أزمة جديدة ونشاط للسوق السوداء وتلميحات لرفع أسعار الأدوية في سوريا. فكيف هو حال السوريين وكيف يؤمنون أدوية مرضاهم، كيف يواجهون غلاء الأسعار، وكيف يتدبرون أمر انقطاع الدواء والسعي لتأمينه من السوق السوداء. كيف تضررت صحتهم وما أثر تراجع فعالية وجودة المنتج المحلي من الدواء.

استمرار النقص في الأدوية

لم يتوقف الحديث عن أزمة الأدوية في مناطق الحكومة السورية، فكل جهة ترمي باللائمة على الأخرى، فنقابة الأطباء السوريين ترى أنه من مهمتها طلب تأمين الأدوية، بينما يقع على عاتق وزارة الصحة تأمينها وتأمين مستلزمات تصنيعها.

من جهته، انتقد الأستاذ في كلية الطب بجامعة دمشق، حسين نوفل، في وقت سابق، آليات استجرار الأدوية إلى سوريا غير الصحيحة، بحسب تعبيره، وطالب بوجود لجان تابعة لهيئات المشافي تحدد كميات الأدوية التي تحتاجها، وتكون مسؤولة عن استجرارها، لا كما يحدث اليوم أن تكون لجنة مركزية عامة هي المسؤولة عن الاستجرار، بحسب صحيفة “الوطن المحلية“.

محمد الكلاس، في منتصف العقد الخامس من عمره، يعيش في دمشق، يعمل مدرسا في إحدى المدارس الحكومية، يروي خلال حديثه لـ”الحل نت”، معاناته في تأمين الأدوية قائلا: “أعاني منذ نحو 15 عاما من مرضي سكر الدم والضغط، وفي السابق كانت الأدوية متوفرة وبأسعار معقولة كما كانت مدعومة من نقابة المعلمين، حيث كنت أدفع جزءا من ثمنها وأحصل عليها من صيدلية النقابة، لكن مؤخرا لم أعد أجد الدواء الذي أستخدمه في النقابة، وحتى العثور عليه في الصيدليات الخاصة بات أمرا صعبا، وإن وجد يبلغ سعر 10 حبات من دواء “لوتيد” 4000 ليرة، وأحتاج إلى حبتين يوميا فالكمية تكفي خمسة أيام، أي أحتاج شهريا إلى 15 ألف ليرة على الأقل لدواء الضغط”.

ويضيف الكلاس “لا تقتصر حاجتي إلى دواء تنظيم الضغط فقط، فهناك دواء تنظيم السكر الذي زاد سعره أيضا وهو من نوع “ميتوفورمين” حيث لا يقل سعر الشريحة من 10 حبات عن 2500 أو 3000 ليرة إن وجدت، ولذلك أضطر في بعض الأحيان إلى الاكتفاء بحبة واحدة يوميا من العلاجين مع أن ذلك يخالف التعليمات الطبية، وأيضا اضطررت لإيقاف شراء الأسبرين كمميع للدم بعد أن زاد سعره، وصرت ألجأ إلى بعض المشروبات التي نصحني بها البعض كمميع للدم كالنعناع والقرفة لتوفير مايمكن توفيره من راتبي الذي لا يكفي لأول أسبوع من الشهر”.

إقرأ:تزايد نشاط السوق السوداء للأدوية في سوريا

ارتفاع الأسعار مستمر دون تمهيد

يوم أمس الأحد، أوضح مدير شركة “تاميكو” للصناعات الدوائية، فداء العلي، في حديث لصحيفة “البعث” المحلية، أن ارتفاع تكاليف إنتاج الدواء يقابله تخفيض في أرباح الشركة، مبينا أن لارتفاع أسعار الأدوية عدة أسباب منها، ارتفاع تكاليف المواد الأولية التي تكون بمعظمها مستوردة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الصرف، وامتناع الكثير من الشركات عن توريد البضائع، وارتفاع أسعار الشحن خاصة البحري، وأخيرا ارتفاع حوامل الطاقة.

ولكن في الواقع فإن أسعار الأدوية في سوريا تشهد منذ بداية العام الحالي ارتفاعات مستمرة، على خلاف ما تحاول الحكومة ترويجه من انخفاض أو ثبات في الأسعار.

أم أيمن، سيدة ستينية تعيش في درعا، وهي موظفة حكومية متقاعدة، توفي زوجها خلال الحرب، ولها 3 أولاد الأكبر منهم متزوج ولديه طفل في الرابعة من عمره، وتحاول من خلال راتبها التقاعدي الذي لا يتجاوز 70 ألف ليرة تأمين أدويتها ومساعدة أولادها. تروي لـ”الحل نت” عن المعاناة من ارتفاع أسعار الأدوية قائلة “أعاني منذ عدة سنوات من اختلال بضغط الدم، واستعمل دواء يدعى “ريفوسيل” وحاليا أجد صعوبة في تأمينه هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يتراوح سعره ما بين 3000 -3500 ليرة لكل 10 حبات وأحتاج إلى حبتين يوميا صباحا ومساء، وقبل شهرين تعرضت لحادثة انزلاق ما نتج عنه كسر في عظم الفخذ حيث أُريت لي عملية تركيب صفائح معدنية، وخلال العلاج كان لا بد أن أستعمل إبرا مضادة للالتهاب من نوع “روز” لمدة أسبوعين بمعدل إبرتين يوميا، ويبلغ سعر الواحدة 4000 ليرة، وبعد ذلك استعملت دواء آخر للالتهاب هو “أوكال” من عيار 1000 ويبلغ سعر العلبة الواحدة المكونة من 10 حبات 7700 ليرة”.

وتتابع أم أيمن “هناك معاناة أخرى في أسعار الأدوية بالنسبة للأطفال، فمنذ شهر تقريبا أصيب حفيدي بالتهاب في اللوزتين إضافة للسعال وارتفاع الحرارة، كانت الأدوية غالية جدا، فأقل سعر بالنسبة للمسكنات هو 4000 ليرة لـ”السيتامول”، ومضاد الالتهاب نوع “أوغمانتين” يكفي لخمسة أيام فقط بسعر 13 ألف ليرة، يعني نحن حين نمرض من يعتني بنا؟ ومن يؤمن لنا أدوية بأسعار أقل من هذه الأسعار؟ مين داير باله علينا؟ لا أحد”.

قد يهمك:ازدياد الطلب على الأدوية النفسية في سوريا.. ما القصة؟

الأدوية نشطة في السوق السوداء

نتيجة لنقص الأدوية في المشافي العامة في سوريا، أصبحت السوق السوداء نشطة جدا، في ظل لجوء المرضى إلى تأمين أدويتهم من بعض الصيدليات، والمراكز التي تبيع المستلزمات الطبية، بالإضافة إلى عدم وجود العديد من المستلزمات الطبية في المستشفيات الحكومية التي يُفترض أن تكون متوفرة فيها، ما يحمّل المواطنين أعباء مالية ثقيلة مقابل تأمينهم من السوق السوداء.

نقيب الأطباء غسان فندي، أشار إلى أن هناك نقصا في الأدوية في المشافي العامة بانقطاع بعض الزمر الدوائية، وقلّة في الزمر الموجودة الأخرى، في حين رأى الرئيس الفخري للطب الشرعي في سوريا، والأستاذ في كلية الطب في جامعة دمشق، حسين نوفل، أن هناك نقصا كبيرا فيما يخص المستلزمات الطبية في المشافي العامة وهذا يؤدي إلى تدهور الخدمات الطبية فيها، بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”.

على جانب آخر، اعتبر الأستاذ في كلية الطب في جامعة دمشق حسين نوفل، أن نقص الأدوية في المشافي العامة ينشط السوق السوداء بشكل كبير وبالتالي هذا يشجع على الترويج للمستلزمات الطبية، والأدوية السيئة باعتبار أن المرضى يشترونها من دون النظر إلى جودتها، وهمهم الوحيد هو تأمين هذه الأدوية، إضافة إلى التكاليف الزائدة التي يدفعها المريض للأدوية، ومستلزمات طبية جودتها ليست جيدة.

والأسبوع الماضي، شكا عدد من المواطنين من النقص الكبير في المستلزمات والأدوية بالمستشفيات العامة، حيث يطلب الأطباء في المستشفيات من مرافقي المرضى إحضار المستلزمات، ومعظمها غير متوفر في المشافي، الأمر الذي يفرض أعباء مالية كبيرة مقابل تأمينها من القطاع الخاص، بحسب “الحل نت”.

إقرأ:من الحالات الغريبة في سوريا.. المريض يشتري للمشافي الأدوية والكفوف

رفع الأسعار يحدث ضجة اجتماعية

نتيجة تدهور سعر صرف الليرة السورية مقابل النقد الأجنبي، سيما وأن المواد الأولية التي تُصنع منها الأدوية مستوردة من الخارج وبالعملة الأجنبية، فضلا عن غياب الدعم الحكومي للقطاع الصحي بشكل عام. إذ تعتبر أسعار الأدوية في البلاد من بين الأعلى سعرا بشكل عام، رفعت وزارة الصحة في الحكومة السورية، سعر 12 ألف نوع من الأدوية بنسبة 50 بالمئة، بعد تهديدات من أصحاب المعامل الدوائية بالتوقف عن العمل في الآونة الأخيرة.

بعد الجدل الذي أُثير بسبب الزيادة في سعر الأدوية، برر فداء العلي، مدير الشركة الطبية العربية “تاميكو”، في وقت سابق قرار وزارة الصناعة برفع أسعار الأدوية بقوله: “إن أي تعديل على سعر الدواء مهما كان طفيفا يسبب ضجة في الشارع، وصدى كبير باعتبارها سلعة ضرورية تؤثر على حياة المواطن، ولا يمكن الاستغناء عنها مقارنة بأي سلعة أخرى في الأسواق”.

وجادل العلي، بأنه يجب أن يُنظر إلى الدواء على أنه سلعة اقتصادية ذات مكونات ومواد أساسية تستخدم في تصنيعه، وكذلك المواد المساعدة ومواد التعبئة والتغليف، وأن هذا يستلزم وجود ناقلات للطاقة مثل الوقود والكهرباء والعمالة وغيرها.

ووفق تقارير محلية سابقة، فإن “السيتامول وصل لنحو 2000 ليرة سورية، وهو من أكثر الأدوية التي تنقطع ويتلاعب بسعرها، والبروفين أيضا شركة واحدة تنتجه”.

ووصل سعر بعض أدوية الالتهاب، إلى 13 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ خارج قدرة بعض المواطنين، علما أن هناك انخفاض على شراء المضادات الحيوية، وكثير من الأصناف الأخرى بسبب السعر.

قد يهمك:لا تعليم مجاني في سوريا.. ما حقيقة ذلك؟

معاناة الأدوية والقطاع الصحي في سوريا بشكل عام لا تزال في تصاعد مستمر، وسط عجز حكومي واضح عن القيام بأي شيء لدعم أكثر القطاعات أهمية وحساسية بالنسبة للسوريين، خاصة مع انتشار العديد من الأمراض نتيجة للظروف السيئة التي عايشها السوريون خلال العقد الماضي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.