نتيجة للعديد من العقبات التي تواجه القطاع الطبي في سوريا، ظواهر ووسائل جديدة تبدأ بالظهور من أجل الالتفاف على ارتفاع الأسعار، والتي تفوق قدرة معظم السوريين اليوم. وأيضا، نتيجة لقيام الصيادلة برفع أسعار الأدوية حسب مزاجهم، بالإضافة إلى احتكارهم لبعض أنواع الأدوية والتلاعب في الأسعار حسب رغبتهم، مما دفع المواطن السوري إلى “المكاسرة” من أجل خفض سعر الدواء لأقل سعر ممكن بما يتناسب مع راتبه ومدخوله الضئيل، خاصة وأن المواطن يتأثر بفرق السعر حتى لو كان ألف ليرة سورية.

“اتساع هامش الربح”

الحديث عن أسعار الأدوية وتباينها بين صيدلية وأخرى يكاد لا يتلاشى حتى يطفو على السطح مرة أخرى، وكأن الحديث هنا عن سلعة تجارية قابلة للعرض والطلب، وليس عن عقار دوائي يفترض أن يكون سعره محددا، وغير قابل للتفاوض.

إحدى السيدات قالت أن عبارات المساومة على الأسعار كانت شائعة في الأسواق التجارية، حيث تخضع بضائعها لأخذ الأسعار والرد في السعر بمعنى “المكاسرة”، بينما كانت الصيدليات تنأى بنفسها عنها عندما كانت أسعار الأدوية محددة، ومطبوعة على العبوات ولا مجال فيها للزيادة، وليس كما يحدث اليوم، عندما دخل الدواء هذا المضمار، وأصبحت عبارات مثل “راعينا، اعملنا خصم” شائعة على ألسنة المرضى أثناء شراء الأدوية من الصيدليات، والغريب – بحسب السيدة – أن العديد من الصيادلة يقومون بالفعل بخصم على فاتورة الدواء “قلّ هذا الخصم أو أكثر” مما يدل على توسع هامش ربحهم، وفق ما نقلته صحيفة “تشرين” المحلية، يوم أمس الإثنين.

كذلك، اشتكى مواطن آخر من رحلة البحث التي يقضيها عادة بين صيدلية وأخرى، علّه يحصل على سعر أقل لفاتورة دوائه، مشيرا إلى أن المريض سيحتاج إلى البحث لفترة طويلة بين الصيدليات في حال اقتصر الأمر على زيادة بسيطة في السعر، ولكن إذا وصل الفارق إلى الآلاف، فإن الأمر يستحق عناء البحث عن الأرخص، أو قبول فئة الأدوية البديلة التي يوصي بها الصيدلي على أنها أرخص ولها نفس التركيب الدوائي.

ووفق تقرير محلي، فإن أحد الصيادلة رفض الحديث عن الموضوع بالتفصيل، فإنه بالمقابل رمى الكرة في ملعب معامل الأدوية والموزعين، منوّها إلى أن أصنافا دوائية قد تكون أقل تواجدا في السوق ويتم استلامها بكميات صغيرة من الموزعين، وهنا يقوم بعض هؤلاء الموزعين برفع السعر، أو تحميل الصيدلي بمواد طبية غير ضرورية، بالإضافة إلى الفئة الرئيسية.

ممارسات فردية؟

في المقابل، نفى رئيس فرع نقابة الصيادلة في درعا، وليد الداخول، وجود تجاوزات في أسعار الأدوية، معتبرا أن الأمر يندرج في إطار الممارسات الفردية ولم يتحول إلى ظاهرة، حسبما أوردته الصحيفة المحلية.

وزعم الداخول في حديثه، إلى أن النقابة تتواصل بشكل يومي مع الصيادلة والموزعين وتقوم بجولات دورية على الصيدليات، وعلى مستودعات الأدوية المرخصة في المحافظة لمتابعة توفر الأدوية من جهة والتأكد من الأسعار المحددة.

وحول قيام بعض الصيادلة بشطب السعر المطبوع على علب الدواء، واعتماد سعر آخر يكون مكتوبا بخط اليد، بيّن الداخول، أن هذا ناجم عن أن بعض معامل الأدوية التي تقوم بطباعة عبوات كرتونية بكميات كبيرة، فيطرأ تعديل على أسعار الأدوية كما حصل في الفترات الماضية، وهكذا تبقى التسعيرة القديمة ما يضطر الصيادلة للتعديل.

وعما إذا كانت مسألة تحميل الصيادلة كميات غير مرغوبة من الأدوية، هي السبب في ارتفاع الأسعار لفت الداخول، إلى أن هذه التصرفات كانت موجودة في فترة قلت فيها أصناف دوائية بعينها من السوق، ما دفع بعض المعامل أو الموزعين إلى احتكارها وتوزيعها بأسعار مرتفعة، أما الآن فلا يوجد- وفق زعمه- نقص في الأدوية، فكل الزمر الدوائية متوفرة تقريبا ولا داعي لرفع سعر منتج دوائي وليس ثمة ما يضطر الصيادلة لشراء نوعيات غير مرغوبة للحصول على طلبهم.

قد يهمك: تزايد نشاط السوق السوداء للأدوية في سوريا

استمرار النقص في الأدوية

محمد الكلاس، في منتصف العقد الخامس من عمره، يعيش في دمشق، يعمل مدرسا في إحدى المدارس الحكومية، تحدث في وقت سابق لـ”الحل نت”، عن معاناته في تأمين الأدوية قائلا: “أعاني منذ نحو 15 عاما من مرضي سكر الدم، والضغط، وفي السابق كانت الأدوية متوفرة وبأسعار معقولة كما كانت مدعومة من نقابة المعلمين، حيث كنت أدفع جزءا من ثمنها، وأحصل عليها من صيدلية النقابة، لكن مؤخرا لم أعد أجد الدواء الذي أستخدمه في النقابة، وحتى العثور عليه في الصيدليات الخاصة بات أمرا صعبا، وإن وجد يبلغ سعر 10 حبات من دواء “لوتيد” 4000 ليرة، وأحتاج إلى حبتين يوميا فالكمية تكفي خمسة أيام، أي أحتاج شهريا إلى 15 ألف ليرة على الأقل لدواء الضغط”.

وأردف الكلاس، “لا تقتصر حاجتي إلى دواء تنظيم الضغط فقط، فهناك دواء تنظيم السكر، الذي زاد سعره أيضا وهو من نوع “ميتوفورمين” حيث لا يقل سعر الشريحة من 10 حبات عن 2500 أو 3000 ليرة إن وجدت، ولذلك أضطر في بعض الأحيان إلى الاكتفاء بحبة واحدة يوميا من العلاجين مع أن ذلك يخالف التعليمات الطبية، وأيضا اضطررت لإيقاف شراء الأسبرين كمميع للدم بعد أن زاد سعره، وصرت ألجأ إلى بعض المشروبات التي نصحني بها البعض كمميع للدم كالنعناع والقرفة لتوفير ما يمكن توفيره من راتبي الذي لا يكفي لأول أسبوع من الشهر”.

ارتفاع الأسعار مستمرا

الأحد الماضي، أوضح مدير شركة “تاميكو” للصناعات الدوائية، فداء العلي، في حديث لصحيفة “البعث” المحلية، أن ارتفاع تكاليف إنتاج الدواء يقابله تخفيض في أرباح الشركة، مبيّنا أن لارتفاع أسعار الأدوية عدة أسباب منها، ارتفاع تكاليف المواد الأولية التي تكون بمعظمها مستوردة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الصرف، وامتناع الكثير من الشركات عن توريد البضائع، وارتفاع أسعار الشحن خاصة البحري، وأخيرا ارتفاع حوامل الطاقة.

ولكن في الواقع فإن أسعار الأدوية في سوريا تشهد منذ بداية العام الحالي ارتفاعات مستمرة، على خلاف ما تحاول الحكومة ترويجه من انخفاض أو ثبات في الأسعار.

أم أيمن، سيدة ستينية تعيش في درعا، وهي موظفة حكومية متقاعدة، توفي زوجها خلال الحرب، ولها 3 أولاد الأكبر منهم متزوج ولديه طفل في الرابعة من عمره، وتحاول من خلال راتبها التقاعدي الذي لا يتجاوز 70 ألف ليرة، تأمين أدويتها ومساعدة أولادها. تحدثت لـ”الحل نت” في وقت سابق عن المعاناة من ارتفاع أسعار الأدوية قائلة “أعاني منذ عدة سنوات من اختلال بضغط الدم، واستعمل دواء يدعى “ريفوسيل”، وحاليا أجد صعوبة في تأمينه هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يتراوح سعره ما بين 3000 -3500 ليرة لكل 10 حبات وأحتاج إلى حبتين يوميا صباحا ومساء، وقبل شهرين تعرضت لحادثة انزلاق ما نتج عنه كسر في عظم الفخذ حيث أُجريت لي عملية تركيب صفائح معدنية، وخلال العلاج كان لا بد أن أستعمل إبرا مضادة للالتهاب من نوع “روز”، لمدة أسبوعين بمعدل إبرتين يوميا، ويبلغ سعر الواحدة 4000 ليرة، وبعد ذلك استعملت دواء آخر للالتهاب هو “أوكال”، من عيار 1000 ويبلغ سعر العلبة الواحدة المكونة من 10 حبات 7700 ليرة”.

وأضافت أم أيمن، “هناك معاناة أخرى في أسعار الأدوية بالنسبة للأطفال، فمنذ شهر تقريبا أصيب حفيدي بالتهاب في اللوزتين إضافة للسعال، وارتفاع الحرارة، كانت الأدوية غالية جدا، فأقل سعر بالنسبة للمسكنات هو 4000 ليرة، لـ”السيتامول”، ومضاد الالتهاب نوع “أوغمانتين”، يكفي لخمسة أيام فقط بسعر 13 ألف ليرة، يعني نحن حين نمرض من يعتني بنا؟ ومن يؤمن لنا أدوية بأسعار أقل من هذه الأسعار؟ مين داير باله علينا؟ لا أحد”.

هذا ونتيجة لنقص الأدوية في المشافي العامة في سوريا، أصبحت السوق السوداء نشطة جدا، في ظل لجوء المرضى إلى تأمين أدويتهم من بعض الصيدليات، والمراكز التي تبيع المستلزمات الطبية، بالإضافة إلى عدم وجود العديد من المستلزمات الطبية في المستشفيات الحكومية التي يُفترض أن تكون متوفرة فيها، ما يحمّل المواطنين أعباء مالية ثقيلة مقابل تأمينهم من السوق السوداء. في حين أن معاناة الأدوية والقطاع الصحي في سوريا بشكل عام لا تزال في تصاعد مستمر، وسط عجز حكومي واضح عن القيام بفعل أي شيء لدعم أكثر القطاعات أهمية وحساسية بالنسبة للسوريين.

قد يهمك: أزمة الأدوية في سوريا.. “مين داير باله على صحة السوريين”؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.