعرها مقبول، أسعار المواد الغذائية وصلت إلى حد لا يطاق“.

ملامح الاستياء وعدم التفاؤل كانت واضحة بصوت رانيا وهي تتحدث عن الأزمات المعيشية في البلاد في ظل ارتفاع الأسعار غير المنطقي، وتزايد ضعف القوة الشرائية.

قد يهمك: التبغ أحدث الإضافات على قوائم ارتفاع الأسعار بسوريا

الأوضاع الاقتصادية وفق رؤية عُلا ستزداد سوءا في الأيام القادمة، لا سيما مع عجز الجهات الحكومية عن إيجاد حلول مجدية للأزمات المتتالية، فضلا عن الأزمة العالمية التي تؤثر بطبيعة الحال على سوريا، دون وجود قدرة حكومية للتخفيف من أثر الأزمة الاقتصادية ودعم للمواطنين.

اللحوم ممنوعة عن السوريين؟

“اللحم الأحمر حذفته منذ سنوات من قائمة المشتريات الشهرية“، يؤكد إبراهيم يوسف، في اتصال هاتفي مع “الحل نت“، مشيرا إلى أنه يعتمد منذ سنوات على لحم الدجاج في الطبخ، لتأمين احتياجات أسرته الغذائية، لكن الارتفاع الأخير في أسعارها جعله عاجزا عن الشراء.

أسعار الفروج في سوريا بشكل عام، ودمشق بشكل خاص، سجلت ارتفاعات غير مسبوقة في النشرات الرسمية، وارتفاعا أكبر في الأسواق المحلية.

وبحسب النشرة الأخيرة الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وصل سعر كيلو الفروج المنظف إلى 13100 ليرة سورية بينما كان يبلغ 7500 العام الماضي، وسعر كيلو شرحات الدجاج 23000 ليرة سورية، في حين بلغ سعر كيلو الدبوس 12500 ليرة، أما سعر كيلو الوردة سجل 13500 ليرة سورية، وبالنسبة لسعر كيلو الجوانح فكان 9500 ليرة سورية، وسعر صحن البيض ذي وزن 2001غ، وما فوق بـ13500 ليرة سورية.

ولكن من خلال رصد أسعار الفروج والبيض في الأسواق، تبيّن أن الأسعار أعلى من النشرة الرسمية، فكيلو الفروج المنظّف سعره 15000 ليرة سورية، أما سعر كيلو شرحات الدجاج 26000 ليرة سورية، بينما سعر كيلو الدبوس بلغ 13500 ليرة سورية، وسعر كيلو الوردة 14000 ليرة سورية، أما سعر الجوانح 11000 ليرة سورية، بينما سعر صحن البيض ذي وزن 2001غ، بلغ 16000 ليرة سورية، وتختلف الأسعار تبعا للمحال التجارية والمناطق.

قد يهمك: “المونة” بعيدة عن منازل السوريين.. الملوخية بـ5 آلاف

ويضيف إبراهيم (وهو مُعلّم في مدرسة إبتدائية بمدينة حمص، يبلغ من العمر 36 عاماً، متزوج ولديه 3 أطفال) خلال حديثه لـ“الحل نت“: “خلال الشهر الجاري ارتفعت الأسعار بنسبة مرهقة، لم أستطيع شراء المواد الغذائية اللازمة لهذا الأسبوع، حقيقة لم يعد لدي خطة بديلة لمواجهة هذا الارتفاع“.

ويعتقد إبراهيم أنه يجب أن يعمل بدوام ثالث ليتمكن من مواجهة ارتفاع الأسعار، وذلك بعدما خفّض نفقات أسرته المؤلفة من ستة أفراد إلى حدودها الدنيا، ويوضح قائلا: “حاليا أنا موظف كـ مُعلّم في المدرسة، والراتب لا يكفي إيجار المنزل والفواتير، بينما اضطر للعمل كسائق تكسي بعد انتهاء دوامي لتأمين الحد الأدنى من المصاريف“.

لا يجد إبراهيم المبررات الكافية ليقول لأطفاله، أنه لم يعد يستطيع شراء الفروج مرة أخرى لهم، مؤكدا أنه اعتاد بشكل أسبوعي أن يصنع بيده سندويشة الفلافل، لطفله نور البالغ من العمر تسعة أعوام.

وحول ذلك يضيف: “نور يحب الشاورما كثيرا.. لكن الآن بتنا نحب الفلافل أكثر وهو بات يتلذذ بطعمها، أحاول بإمكانيات بسيطة صنع صندويشة أسبوعيا له كمكافأة على أي شيء إيجابي يفعله، بالتأكيد لا نستطيع شراء الشاورما من محلات الوجبات السريعة بسبب الغلاء، وكذلك الحال الفلافل صعبة علينا كعائلة“.

أزمات أرهقت السوريين

يواجه السوريون في المناطق السورية صعوبة في التغلب على أزمات ارتفاع الأسعار المتكررة، فبدأت العائلات السورية بحذف العديد من الأصناف الاستهلاكية من قائمة المشتريات الشهرية، بهدف التوفيق بين الدخل، والمصروف.

وساهمت أزمة المحروقات التي تعيشها البلاد، في ارتفاع أسعار معظم السلع والخدمات، وذلك في وقت لا يحصل فيه أصحاب المِهن والمنشآت على مخصصات كافية من المحروقات لإنجاز عملهم.

وفضلا عن غلاء المواد، تنتشر البضائع والمواد المغشوشة والمهرّبة في الأسواق السورية، وسط غياب الرقابة الحكومية، وتحذيرات من مخاطرها على صحة المستهلكين، تزامنا مع ارتفاع مستوى خطر الأمن الغذائي في البلاد، وضعف القدرة الشرائية للمواطنين أمام المواد الغذائية.

ومما ساهم بتفاقم معاناة الطبقة الفقيرة، وصول الغلاء إلى الأطعمة والمأكولات الشعبية، حيث بلغ سعر سندويشة البطاطا في المطاعم 4500 ليرة، حيث تجاوزتْ سعر كيلو البطاطا في الأسواق، فبعد أن تراجع سعر كيلو البطاطا إلى حدود 1600 ليرة، ما يزال ثمن السندويشة العادية مرتفعا، وثمن السندويشة المدعومة سبعة آلاف ليرة.

كما وصل سعر سندويشة الفلافل إلى 3 آلاف ليرة سورية، ومن الممكن أن ترتفع أكثر، إذا كان خبز الصمون من مكوناتها، في حين سجل قرص الفلافل سعر 250 ليرة.

هل يستقيل الوزير؟

بدأ الحديث مؤخرا عن مطالبة البعض باستقالة وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، من منصبه، ذلك ما طرحه صحفي سوري على الوزير شخصيا، الذي رفض هذا المطلب.

وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عمرو سالم، رفض الاتهامات بالفشل لوزارته، مؤكدا أنه “سيستقيل حين يفشل“، كما أشار إلى أن ما يعيشه المواطن اليوم من ضيق اقتصادي “، هي مرحلة سيتم تجاوزها“، حسب تعبيره.

وردّ سالم، خلال لقاء سابق عبر إذاعة “شام إف إم” المحلية، على بعض الأصوات التي تنادي باستقالته من الحكومة، وقال: “أحترم هذا الرأي، لكن السؤال الذي يجب طرحه. هل يا ترى تخلي الناس عن مسؤولياتهم (يقصد الحكومة)، سيكون عملا جيدا؟، وهل نعلم ببديل جيد، إذا كنا نعلم، ففعلا يجب أن نستقيل“.

فشل وزاري

وخلال إدارة سالم، لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، شهدت البلاد تفاقم الأزمة الاقتصادية، فضلا عن الغلاء المستمر في أسعار كافة الخدمات والسلع الأساسية، كما أقرت الحكومة

كما أقرت الحكومة الجديدة في شباط/فبراير الماضي، رفع الدعم الحكومي عن مئات الآلاف من العائلات السورية، تبعها سلسلة قرارات شملت خلالها فئات جديدة من السوريين، لتضعها خارج حسابات دمشق من الدعم الحكومي.

ومؤخرا أقرت حكومة دمشق، رفع أسعار مختلف المواد النفطية في سوريا، حيث وصل سعر لتر البنزين إلى 2500 ليرة سورية، ما انعكس بشكل سلبي على أسعار مختلف السلع والخدمات.

قد يهمك: زيادة مرتقبة على أسعار خدمات المطاعم في سوريا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.