انتهيت مؤخرا من إعادة مشاهدة مسلسل “أسعد الوراق” بنسخته الحديثة من إخراج رشا شربتجي وبطولة تيم حسن، الذي يعتبر بدوره إعادة إنتاج للنسخة الأصلية من المسلسل الذي قام ببطولتها هاني الروماني ومنى واصف، وذلك بعد أن عرضته لي خوارزميات “يوتيوب”.

يوفّر “يوتيوب” نسختي العمل، القديمة والحديثة على حد سواء، وفي حين اقتصرت النسخة الأولى على سبع حلقات، بواقع ساعة لكل حلقة تقريبا، تكوّنت النسخة الثانية من 30 حلقة عُرضت في رمضان 2010 إلى جانب أعمال مميزة أخرى، منها “وراء الشمس” و”تخت شرقي” وغيرها.

يُمكن بعد مشاهدة النسختين، إجراء المقارنة بينهما، على الأقل في العناصر الرئيسية للعمل، السيناريو والإخراج وأداء الممثلين، مع الأخذ بعين الاعتبار التطور التكنولوجي الكبير وتقنيات التمثيل والإخراج بين عامي 2010 و1975، عدا أن النسخة الجديدة صُممت للعرض في رمضان، ما استدعى كتابة 30 حلقة، ضمن القصة نفسها المقتبسة من رواية “الله والفقر” للكاتب صدقي إسماعيل.

كما نالت النسخة الأولى من العمل إشادات كبيرة في حينها، (بحسب ما تقوله الأجيال الأكبر التي عاصرت العمل ساعة عرضه)، وخاصة لجهة أداء منى واصف وهاني الروماني، كذلك نالت النسخة الثانية إشادات كبيرة جماهيرية ونقدية، وتحديدا لتيم حسن، الذي كان معتادا حينها على تقديم أدوار مختلفة في كل موسم رمضاني ضمن المسلسلات السورية، وقبل دخوله في حكايات مسلسل “الهيبة” في السنوات اللاحقة، ضمن ما عرف بثيمة “الدراما المشتركة – بان آراب”.

كثر الحديث في الفترة بين عامي 2006 إلى 2010، عن “الأزمات” التي عانت منها الدراما السورية، منها مقاطعة السوق العربية لها لأسباب سياسية، ثم ما أطلق عليه “أزمة نص”، وهي “أزمات” أسالت حبر الصحافة العربية، واستدعت الجدالات والنقاشات، ثم خفت الحديث عنها حتى عام 2011، ودون أن يعمل أحد ما على حلول حقيقية لها.

أزمة النص هذه تحديدا كانت من أكثر ما تحدثت عنه الصحف السورية والعربية عموما، على اعتبار أن الدراما السورية في فترة ما بعد 2007 انخفض عدد ما تقدمه من مسلسلات ذات سوية عالية، وأرجع صحفيون وفنانون وغيرهم السبب إلى غياب النص الجيد، وكأن سوريا التي أنجبت كل الأسماء “الكبيرة” في عالم كتابة السيناريو باتت عاجزة عن إنجاب غيرهم، وكأن الأمر لا يتصل بكم المحسوبيات والواسطات وغيرها من التفاصيل التي لا يتسع الأمر لذكرها الآن.

فكرت في الجمل السابقة بعد أن انتهيت من مشاهدة المسلسل للمرة الثانية، (هو عمل أحبه واعتبره برأي شخصي ليس بملزم لأحد، أفضل أعمال رشا شربتجي من الناحية الإخراجية).

لذا كان السؤال المنطقي، إن كانت الأزمة الممتدة منذ عام 2007 وحتى الآن لم تنتهي، وأدت إلى ظهور ربما أسوأ إنتاجات الدراما السورية على الإطلاق، قبل أن يعتقد البعض أنها بدأت بترميم نفسها خلال السنتين الماضيتين تحديدا، لماذا لا يُعاد إنتاج الأعمال السابقة القديمة التي حققت نجاحا كبيرا ويتم تكرار تجربة أسعد الوراق مرة أخرى.

بالتوازي مع هذه التساؤلات وغيرها، أعلن تيم حسن نفسه؛ مؤخرا، عن انطلاق أعمال تصوير فيلم “الزير سالم” قريبا، من بطولته وإخراجه، في أولى تجاربه الإخراجية.

أثار إعلان تيم حسن الكثير من الجدل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بين قرار الفنان السوري إخراج الفيلم، باعتبار أنها تجربته الأولى، وبين إعادة إنتاج مسلسل حصد نجاحا جماهيريا هائلا، كان على رأس صنّاعه المخرج الراحل حاتم علي، ومن تأليف الكاتب الراحل ممدوح عدوان، وهذان الاسمان وحدهما كانا كافيين للاستغراب والانتقاد والرفض المسبق أيضا، قبل تصوير أول مشهد من الفيلم حتى!.

إذا اعتبرنا أن الدراما السورية تعاني ما تعانيه في ظل الأوضاع الاقتصادية في سوريا، ولديها أزمة حقيقية في تصوير الواقع الحالي ضمن سقف أكثر انخفاضا عما كان عليه ما قبل عام 2011، ولديها كذلك “أزمة نص” عميقة للغاية، فلما لا يُعاد إنتاج عشرات الأعمال التي أنتجت وحققت نجاحا كبيرا لدى عرضها؟ سواء تلك التي أنتجت خلال التسعينات (وأتحدث هنا عن المسلسلات الاجتماعية تحديدا) أو عن مسلسلات الثمانينات؟.

بالإضافة إلى ما يشكله إعادة إنتاج مسلسلات قديمة حققت نجاحا لافتا كمَخرَج مؤقت من الحالة المزرية التي وصلت إليها الدراما لمئات الأسباب، فإنه يشكل مَخرَجا من أكثر الحجج التي استخدمها فنانون ومنتجون ومشاهدون! أزمة نص! وهو مصطلح لأزمة لم أسمع أنها موجودة سوى في سوريا.

لماذا لا يُعاد إنتاج مسلسلات “المحكوم” و”جريمة في الذاكرة” و”هجرة القلوب إلى القلوب” و”دائرة النار” على سبيل المثال لا الحصر؛ برؤية جديدة وقالب يناسب شروط الإنتاج الحالية ولغة منصات العرض الإلكترونية.

لا يمكن توقع النجاح والجماهيرية بالوصفة القديمة للدراما السورية، خاصة مع غياب الكثير من نجومها وصانعيها، وبالتزامن مع انتشار المسلسلات القصيرة والدراما المشتركة ومنصات العرض الإلكترونية، كما أنه لا يمكن الحديث باللهجة السابقة والشروط التي كان يفرضها الرقيب والأجهزة الأمنية في وقت سابق. الناس ليسوا أغبياء، ويستطيعون تمييز الغث من السمين، وعلى الدراما السورية أن تكون أكثر نضجا وقوة إن أرادت استعادة مجد غابر.

لم يعد مقبولا ولا ممكنا في الزمن الحالي الاستمرار بوصفة الثلاثين حلقة بما يتضمنه من حشو لإطالة الحلقات قدر الإمكان وتغطية ساعات العرض الطويلة.

علينا أن لا ننسى أن من عاش الحرب لعشر سنوات متتالية، ورأى ما رآه من الأهوال، لا تغريه لهجات الحنين المصطنع عن الياسمين ونهر بردى وقصائد سعيد عقل ونزار قباني، لأن الواقع أكثر قسوة وإيلاما من أن يتم تزيينه بمكياج النجومية ودقة الكاميرات الحديثة.

عادة إنتاج الأعمال القديمة ليست عيبا، مئات الأفلام والمسلسلات أعيد إنتاجها في شتى أنحاء العالم، لكن الفارق أن اللغة المستخدمة تطورت لتناسب الشكل الجديد للمجتمع وشكل الإنتاج ويناسب التقنيات الجديدة وتطورات النص وكتابة السيناريو، هل هذا ممكن في الدراما السورية؟ صدقوني لو قلت أن القائمين على الإنتاج لا يعلمون إن كانوا قادرين على هذه الأمور أم لا.

يتبادر إلى ذهني الآن السؤال التالي: إن كان القائمين على الدراما السورية بمختلف أدوارهم قادرين على إيجاد لغة جديدة حقيقية، هل سيحتاجون حينها لتفادي أزمة النص والأزمات الأخرى عبر إعادة إنتاج أعمال قديمة؟ ليسوا مضطرين في الحقيقة. وإن لم تستطيعوا، فها هي الأعمال القديمة موجودة، أعيدوا إنتاجها أفضل من الاستمرار بالعبث الحالي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.